هبّاتُ القدس درعُ المدينة ومسجدِها

تاريخ الإضافة الثلاثاء 22 شباط 2022 - 2:48 م    عدد الزيارات 2125    التعليقات 0     القسم تدوينات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

يصادف اليوم مرور ثلاث سنوات على هبة باب الرحمة والنصر الذي حققته جماهير القدس بإرادتها وتصدّيها للاحتلال وكسر قراره بإغلاق باب الرحمة ومنع المسلمين من الدخول إليه والصلاة فيه.

 

وكانت هبة باب الرحمة حلقة في سلسلة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الذي أثقل كاهل القدس، وشكّلت محطة بارزة في إجبار الاحتلال على التراجع في وجه إرادة الجماهير، وضربة قاسية لمشروعه التهويدي الذي يستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة، وفي مقدّمتها المسجد الأقصى.

 

جاءت الهبة بعد عامين من هبة باب الأسباط التي تصدّت فيها جماهير القدس للبوابات الإلكترونية التي نصبها الاحتلال عند أبواب الأقصى وحاول فرضها كأمر واقع، متذرعًا بالعملية التي نفذها ثلاثة فلسطينيين من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 في 2017/7/14.

 

في ظلّ النكسة التي مني بها الاحتلال ومستوطنوه على أثر هبّتي باب الرحمة وباب الأسباط، تصاعدت محاولات المستوطنين لفرض تغيير في الوضع القائم، بدعم من سلطات الاحتلال وفي مقدّمتها الشرطة، وتزايدت الاعتداءات على باب الرحمة والمنطقة الشرقية من الأقصى، فشهر الاحتلال سيف الاعتقالات بحقّ رواد المصلّى، والإبعاد عن باب الرحمة فضلاً عن المسجد عمومًا، وباتت المنطقة الشرقية نقطة ثابتة في جولات الاقتحام، يصلي فيها المستوطنون تحت أعين شرطة الاحتلال وبحمايتها. وفي المقبرة، ركّز الاحتلال على منع أعمال الترميم وسهّل وجود المستوطنين فيها فيما شنّ حملة اعتقالات ضدّ المقدسيين الذين عملوا على تنظيفها، وتصدّوا لأعمال التخريب التي نفّذها المستوطنون، ومن بينها تدمير شواهد بعض القبور فيها.

 

وكان واضحًا أنّ الاحتلال يعمل على إضعاف المقاومة الشعبية وإرادة الصمود، عبر الاعتقالات وقرارات الإبعاد عن القدس والأقصى، وتشييق الخناق على المقدسيين أولَا وعلى أيّ دعم يمكن أن يردهم من الداخل المحتل أو من الضفة. لكن ما كان أكثر وضوحًا هو أنّ مساعي الاحتلال لم تنجح في كسر إرادة النضال والمقاومة، وكشف ذلك شكل جلي في عام 2021 عندما وضع الاحتلال الحواجز في منطقة باب العمود وحاول منع المقدسيين من الجلوس على درجات باب العمود، وهو ما أدّى إلى تصدي الشبان لهذه المحاولات في ما عرف بهبة العمود، التي أجبرة الاحتلال مرة أخرى على التراجع والانكفاء.

 

وفي يوم 2021/5/10، الموافق 28 رمضان، تمكّن المرابطون من إجبار الاحتلال على منع المستوطنين من اقتحام الأقصى، وهو اقتحام كانوا يخططون له لمناسبة ما يسمّونه "يوم القدس" أو استكمال احتلال القدس وفق التقويم العبري. وعلى مدى اليوم، ظهرت قدرة الإرادة الشعبية الموحدة حول هدف واضح ومحدّد، وهو في هذه الحالة منع اقتحام 28 رمضان، على الوصول إلى الهدف وتحقيقه.

 

ويبدو شهر رمضان القادم مرشّحًا لتصعيد الاعتداءات في الأقصى في ظلّ استعدادات منظمات المعبد لتكثيف الاقتحامات بذريعة الأعياد العبرية التي تصادف فيه، لاسيّما "الفصح العبري". لكن تجربة الأعوام السابقة وما شهدته من هبّات شعبية تؤكّد إمكانية إجبار الاحتلال على إعادة حساباته حيال مخططاته، فكلّ وضع يقلق الاحتلال حيال أمنه هو وضع يمكن الاستثمار فيه، ومن الواضح أنّ الاحتلال، كما تشير تقارير وتحذيرات أمنية، إلى احتمالات توسّع المواجهات في الضفة والقدس، وظهور موجة عمليات جديدة تضرب أمن الاحتلال ومستوطنيه.

 

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى توصيات مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تقديره السنوي لعام 2022، إذ تضمنّت توصيات للاحتلال بالمحافظة على الوضع القائم في الأقصى، والسعي للتوصل إلى حلول تضمن الإبقاء على الفلسطينيين في بيوتهم في سلوان وحي الشيخ جراح؛ وهي نقاط يتوقّع أن تكون سببًا لانفجار الوضع في وجه الاحتلال.

 

على أيّ حال، قالت هبّات القدس الكثير عن دور الإرادة الشعبية في الضغط على الاحتلال وإرغامه على الخضوع والتراجع، ولقرار الاحتلال عدم وضع حواجز حديدية ونقاط تفتيش في منطقة باب العمود في شهر رمضان القادم، على خلفية ما حصل في العام الماضي، دلالات واضحة في هذا السياق.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

الفجر العظيم.. صلاةٌ ومساجد تتحدى الاحتلال

التالي

"نساء من أجل المعبد": 7 أهداف تستهدف المقدسات وتنشد بناء "المعبد"

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »