الموقف العربي بين التعاجز والمبادرة لإخراج الاحتلال من مأزقه

تاريخ الإضافة الأحد 14 كانون الثاني 2024 - 5:31 م    عدد الزيارات 801    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

لم يخرج الموقف العربي الرسمي عن إطار اتجاهه حيال القضية الفلسطينية، والعدوان الذي يرتكبه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. وفي حين غلب التعاجز على هذا الموقف المتلحّف ببيانات الإدانة والامتناع عن خطوات فعلية يمكن أن تضغط على الاحتلال، فقد قدمت مبادرات عربية بدت أكثر تركيزًا على ما يطلبه الاحتلال من تركيزها على ما فلسطين، والأسرى، والمسجد الأقصى.

 

فقد تداعت الدول العربية والإسلامية، بعد أكثر من شهر من بدء العدوان على غزة، إلى عقد قمّة طارئة بشأن العدوان على غزة، وعقدت قمة عربية إسلامية في الرياض في 11/11/2023، لم تخرج بأيّ قرار عملي أو خطة فعالة للضغط من أجل وقف العدوان، بل وجّه بيانها مطالبات إلى دول العالم، لكأنّ الدول العربية والإسلامية مجتمعة لا تملك وسيلة للضغط على الاحتلال لوقف مذبحته بحقّ المدنيين في غزة.

 

ودان البيان الختامي للقمّة العدوان الإسرائيلي على غزة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري، ودعا إلى وقف الحرب على القطاع، ورفض وصف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أيّ ذريعة، ودعا إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، ودعا جميعَ الدول إلى "وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل". لكن الدول مجتمعة لم تعلن أيّ التزام من جانبها، إن على مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، أو في ما خصّ اتفاقيات التطبيع أو العلاقات الدبلوماسية، أو حتى الضغط عبر سلاح النفط لحمل "دول العالم" التي دعاها بيان القمة إلى وقف تسليح "إسرائيل" إلى التوقف عن إمدادها بسلاح قتل الفلسطينيين وتدمير غزة. بل إنّ خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، قال في 7/11/2023، في منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد المنعقد في سنغافورة، إن التلويح بأسعار النفط للضغط من أجل وقف الحرب على غزة ليس مطروحًا على الطاولة، وإن السعودية تحاول تحقيق السلام عبر المفاوضات.

 

ووفق مجلة إيكونوميست البريطانية، فإنّ "أجزاء من البيان الختامي تحمل مفارقة، فبدلاً من كسر الحصار، ساعدت مصر على استمراره ولعقدين تقريبًا، وما من دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي تبيع السلاح لإسرائيل، مع أنّ بعض دولها تشتري السلاح منها. وعند القراءة بين السطور، فإنّ القمة تكشف الكثير عن التناقضات التي تقع خلف الرد الإقليمي على الحرب. فالكثير من دول الخليج لا تمانع قضاء إسرائيل على حماس، وحتى مع خوفها من إحياء التطرف في داخل بلدانها. وتريد تعرض "محور المقاومة" لضربة، لكنّها تخشى من أن تكون في مرمى النيران، فهذه الدول تبنّت، ولعدة سنوات، سردًا ركز على الاقتصاد بدلاً من الأيديولوجيا، وهي تخاف من حرب طويلة بغزّة، ما يعني تخريب خططها".

 

وقبل هذه القمة، استضافت القاهرة بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 21/10/2023، قمة دولية للسلام، حضرها ممثلون عن 31 دولة، وثلاث منظمات دولية، وعدد من الشخصيات الاعتبارية، وغاب عن القمة معظم قادة الدول الغربية، واكتفت دول أوروبية بإرسال وزراء خارجية، أما الولايات المتحدة فاكتفت بإرسال القائمة بالأعمال السفيرة بيث جونز، في مستوى تمثيل يعكس عدم الاكتراث بإنهاء العدوان على غزة.

 

وفيما جاءت كلمات المتحدثين عامة وتقليدية لا تتناسب مع حجم العدوان، ولا تقدّر – على المستوى العربي والإسلامي – أهمّية ما تحقّق في السابع من أكتوبر، فقد فشلت القمة في التوصل إلى بيان مشترك نظرًا إلى اختلاف المواقف من العدوان ووقفه، وهذا ما لم يكن بحاجة في معرفته إلى قمّة دعيت إليها ترواحت مواقفها ما بين الدعم المطلق والأعمى لدولة الاحتلال، والرضا بالعدوان وتبريره تحت عنوان مضلّل هو "الدفاع عن النفس"، ومنع التظاهرات المناصرة لغزة والرافضة للعدوان.

 

ونشرت الرئاسة المصرية بيانًا عكس خيبة أملها في التوصّل إلى بيان ختامي أو التعبير عن مطالب مشتركة يمكن أن يترجم إنجازًا لها في حال الاتفاق على إعادة إطلاق عملية سياسية، على الرغم من أنّ العملية السياسية ثبت تاريخيًا فشلها في صدّ الاحتلال وعدوانه أو استعادة الحق الفلسطيني، بل أكثر من ذلك، فإنّها قضمت من الحق الفلسطيني أكثر ممّا أعادت أو رسّخت فيما رفلت دولة الاحتلال تحتها بدعم دولي لعدوانها على الحق الفلسطيني، وما يبدو أنّه موافقة فلسطينية على التمادي الإسرائيلي عبّر عنه ابتداء في اتفاق أوسلو والتخلي عن الحقّ في المقاومة.

 

وقال البيان إنّ مصر سعت عبر دعوتها إلى هذه القمة، إلى بناء توافق دولي عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية، ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق، ويدعو إلى وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنّها كانت تتطلّع إلى أن يطلق المشاركون نداءً عالميًا للسلام، والتمهيد لإطلاق عملية سلام حقيقة وجادة، تفضي خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

 

وعلى مستوى المبادرات، بدا أنّ التركيز كان منصبًا على تلبية مطالب الاحتلال أكثر من التركيز على حجم التضحيات التي قدمها أهل غزة، والحقّ الفلسطيني، وما تطلبه المقاومة بناء على الأهداف التي أطلقت من أجلها عملية طوفان الأقصى.

 

فقد وافقت المقاومة ودولة الاحتلال على هدنة إنسانية، بوساطة قطرية مصرية، استمرت من 24 إلى 30/11/2023، أطلق فيها سراح أسرى إسرائيليين ومحتجزين أجانب في غزة، مقابل تحرير أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال في سجون الاحتلال، وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع. لكن، في أثناء سريان الهدنة، قصف الاحتلال المدنيين وعاد بعد انتهائها لتصعيد وتيرة عدوانه قتلاً وحصارًا وإجبارًا على النزوح، ولم يدخل إلى غزة سوى نزر يسير من حاجات القطاع.

 

ثم، مع تعنّت الاحتلال واستمرار عدوانه على غزة وأهلها، وتعاظم المأساة الإنسانية نتيجة العدوان والحصار، طرحت دول عربية مبادرات بدت أقرب إلى إخراج الاحتلال من مأزقه أكثر من اتساقها مع الشرط الأول للمقاومة وهو وقف إطلاق النار قبل أيّ حديث عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.

 

ففي 24/12/2023، نشر في الإعلام مبادرة مصرية إطارها التوصل إلى "اتفاق بشأن تبادل المحتجزين الإسرائيليين بقطاع غزّة والأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية على ثلاث مراحل رئيسة"، فهدف المبادرة الرئيس الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، بحيث تتم المرحلتان الأوليان مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين يوافق عليهم الاحتلال في ظل وقف مؤقت لإطلاق النار، فيما تشمل المرحلة الثالثة التفاوض على إطلاق من تبقّى من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، فلا تقترح المبادرة الإفراج عن "الكلّ مقابل الكلّ"، على الرغم من أنّ هذه المعادلة طرحها في دولة الاحتلال أهالي الأسرى الإسرائيليين في بداية العدوان على غزة، حتى قبل أن يقتل جيش الاحتلال عددًا من الأسرى الإسرائيليين في عدوانه على القطاع، ولا ضمانات للانتقال من المرحلة الأولى على ما بعدها.

 

كذلك، قدّمت قطر مقترحات لتبادل الأسرى، شملت الإفراج عن أسرى إسرائيليين مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، في ظلّ هدنة إنسانية، وهذه الصفقة خلت بدورها من معادلة "الكلّ مقابل الكلّ"، ولم تطرح وقف إطلاق النار بل هدنة مؤقّتة، وهو ما يريح المحتل عبر الإفراج عن عدد كبير من أسراه، ويمكّنه من استعادة زخم العدوان والإمعان في قصف المدنيين للضغط على المقاومة وإخضاعها لشروطه.

مقالات متعلّقة

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »