القدس وصراع الديموغرافيا... تمسك فلسطيني وإجراءات صهيونية من أجل الاقتلاع
القدس.. تلك المدينة التي تمثل القبلة الأولى للعالمين العربي والإسلامي، تعاني من ممارسات صهيونية تهدف إلى إفراغها من أهلها وتحويلها إلى مدينة ذات أغلبية يهودية مركزية بالنسبة إلى باقي المدن في باقي أنحاء فلسطين المحتلة.
السياسة "الإسرائيلية" واضحة تماماً في قضية القدس وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث وضعت "إسرائيل" عام 1967 سياسة لتهويد هذه المدينة باستخدام مجموعةٍ من القوانين، هذه القوانين التي تستوجب السيطرة الهائلة والجغرافية على مدينة القدس. حتى الآن أصبح ما يزيد على 86% من مساحة شرقي القدس بشكل مباشر أو غير مباشر تحت سيطرة "الإسرائيليين". فدولة الاحتلال تستغلّ الظروف الدولية السائدة في المنطقة، وأيضاً فإنّها تستغل الضعف العربي والإسلامي والفلسطيني لتنفيذ مخططها لقضيتين، الأولى: القضية الديموغرافية وهي التخلص من سكان مدينة القدس الفلسطينيين. القضية الثانية تندرج تحت إقامة القدس الكبرى بالمفهوم "الإسرائيلي" حتى تضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية داخل حدود 1948، لإحداث مفاهيم أكيدة بالنسبة إلى "إسرائيل". المفهوم الأول يكرّس فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها. والمفهوم الثاني هو التغيير الديموغرافي والجغرافي لصالح (إسرائيل) الثابت في عدم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، فالمدينة المقدسة بلغ عدد سكانها في نهاية عام 2003 نحو 402.900 نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، (في عام 2007 بلغ عدد السكان في محافظة القدس حوالي 363 ألف نسمة، حوالي 60% منهم يقيمون في ذلك الجزء من المحافظة الذي ضمّه الاحتلال عنوة بعيد احتلالها للضفة الغربية في عام 1967). ويشكّل أهالي القدس 10.8% من مجموع السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبلغت نسبة البطالة بين القوى العاملة فوق 15 عاماً في المدينة 22.3%، فيما بلغت نسبة العاملين داخل الخط الأخضر وفي المستوطنات 36.3% من إجمالي العاملين في المدينة، وذلك حسب معايير منظمة العمل الدولية.
هذه المدينة خضعت لشتى أساليب التهويد والضم إلى الدولة "الإسرائيلية" منذ بداية احتلال الشطر الغربي من المدينة فيما يعرف اليوم بالقدس الغربية، إلى أنْ احتلّ الشطر الشرقي منها في ما يعرف اليوم بالقدس القديمة أو الأحياء العربية في القدس.
واتخذ التهويد أشكاله المختلفة من مصادرة بطاقات المواطنين إلى هدم منازلهم بحجة عدم الترخيص، إلى حرق المسجد الأقصى في المدينة المقدسة بهدف طمس الهوية الإسلامية للمدينة، إلى حفر الخندق أسفل المسجد، إلى أشكال أخرى متعددة وخطيرة تعلو كل حين الأصوات الفلسطينية المحذرة من أن الأقصى والقدس في خطر.
فقد أظهرت معطيات وزارة الداخلية "الإسرائيلية" إحصائيات عن السكان الفلسطينيين الذين سحبت إقامتهم في شرقي القدس المحتلة ارتفع في سنة 2006 بأكثر من 500%.
وذكرت الإحصائيات أنّه في عام 2005 بلغ عدد حالات سحب حقّ الإقامة 222 حالة، أما في 2006 فارتفع إلى 1363 حالة. ويدور الحديث عن العدد الأعلى لسحب حق الإقامة منذ بدء سياسة نزع الإقامة في عام 1995. وإنّ السنة التي ضربت الرقم القياسي في سياسة سحب الهويات كانت 1996 (739 حالة)، 1997 (1067 حالة)، 1998 (788 حالة). وفي الفترة بين (1999-2001) طرأ انخفاض في عدد سحب الهويات في شرقي القدس بلغ بين 200-300 حالة في السنة.
كما واصل الاحتلال خلال عام 2006 جرائمه بحق البناء-السكن الفلسطيني في القدس تحت ذرائع شتى مثل جدار العزل والضم العنصري وشق الطرق الالتفافية، وأنّها أقيمت على أراضي دولة -أراضي صادرها الاحتلال من أصحابها الفلسطينيين في القدس- والذريعة هي الأكثر استعمالاً لتغطية وتبرير الجرائم هذه هي (البناء بدون ترخيص: أي غير قانوني)، الذرائع ذاتها التي دمرت مؤسسات الاحتلال في القدس 622 مسكناً في الفترة بين 2000-2005 منها 120 مسكناً عام 2005.
الممارسات الصهيونية التي تعتمد على وسائل هامة وخطيرة في دفع المقدسيين إلى ترك المدينة المقدسة وهي سحب هوياتهم، وبالتالي يصعب عليهم إجراء أي معاملة رسمية بدون هوية تثبت الشخصية المقدسية، وكذلك هدم منازل المقدسيين يجعلهم بدون مأوى، وبالتالي يصبح غير قادر على العيش في ظلّ الظروف، إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة من عدم توافر فرص للعمل والملاحقة المستمرة من دوائر الضرائب، وبرغم كلّ الإجراءات التي تقوم بها القيادة الصهيونية فالشعب الفلسطيني متمسك بالمدينة المقدسة ولن يتخلّى عنها وهذا يستدعي وقفة هامة من العالمين العربي والإسلامي من أجل وضع الخطط والخطوات التي تساهم في تثبيت صمود المقدسيّين في مدينتهم وعد إتاحة الفرصة لتركها تحت أي ظرف من الظروف.
ولكن الهجرة عكسية
كشف ما يسمّى (مركز أورشليم للدراسات "الإسرائيلية")، أنّ مدينة القدس تعاني منذ 18 عاماً، وباستمرار، من هجرة يهودية سلبية، حيث يهاجر الشبان منها، كما أن الأزواج الشابة، وخصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى يهاجرون منها لصالح البلدات والمستوطنات "الإسرائيلية" المجاورة لها، فيما يزداد باستمرار عدد الفقراء اليهود فيها، وخصوصاً الحريديم، في حين أنّ المدينة تعاني من أعلى نسبة بطالة مقارنة بباقي المدن.
ووفقاً للمعطيات فقد بلغ عدد سكان القدس في نهاية عام 2007 نحو 746.300 نسمة منهم 489.480 من اليهود وغير العرب (قد يشمل هذا المقدسيين من الأرمن) و 256.820 عربياً. بينما شهد العام الماضي هجرة 18.750 يهودياً من المدينة، في حين انتقل للسكن فيها 12.360 يهودياً فقط.
ولفت المركز إلى أنّه منذ العام 1990 ولغاية العام 2008 هاجر من القدس 284.850 يهودياً، وانتقل للسكن فيها 174.560 يهودياً. من جهة أخرى، ووفقاً لمعطيات المركز، فإنّ نسبة الزيادة الطبيعية عند الأسر اليهودية تبلغ 25.8 ولادة لكل 1000 نسمة من اليهود، مقابل 30.5 ولادة لكل 1000 نسمة من الفلسطينيين.
وفي مجال الخصوبة بقيت الأم الفلسطينية أكثر إنجاباً من المرأة اليهودية، فقد انخفضت هذه القدرة عند الفلسطينيات من 4.3 في عام 200 إلى 4.0 في عام 2006، وسجلت ارتفاعاً في الجانب اليهودي من 3.7 في عام 2000 إلى 3.9 في العام 2007، بفعل ازدياد عدد المتدينين اليهود في القدس ولكن معدل الخصوبة لمصلحة المرأة الفلسطينية.
أمّا على صعيد الوفيات، فإنّ المركز يرصد انخفاض نسبة الوفيات لدى الجانبين، ولكن منذ سنوات السبعين فإنّ نسبة الوفيات في أوساط الفلسطينيين أصبحت أقل منها عند اليهود وبلغت في عام 2007 نحو 5.2 حالة وفاة لكل 1000 نسمة من اليهود. مقابل 2.8 لكل 1000 من الفلسطينيين.
أمّا في مجال الفقر والعمل، فإنّ هناك 21% من العائلات الفقيرة عند السكان اليهود في القدس من مجمل العائلات اليهودية، مقابل 67% عائلات فقيرة من مجمل العائلات العربية.
أمّا نسبة الأولاد اليهود الذين يعيشون تحت خط الفقر فتصل إلى 39% من مجمل الأولاد اليهود، بينما تصل هذه النسبة إلى 77% عند الأطفال الفلسطينيين.
هكذا هي صورة المعركة الديموغرافية في القدس، إجراءات قهرية تفرض على الفلسطينيين لكي يتركوا مدينتهم المقدسة، ولكن هيهات للصهاينة أنْ يحلموا بذلك، في المقابل يعطي الصهاينة جميع الحوافز لكي يبقوا في القدس ولكن النتائج تأتي عكس ما يتمنون فالهجرة العكسية من القدس تزداد وتكبر يوم بعد يوم.