أيّ دور لبلدية الاحتلال في القدس في سياسة تهويد المدينة؟

تاريخ الإضافة الخميس 28 تموز 2022 - 8:08 ص    عدد الزيارات 985    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

خرجت مؤخرًا تسريبات في إعلام الاحتلال عن مساعٍ لترشيح فلسطينيين لانتخابات بلدية الاحتلال في القدس المقرّر إجراؤها أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأفادت التسريبات أنّ العازمين على الترشح يخوضون نقاشًا جادًا حول الموضوع، مع مراقبة درجة تأييد الشارع المقدسي لخطوتهم، ومحاولة استمالة الدعم من بعض الشخصيات المقدسية المهمّة.

 

ويحاول البعض تقديم الترشح لانتخابات بلدية الاحتلال في القدس على أنّه محاولة لتمثيل المقدسيين، والعمل من داخل البلدية على تحسين مستوى الخدمات المقدّمة لهم؛ لكنّ واقع الأمر هو أنّ مثل هذه المشاركة يشكّل انخراطًا في منظومة الاحتلال، وبابًا من أبواب إضفاء الشرعية عليه، وطريقًا لتعزيز سيطرة الاحتلال في القدس عبر التشبيك معه فيما المطلوب هو الانفكاك عنه والتحلّل منه قدر الاستطاعة، إذ إنّ الهدف هو التحرر منه وليس تحسين جودة الخدمات تحت قبضته.

 

فمن المهمّ هنا الالتفات إلى أنّ بلدية الاحتلال في القدس ليست إطارًا خدماتيًا بقدر كونها أداة لترسيخ تهويد المدينة بشطريها، وصحيح أنّ المقارنة بين الخدمات التي تقدمها البلدية في غرب المدينة وشرقها تظهر الهوّة الكبيرة في مستواها، لكن الأمر في ظلّ وجود احتلال يتعدّى المقارنة بين مستوى الخدمات التي تقدّمها دولة الاحتلال لمواطنيها، وتلك التي تدّعي تقديمها لمن هم تحت الاحتلال. وتقويم دور البلدية في هذه الحالة لا يكون من باب تصنيفه تحت عنوان الخدمات والتقصير فيها، بل هو يتخطّى ذلك إلى نهج حكومي ليست بلديّة الاحتلال إلا واحدة من أدواته. ويشهد التهويد في الشطر الشرقي للقدس، لا سيما في السّنوات القليلة الماضية، على الدور الحقيقي لبلدية الاحتلال التي تتعاطى مع القدس كجزء من "إسرائيل"، وتتنصّل من الواجبات التي يفرضها القانون الدولي على القوة القائمة بالاحتلال تجاه من تحتلّ أرضهم.

 

وبصرف النّظر عن الخدمات البلدية المتقدّمة التي تؤمّنها بلديّة الاحتلال للمستوطنين في الشّطر الغربي من القدس بما يخدم ترسيخ احتلال عام 1948، فإنّ الوجود البلدي في الشّطر الشرقي عنوانه مشاريع تهويد القدس والتّضييق على المقدسيين. أمّا في الأرقام، فإنّ الميزانية التي تخصّصها البلدية في شرق القدس، والتي تغذّي بها مشروع التهويد غالبًا تحت مسمّى "التّطوير"، هي ميزانية ضئيلة مقارنة بعدد المقدسيين الذين يشكلون قرابة 38% من إجمالي سكان القدس. ويظهر تحليل جمعية "عير عميم" لأرقام موازنة البلدية لعام 2013، على سبيل المثال، أنّ استثمار البلدية في شرق القدس هو 10% من الموازنة، وفي أحسن الأحوال 13.6%. والسياسة التي تتبعها بلدية الاحتلال في الشطر الشرقي من القدس جزء من سياسة الحكومة الهادفة إلى تقليص الوجود العربي إلى أقل مستوى ممكن بما يجعل اليهود المستوطنين أغلبيّة تتوافق مع ما يحاول الاحتلال ترسيخه من مزاعم حول "يهوديّة القدس، عاصمة الشّعب اليهودي".

 

وتفرض بلدية الاحتلال على المقدسيين ضرائب باهظة، تحت مسمّيات مختلفة، منها ضريبة الأرنونا أو المسقّفات، وضريبة على دخل الأفراد والشركات، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الأملاك، وضريبة البلدية التي تُجبى على أساس مساحة الشقق والمحال التجارية، وضريبة على أصحاب العمل باسم رسوم التأمين الوطني تصل إلى 10% من الدخل. وعلى الرغم من العبء الذي ترتّبه البلدية على المقدسيين، فإنّ ما ترصده من موازنتها للخدمات في شرق القدس قليل جدًا، حتى بالتناسب مع عدد المقدسيين كما تبيّن أعلاه. وعلاوة على ذلك، فإنّ الضرائب الكبيرة أرهقت كاهل التجار المقدسيين، واضطرت بعضهم إلى إغلاق محالّهم نتيجة عجزهم عن سداد الضرائب والديون التي رتّبتها عليهم.

 

ولا يخفى دور بلدية الاحتلال التهويدي الذي يطال قطاع التعليم في شرق القدس، إذ تسعى البلدية إلى أسرلة التعليم عبر جذب المدارس لتكون جزءًا من منظومتها ولتكون ساحة لتدريس المنهاج الإسرائيلي وما يعنيه ذلك من تأثير في الثقافة الوطنية للمقدسيّين، وسلخهم من انتمائهم للقدس. وعلاوة على أسرلة التعليم، تستعمل البلدية هذا القطاع كأداة ناعمة لمحاربة النضال الفلسطيني، وقد برز في هذا السياق مبادرة أطلقتها البلدية بالاشتراك مع وزارة التعليم، في العام الدراسي 2014-2015 لتمويل "اليوم الدراسي الطويل" في جميع مدارس الذكور الإعدادية في شرق القدس بهدف إبقاء الطلاب في المدارس مدة أطول، حتى لا يشاركوا في إلقاء الحجارة أو المواجهات ضدّ قوات الاحتلال.

 

كذلك، تعدّ بلدية الاحتلال إحدى الحلقات في مسلسل الاستيطان في القدس، ولها دور مهمّ في عملية البناء الاستيطاني منذ تقديم العطاءات لدى الحكومة إذ يتعيّن على المقاول الذي فاز بالعطاء الاستيطاني التقدم إلى البلدية للحصول على رخصة بناء. وبعد الترخيص، ثمة دور للجنة المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس التي يتعيّن أن توافق على خطة البناء. ولا ينحصر دور البلدية في بناء الوحدات الاستيطانيّة، بل ثمة دور لها أيضًا في المشاريع الاستيطانية الكبرى في القدس، كمشروع القطاء الهوائي المخطّط تنفيذه ضمن ما يسمّيه الاحتلال "الحوض المقدّس".

 

ولا يمكن البناء في القدس من دون رخصة من البلدية. لكن استصدار المقدسيين لرخص البناء دونه معوّقات وضعتها البلدية، في مقدّمتها عدم وضع أيّ مخطط للأحياء العربية، وهي خطوة تعدّ شرطًا لإصدار الرخص. وقد بلغ عدد الرّخص الممنوحة للمقدسيّين 7% من مجمل الرخص الممنوحة في القدس ما بين 2010 و2014، في حين ذهبت الرخص الأخرى لليهود. التبرير الذي ساقته البلدية حول العدد المتدني للتراخيص الممنوحة للمقدسيين قائم على أنّ عدد من يتقدّمون منهم للحصول على تراخيص بناء متدنّ جدًا، وهذا ما يفسر وفق البلدية، النسبة المتدنية للتراخيص الممنوحة لهم. ولكن هذا التبرير هو إدانة للبلدية ذاتها وتأكيد لسياستها في تضييق هامش حصول المقدسيين على رخص البناء، في ظلّ الآلية المفروضة على المقدسيين للاستحصال على ترخيص، والتعقيدات التي تجعل إصدار الرخصة مهمّة شبه مستحيلة.

 

وتشير المعطيات إلى أنّ أكثر من ثلث المنازل العائدة للمقدسيين مهددّة بالهدم، ما يضع حوالي 90 ألف فلسطيني تحت خطر التهجير. هذه السّياسة في التّضييق على المقدسيّين في رخص البناء يرافقها هدم المنازل غير المرخّصة كعقاب. ووفق معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد هدمت سطات الاحتلال ما بين 1/1/2009 و1/6/2022 نحو 1671 منزلًا ومنشأة في القدس المحتلة، ما أدى إلى تهجير نحو 3100 فلسطيني، وتضرر نحو 8 آلاف آخرين.

 

أما الأحياء المقدسية التي عزلها الاحتلال بالجدار، والواقعة ضمن النطاق الإداري للبلدية، فتمتنع البلدية عن توفير الخدمات فيها، بذريعة تعذّر الوصول إليها، ما يؤدّي إلى نقص كبير في الخدمات، لا سيّما البنى التحتية وجمع النفايات.

 

ما تقدّم هو بعضٌ من تجلّيات دور بلدية الاحتلال في تهويد القدس وتنفيذ سياسات التهجير والتضييق والاستيطان ومحاولات تغيير وجهها وثقافتها، فهل تكون المشاركة الفلسطينية في انتخاباتها خدمة للقدس أم مشاركة في مخطّطات الاحتلال للسيطرة عليها وطمس هويتها وطرد أهلها؟

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

المشهد في القدس في النصف الأول من عام 2022 (3)

التالي

سحب تراخيص 6 مدارس في القدس: بؤس الخيارات وإمكانية الاستدراك

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »