“حدائق تلمودية” وتحويل بيت المفتي إلى كنيس! كيف يستغل الاحتلال البنية التحتية لتهويد القدس؟
الجمعة 13 أيار 2022 - 8:56 ص 1790 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةيمكن وصف مشاريع البناء الاستيطاني وما يتصل بها من مشروعات البنية التحتية الخاصة بالاستيطان، بأنها كالحمى لدى الاحتلال، تعمل على تكثيفها في الحجم والنوع، وسعى الاحتلال في عام 2021 إلى إقرار المزيد من مشروعات البنية التحتية الخاصة بالاستيطان، تحت ستار المنافع العامة، وتطوير مناطق المدينة المحتلة، وهي أهدافٌ يكمن خلفها تعزيز الوجود الاستيطاني في المدينة المحتلة، من خلال تطوير البنية التحتية التي تدعم الاستيطان، وتسهل حياة المستوطنين وتنقلاتهم، وتتصاعد هذه المشروعات عاماً بعد آخر لتفتح المجال أمام الاحتلال ليحقق قفزةً في أعداد المستوطنين الذين تستوعبهم المناطق الاستيطانية، إلى جانب تعزيز الفصل التام بين المستوطنين والفلسطينيين، خاصة في شبكات الطرق والأحياء السكنية المختلفة. وفي المقال الآتي نتناول أبرز مشروعات البنية التحتية الخاصة بالاستيطان خلال عام 2021، والتي عملت سلطات الاحتلال على إقرار العديد منها وتنفيذها، وهي تنقسم إلى الفئات الآتية:
تهويد كرم المفتي وتحويل قصر الحاج أمين الحسيني إلى كنيس
صعدت أذرع الاحتلال استهداف حي الشيخ جراح، وما يتضمنه من معالم ومؤسسات، ومن بينها قصر الحاج أمين الحسيني والمنطقة المحيطة به، ففي 24/1/2021 أعلنت جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية أنها تخطط لتحويل منزل مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني إلى كنيسٍ يهودي، إضافة إلى مضاعفة عدد الوحدات الاستيطانية في محيطه، وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست سيحوَّل المنزل إلى كنيس، وأشار متحدث باسم الجمعية الاستيطانية إلى أنها ستحافظ "على المنزل التاريخي، وإعادة استخدامه لتلبية الاحتياجات المجتمعية". وإلى جانب خطورة بناء الكنيس، يستهدف المشروع رمزية الحاج أمين الحسيني، ودوره في مواجهة الاحتلال ومشروعه.
وفي سياق متصل بالمنطقة القائم فيها القصر، كشفت معطيات الرصد استهدافها بمخطط آخر، ففي 14/3/2021 اقتحمت طواقم من سلطة الآثار وبلدية الاحتلال وشركة "موريا"، كرم المفتي، بحماية قوات الاحتلال، وبدأت العمل على إنشاء حديقة تلمودية، وتستهدف أذرع الاحتلال 32 دونماً من الأرض لتأسيس حديقة توراتية في المنطقة. وعلى الرغم من اقتحام هذه النقطة في منتصف شهر مارس/آذار، إلا أن بلدية الاحتلال لم تعلن عن المشروع رسمياً إلا في 18/4/2021؛ إذ أعلنت بلدية الاحتلال أنها بدأت تحويل "كرم المفتي" إلى "حديقة توراتية" بمساحة 25 دونماً، بتكلفة تصل إلى نحو 28 مليون شيكل (نحو 8.6 ملايين دولار أمريكي)، وبحسب بيان بلدية الاحتلال سيتم افتتاح الحديقة في غضون عامين.
إقامة مكب نفايات قرب مخيم شعفاط
في منتصف شهر مارس/آذار 2021 أعادت "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال مناقشة خطة لبناء مكب للنفايات في منطقة قريبة ما بين مخيم شعفاط والعيسوية، ووفقاً للخطة سيتم التخلص من التربة الزائدة في المجمع، على أن تصل بالشاحنات شبه يومياً. ويرفض أهالي المناطق المجاورة أن يتحول المكب إلى مكان ترسل إليه سلطات الاحتلال ما لا يمكن إعادة تدويره، ويسبب تلويث المياه الجوفية والهواء المحيط، وتأتي إعادة طرح المشروع بعد إيقافه لـ6 سنوات؛ نتيجة رفض أهالي المنطقة.
مشروع "مركز المدينة شرق" التهويدي
في سياق المشروعات الاستيطانية الضخمة، التي تحاول تغيير وجه المدينة المحتلة، شكّل مشروع "مركز المدينة" أحد أبرز تلك المشروعات وأخطرها حتى لحظة كتابة التقرير، والمشروع أقرته "اللجنة اللوائية الإسرائيلية" لتوسيع البناء الاستيطاني في باب الساهرة ووادي الجوز وحيّ المسعودية في مدينة القدس المحتلة. ويمتد المخطط على مساحة تقارب الـ700 دونم، تضم أملاكًا خاصة، وعقاراتٍ وقفية، وضعته سلطات الاحتلال من دون الالتفات إلى حاجات السكان، ويؤثر المشروع في عشرات آلاف الفلسطينيين، وخاصة في شوارع صلاح الدين والسلطان سليمان والزهراء، وأحياء أخرى من بينها الشيخ جراح ووادي الجوز، وتعد المنطقة المستهدفة "القلب التجاري والحيوي" للشطر الشرقي من القدس.
ونتيجة لحجم المخطط والأحياء الفلسطينية التي ستتعرض للاستهداف، سيؤثر المشروع في حياة المقدسيين جذرياً، ومن أبرز تأثيراته ما يأتي:
* لا يأخذ المخطط في حساباته الزيادة الطبيعية للسكان في المدينة المحتلة، وهذا ما سيدفع عدداً كبيراً من سكان القدس للسكن خارجها.
* إطلاق يد بلدية الاحتلال في تغيير معالم المنطقة، تحت ذريعة تصنيف هذه المناطق على أنها مرافق عامة.
* تغيير أسماء المزيد من شوارع المدينة المحتلة، في سياق إضعاف هوية المكان الحضارية.
* فصل البلدة القديمة عن محيطها الثقافي والجغرافي والديموغرافي.
* إنهاء المركز التجاري في الشطر الشرقي من القدس.
* منع المناطق الفلسطينية من التطور والتنظيم، بمحاصرتها بالمشروعات الاستيطانية.
وفي 23/7/2021 تقدم عددٌ من المؤسسات الحقوقية المقدسية باعتراض لدى محاكم الاحتلال على "مخطط المدينة"، واستند الاعتراض إلى عدم التزام "اللجنة اللوائية" بالمعايير المهنيّة للتخطيط، وعدم مراعاة الاحتياجات السكنيّة للنمو السكاني للفلسطينيين. وفي 28/7/2021 جمدت محكمة الاحتلال العليا المشروع، إلى حين صدور قرارٍ آخر، وعلى الرغم من أهمية القرار، إلا أنه يسمح لسلطات الاحتلال بإعادة تعديله بما يتجاوز مضمون الاعتراض.
تطوير خطوط المواصلات، فرض المزيد من العزلة على الفلسطينيين
تعمل سلطات الاحتلال على تعزيز البنية التحتية الخاصة بالطرق والمواصلات؛ بهدف وصل المستوطنات المحيطة بالمدينة المحتلة مع تلك المقامة على شطر المدينة الغربي، وإلى جانب هذا الهدف تحاول سلطات الاحتلال أن تؤمن خطوطاً يسلكها المستوطنون لا يتعرضون فيها إلى رشقات الحجارة، ولا تمر قرب المناطق الفلسطينية، ومن أبرز مشروعات المواصلات نورد الآتي:
* في بداية شهر مايو/أيار 2021 كشفت مصادر مقدسية أن "لجنة التنظيم والبناء" تخطط إلى استحداث أربعة أنفاق جديدة، تهدف إلى ربط المستوطنات شرق القدس المحتلة بالمدينة المحتلة، وتسهل تنقل المستوطنين بين مستوطنات "معاليه أدوميم" و"بسغات زئيف" و"النبي يعقوب" و"آدم" وباقي مستوطنات شرق مدينتي القدس ورام الله، وبحسب مصادر مقدسية ستخترق هذه الأنفاق مناطق العيسوية وشعفاط وبيت حنينا وعناتا وأجزاء من حزما، وتسهم في عزلتها بشكلٍ أكبر.
* في 4/8/2021 أطلقت سلطات الاحتلال العمل في تنفيذ مخطط لشق طريق استيطاني جديد شمال القدس المحتلة، يربط مستوطنات شمال شرق القدس المحتلة، يقع قرب حاجز محيط حاجز قلنديا العسكري، ويمتد حتى قريتي جبع وحزما، ويهدف المشروع إلى إيجاد طريقٍ للمستوطنين القادمين من مستوطنات شمال شرق القدس ومستوطنات شرق رام الله.
* في 16/8/2021 أعلنت بلدية الاحتلال في القدس عن انتهاء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "الشارع الأمريكي" التهويدي، الذي سيربط بين مستوطنة "جفعات حماتوس" جنوب القدس، وجبل الزيتون وسط القدس المحتلة، ليصل جنوب القدس بشمالها، في طريقٍ موازٍ لطريق القدس – بيت لحم، الذي يستخدمه المستوطنون.
* في 5/9/2021 أعلنت بلدية الاحتلال عن افتتاح نفق جنوبي المدينة بطول 12 كم، لربط المستوطنات في جنوبي المدينة مع شطرها الغربي. وبحسب موقع بلدية الاحتلال سيربط النفق القدس المحتلة بمستوطنة "غوش عتصيون" والمستوطنات التي تجاورها، وتبلغ ميزانية المشروع نحو مليار شيكل (نحو 307 ملايين دولار أمريكي).
"إعادة بناء القدس".. تهويد شطر القدس المنسي
لم تقف مشاريع الاحتلال عند المستوطنات التي تحيط بالشطر الشرقي للقدس المحتلة فقط، بل صعدت في تنفيذ المشاريع في شطر المدينة الغربي، فقد سلط تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست العبرية الضوء على حجم البناء في المدينة المحتلة حمل عنوان "إعادة بناء القدس"، وبحسب الصحيفة يمتلك رئيس بلدية الاحتلال في القدس أكبر ميزانية في تاريخ المدينة المحتلة، وقد صرح موشيه ليون أن "القدس شهدت ثورة حقيقية في السنوات الأخيرة، من البناء، وتطوير البنية التحتية للمواصلات، وصولًا إلى تطوير الفضاء العام".
وبحسب المهندس يوئيل إيفين، المسؤول عن تخطيط وإدارة تطوير مشروعات بلدية الاحتلال، هناك عددٌ من المشروعات الضخمة التي تقوم عليها بلدية الاحتلال، عددٌ منها في الشطر الغربي من المدينة، ولكن تأثيراتها العمرانية والسكانية ستنعكس على مجمل المدينة المحتلة، وعلى حجم الوجود الاستيطاني فيها، وهي:
1. خطوط القطار الخفيف، والقطار الهوائي المعلق "التلفريك".
2. مشروع بوابة القدس: تضم 24 مبنىً كبيراً، بما في ذلك 9 ناطحات سحاب، على مساحة 305 دونمات، وبحسب بلدية الاحتلال سيضم المشروع 97 ألف متر مربع من المساحات التجارية، و286 ألف متر مربع من المناطق الثقافية والعامة، إضافةً إلى نحو 2000 غرفة فندقية.
3. مواقف السيارات في "سديروت شازار": تُستكمل الأعمال الهيكلية لموقف ضخم للسيارات تحت الأرض، مكون من خمس طبقات، يضم نحو 1300 مكان لوقوف السيارات.
4. خطة ضخمة لبناء حي جديد على طريق "بيغن" السريع، بين شارع "روبين" و"جفعات مردخاي"، وتخطط سلطات الاحتلال لبناء سقف ضخم، يربط "بيت هكيرم" مع البناء الجامعي الحكومي في "كريات هامشالا"، وسيُسْتَغَل السقف الضخم لبناء وحدات استيطانية، وفنادق ومبانٍ مكتبية وحدائق، على أن تتم الموافقة على المشروع في عام 2022، وإطلاق أعمال البناء في عام 2024.
5. مجموعة من الحدائق الضخمة في شطري المدينة المحتلة.
6. مشروع وادي السيليكون: سيضم نحو 250 ألف متر مربع من المساحات التجارية والمكتبية في وادي الجوز، وبحسب إلفين، سيوفر مركزاً تكنولوجياً متقدماً، يُعد واحداً من أضخم مشروعات الاحتلال في الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
ومع ما تتضمن هذه المشروعات من إطلاق يد الاحتلال في تهويد القدس، وترسيخ الوجود الاستيطاني داخلها، يصف متابعون ما تقوم به بلدية الاحتلال من مشروعات بأنها خليط من المشروعات الناجحة والفاشلة، في إشارة إلى أن الهدف الأساسي منها هو إقامة المشروعات قبل النظر ملياً في أهميتها ودورها، وتأثيراتها على المديين القريب والبعيد، وتعزيز قبضة الاحتلال على المكان.
المصدر: عربي بوست، 2022/5/10