ثلاثة مسارات سيقوم الاحتلال بالتصعيد من خلالها ضد الفلسطينيين في 2022
الخميس 20 كانون الثاني 2022 - 12:37 م 1958 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةحفلت أشهر عام 2021 بالعديد من التطورات في مدينة القدس المحتلة، فلم تعد سلطات الاحتلال تواري أهدافها في تهويد المسجد الأقصى، بل تعمل جهاراً لتحقيق الوجود اليهودي داخله، وهو وجودٌ ارتبط لديهم بـ"المعبد"، لذلك تابعنا محاولات أذرع الاحتلال "تأسيس المعبد معنوياً"، عبر أداء الصلوات اليهودية العلنية طوال أيام الاقتحام، وفي الأعياد اليهودية على وجه الخصوص، وإلى جانب المسجد الأقصى لا تترك سلطات الاحتلال وأذرعه التهويدية جانباً من المدينة المحتلة من دون خططٍ تستهدف هويتها، وتسعى إلى تهويدها، وطرد سكانها.
ومع ما جرى في المدينة من أحداث وتطورات، إلا أن أربعة سياقات أساسية طغت على مشهدية التهويد في المدينة في العام المنصرم، وهي:
– محاولة الاحتلال فرض الصلوات اليهودية الكاملة داخل المسجد الأقصى، خاصة إبان الأعياد اليهودية، وهو ما أصبح يُعرف بـ"التأسيس المعنوي للمعبد"، إضافةً إلى حشد أكبر أعدادٍ من مقتحمي المسجد في هذه الأعياد.
– خطط الاحتلال لتهجير سكان عددٍ من الأحياء المقدسية.
– تصعيد الاحتلال هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم في مقابل رفع حجم المشاريع الاستيطانية.
وقبل تناول أبرز مسارات التصعيد المتوقعة في عام 2022، لا بد من تسليط الضوء على بعض الأرقام التي صدرت في نهاية عام 2021، إذ تشكل أجزاء مهمة لرسم صورة ما جرى في المدينة في عام كامل، وتفتح المجال لتحليل المآلات بشكلٍ واضح وعميق. فعلى أثر تراجع أعداد مقتحمي الأقصى نتيجة تفشي وباء كورونا في عام 2020، عادت الاقتحامات إلى التصاعد في عام 2021، وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس بلغ عدد مقتحمي المسجد نحو 34112 مستوطناً، إلى جانب استهداف حراس الأقصى ورموز الوقف، وإبعادهم عن المسجد مدداً متفاوتة. وعلى الصعيد الديموغرافي، صعدت أذرع الاحتلال هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم، بحسب تقرير لمركز معلومات وادي حلوة، نفذت سلطات الاحتلال 187 عملية هدم في عام 2021، من بينها 115 منشأة هُدمت قسرياً بأيدي أصحابها تجنباً لدفع الغرامات الباهظة.
وأمام تغول الاحتلال في استهداف القدس وباقي المناطق الفلسطينية المحتلة، شهدت هذه المناطق تصاعداً في عمليات المقاومة، إن كانت من حيث الكم أو النوع، وبحسب مصادر فلسطينية شهدت القدس والضفة الغربية المحتلتين في عام 2021 نحو 10850 عملاً مقاوماً، من بينها 441 عملاً نوعياً، وبحسب التقرير قتل على إثر هذه العمليات 4 مستوطنين، وجرح نحو 435 آخرين نصفهم في القدس المحتلة، وهي الحصيلة الأعلى في الأعوام الأربعة الأخيرة.
تقدم المعطيات السابقة صورة عن واقع المدينة المحتلة، وما يجري فيها من مستجدات خطط التهويد، وما يسعى الاحتلال إلى تحقيقه في عام 2022 وما يليه، وفي سياق مقاربة معطيات الواقع مع مسارات التهويد، نجد أن الاحتلال ينشط على مختلف الجبهات، فلا يترك جهة أو زاوية من دون استهداف مباشر، وهذا ما يجعل المقدسيين في مقدمة خطوط المواجهة مع الاحتلال، وأن دفاعهم عن القدس والمقدسات يستوجب المزيد من الدعم، على الصعد الإعلامية والمالية وغيرها، إضافةً إلى حالة الاشتباك المباشر عبر الضفة والأراضي المحتلة عام 48، وهي حالة استطاعت إرباك الاحتلال وإقلاق أمنه، وما زالت.
وأمام مساحة الاستهداف الكبيرة، فإن مسببات التفجير كامنة في مختلف القضايا التي تجري في القدس المحتلة، خاصة أن الحراك الشعبي يتفاعل بآلية تفاجئ الاحتلال في كل مرة يحاول فيها فرض واقع جديد في المدينة المحتلة، وحول أبرز مسارات التصعيد نركز في هذا المقال على ثلاثة مسارات، هي:
1- مسار استهداف المسجد الأقصى
أمام تصاعد محاولات أذرع الاحتلال المضي في أداء الصلوات اليهودية علنياً في الأقصى، وسعي الاحتلال إلى تثبيت اقتحامات المسجد لتكون ثابتاً لا يتغيّر في سلوك المستوطنين، إضافةً إلى حشد جهود مختلف المستويات السياسية والأمنية والقانونية الإسرائيلية الرسمية في سبيل ذلك، نجد أن سلطات الاحتلال ستسعى إلى تعزيز اعتداءاتها الرامية إلى إظهار "السيادة" الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتخطو نحو المزيد من فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المسجد، وهي خطوة تؤدي فيها "منظمات المعبد" دوراً أساسية، إذ سترفع سقف مطالبها الرامية إلى فرض المزيد من التحكم بالأقصى وأبوابه، ومحاولة تحويل بعض هذه المطالب إلى حقائق على أرض الواقع، من بوابة الإجراءات الوقائية من كورونا، أو السماح بإدخال القرابين في الأعياد اليهودية، والقضايا التي ترفعها أمام محاكم الاحتلال. وهي خطوات تأتي بالتوازي مع رفع حدة اقتحامات الأقصى في مختلف أيام العام، وفي الأعياد اليهودية التي تتزامن مع أعياد إسلامية على وجه الخصوص، في سياق فرض أولوية المناسبات اليهودية، وتحويل الأقصى إلى مساحة تستوعب صلوات اليهود وطقوسهم، وأن سيادة الاحتلال على الأقصى أمرٌ واقع ومستمر، وهي نقطة بالغة الخطورة إن من حيث التعامل الإسرائيلي معها، أو الاستجابة الفلسطينية، إذ تعد نقطة تفجر ليس في القدس وحدها، بل في مجمل المناطق الفلسطينية على غرار اقتحام المسجد الأقصى في 10/5/2021 بالتزامن مع الـ28 من رمضان، التي أشعلت الهبة الفلسطينية ومعركة "سيف القدس".
وبالتوازي مع فرض الوجود اليهودي في المسجد، ستصعد سلطات الاحتلال استهدافها لدائرة الأوقاف الإسلامية، وتعمل على تحجيم دورها في القدس أكثر وأكثر، ضمن محاولات الاحتلال إنهاء الوصاية الأردنية على المسجد، أو دفعها نحو مزيدٍ من التراجع، عبر استهداف حراس المسجد، وعرقلة مشاريع العمارة والترميم.
وما مع يجري داخل الأقصى من اعتداءات لن تتوقف محاولات الاحتلال لإحداث تغييرات مباشرة في محيط المسجد الأقصى، إذ ستستمر محاولاته للسيطرة على مقبرتي الرحمة واليوسفية، وتحويل أجزاءٍ منهما إلى حدائق توراتية، تمكنه من إحاطة المسجد بحزام يهودي يفصله عن عمقه العربي والإسلامي.
2- مسار تهجير الأحياء الفلسطينية
يشكل الوجود المقدسي العقبة الكؤود أمام مخططات الاحتلال لتغيير ديموغرافية المدينة المحتلة، وهو وجود يتمسك بحقه ويدافع عنه حتى الرمق الأخير، وقد شهد عام 2021 تمسك أهالي حي الشيخ جراح بموقفهم الرافض لأي تسوية مع الاحتلال، واستمرار حالة الالتفاف الفلسطيني والدولي معهم، لذلك من المتوقع في عام 2022:
– استهداف المزيد من عوائل الحي لتهجيرهم، في محاولة لفتح المزيد من القضايا وتشتيت الجهود القانونية والشعبية لمواجهة أطماع الاحتلال.
– تصعيد الإجراءات العقابية بحق أهالي حي الشيخ جراح، رداً على تمسكهم بمنازلهم في الحي، خاصة ما يتصل بحياتهم اليومية، ووضع عراقيل في دخولهم وخروجهم من الحي، إضافةً إلى استمرار التنكيل بهم.
– استمرار محاولات الاحتلال السيطرة على أراضٍ وعقارات في الحي، مستفيداً من مروحة منوعة من القوانين العنصرية التي تطبقها سلطات الاحتلال، وهو ما سيسمح للاحتلال بأن يوسع وجوده الاستيطاني في الحي.
– دفع الاحتلال أذرعه لاستهداف الأحياء المقدسية الأخرى، إما عبر رفع قضايا تهجير جماعية على غرار ما جرى في حي الشيخ جراح، أو استهداف أجزاء من هذه الأحياء عبر هدمها.
3- مسار الحراك الشعبي والمقاومة
شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2021 العديد من العمليات النوعية في القدس، وأظهرت التقارير العبرية تخوفاً إسرائيلياً من اندلاع هبة شاملة على غرار تلك التي جرت في عام 2021، وهو تخوف انعكس على سلوك "الشاباك" الإسرائيلي، والقيادة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهذا ما يعني أن التقييم الأمني الإسرائيلي، ومجريات المقاومة في المناطق المحتلة تؤكد إمكانية تفجر الأحداث في أي وقتٍ ممكن، وهو ما سينعكس على استمرار العمليات الفردية النوعية التي تضرب منظومة الاحتلال الأمنية، خاصة في المدينة المحتلة، في رد مباشر على جرائم الاحتلال واعتداءاته بحق المسجد الأقصى.
ما يمكن أن يجري في الأقصى سينعكس بكل تأكيد على مجمل مشهد المقاومة في المدينة، فقد أشار العديد من المراقبين إلى استمرار الظروف الموضوعية لهبة فلسطينية جديدة، يشكل المسجد الأقصى شرارة تفجرها، خاصة أن عام 2022 سيشهد عدداً من المحطات التي تتزامن فيها الأعياد اليهودية والإسلامية، وهي محطات صراع إرادة بين إسلامية الأقصى ومحاولات أذرع الاحتلال استكمال "التأسيس المعنوي للمعبد".
أخيراً، ليست المسارات السابقة هي الوحيدة التي يمكن أن تشهد تصعيداً من حيث اعتداء الاحتلال ومن حيث الاستجابة الفلسطينية عبر المقاومة، ويظل المشهد في القدس بالغ التعقيد، فعلى الرغم من أنها مدينة محتلة تتعرض لحملات شرسة من التهويد، فإنها خاصرة رخوة للاحتلال، أثبتت في السنوات الماضية أنها قادرة على عرقلة المحتل وإقلاق أمنه، وخلط الأوراق في مجمل المشهد الفلسطيني.
المصدر: عربي بوست، 2022/1/11