الاحتلال والدفع نحو التصعيد في رمضان
الإثنين 27 آذار 2023 - 1:41 م 1298 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةتؤكد التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينيّة في عام 2022 وما مضى من أشهر عام 2023، جملةً من الحقائق، أبرزها إمعان الحكومة اليمينيّة الإسرائيلية المتطرفة في تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المكتسبات التهويديّة في القدس المحتلة، عبر مجموعة من القرارات الاستيطانية والتهويدية، يتصل بعضها بتصعيد الاعتداء على المسجد الأقصى، ويتصل بعضها الآخر برفع حجم الاستيطان وهدم منازل الفلسطينيين، وصولاً إلى إقرار "الكنيست" جملةً من القوانين التي تستهدف منفذي العمليات الفردية وذويهم، والأسرى الفلسطينيين.
ومع مضي المستوى السياسي الإسرائيلي في مخططات التهويد، تمر دولة الاحتلال في تغييرات عميقة على الصُعد الاجتماعية والسياسيّة، وشهدت "تل أبيب" مظاهراتٍ حاشدة ضد الائتلاف الحكومي الحالي، وتتطور حالة الحنق الإسرائيلي، لتشمل قطاعات عسكرية، ودعوات للعصيان المدني. وتُشير هذه المعطيات إلى أن الحكومة الحالية، تحاول مواجهة غضب الشارع الإسرائيلي من خلال تسريع القرارات التهويدية وتكثيفها، وتحول الوصف السياسي بأنها الأكثر "يمينيّة وتطرفاً" إلى حقيقة ماثلة.
ويشكل شهر رمضان المبارك محطة فاصلة، إذ تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تحقيق قفزات في مختلف المخططات التهويديّة التي تقوم عليها. ونرصد في هذا المقال، مجموعةً من التطورات التي بدأت بها أذرع الاحتلال ومستوياته المختلفة التي استبقت حلول الشهر الكريم، وهي إجراءات لا تتعلق بتهدئة الأوضاع، بل بفرض المزيد من القيود والحصار على الفلسطينيين في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة.
تصعيد استهداف الأقصى
شكل تزامن "عيد الفصح" العبري في 2022 وفي العام الحالي شرارة تصعيدٍ مرتقب في القدس المحتلة، خاصة أن اقتحام الأقصى في 10 أيار/ مايو 2021 الذي تزامن مع 28 من رمضان، شكل أبرز شرارات الهبة الفلسطينية الشاملة. فقد أطلقت "منظمات المعبد" استعداداتها لاستهداف الأقصى في رمضان قبل وقتٍ كبير، وفي 21 شباط/ فبراير 2023 أعلنت "منظمات المعبد" بدء استعداداتها لاقتحام الأقصى بالتزامن مع "عيد الفصح" اليهودي، ودعت المنظمات المتطرفة أنصارها إلى المشاركة الحاشدة في اقتحام الأقصى، وأعلنت أنها ستوفر لهم نقلاً مجانياً، ومرشداً يرافقهم خلال الاقتحام، إلى جانب المشاركة في "غربلة" تراب الحفريات أسفل الأقصى. ويأتي "عيد الفصح" اليهودي ما بين 6 و12 نيسان/ أبريل 2023.
وفي سياق كبح التصعيد المرتقب، أوصت شرطة الاحتلال بإيقاف اقتحامات الأقصى في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، إلا أن وسائل إعلام عبرية سربت في 6 آذار/ مارس 2023 تسجيلاتٍ صوتية لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، من اجتماعٍ ضمه مع شرطة الاحتلال، رفض فيها إيقاف الاقتحامات، واصفاً القرار بأنه "استسلام تام للإرهاب".
ومن المتوقع أن يشهد رمضان تصاعداً في الأحداث، إذ يتزامن الأسبوع الثالث من رمضان مع "عيد الفصح" العبري، ويشهد الأقصى في هذا العيد جملة من الاعتداءات.
ولم يكن التحرك مقتصراً على بن غفير فقط، فقد أعلنت المنظمات المتطرفة أنها ستضاعف أعداد مقتحمي الأقصى بالتزامن مع عيد "الفصح" العبري. وفي 19 آذار/ مارس 2023 دعا عددٌ من حاخامات "المنظمات المتطرفة" جمهور المستوطنين لتقديم "قرابين الفصح" داخل الأقصى، ونشرت إعلانات في البلدة القديمة عن حاجاتها لأماكن للاحتفاظ بالأغنام، في إشارة إلى تقديم قرابين "الفصح" العبري. ولا تتوقف دعوات المنظمات المتطرفة عند الأعياد اليهودية القادمة، بل ستبدأ بالتصعيد مع بداية رمضان، فقد شهد اليوم الأول من الشهر الفضيل اقتحام 294 مستوطناً لباحات الأقصى، أدوا طقوساً يهودية علنية بحماية قوات الاحتلال.
الحكومة الإسرائيلية تدفع نحو التصعيد
تحاول مستويات الاحتلال الأمنية وقف مختلف عمليات المقاومة في المناطق الفلسطينية المحتلة مع اقتراب شهر رمضان، ومن القرارات المتعلقة بهذا الأمر، ما أصدره وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في 22 شباط/ فبراير 2023 حول استخدام المقدسيين للمفرقعات النارية، وبحسب مصادر عبرية، سيتم التعامل مع المفرقعات مثلما يتم التعامل مع المتفجرات، ما يؤشر إلى أمرين؛ تصاعد استخدام المقدسيين للمفرقعات في وجه قوات الاحتلال، وإمكانية فرض المزيد من العقوبات بحق مستخدميها من المقدسيين.
وقبيل حلول رمضان، صعّد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير استهدافه للمجتمع الفلسطيني، ففي سياق تقليل التصعيد بالتزامن مع رمضان، كانت شرطة الاحتلال توقف عمليات الهدم في المناطق الفلسطينية المحتلة، إلا أن بن غفير قرر المضي في هدم منازل المقدسيين خلال رمضان، وتتحضر أذرع الاحتلال لتهجير عددٍ من العائلات الفلسطينية في البلدة القديمة وفي بلدة سلوان وفي حي الشيخ جراح. وعلى الرغم من أن وقف الهدم يأتي في سياق تقليل "التصعيد" الأمني، إلا أن قرارات بن غفير الأخيرة تسهم في تأجيج الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
تصعيد الحشد العسكري في القدس والضفة الغربية المحتلتين
مع تصاعد مؤشرات التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحاول سلطات الاحتلال على تطبيق العديد من الإجراءات على الصعد العسكرية والميدانية والسياسية، في محاولة لتطويق أي إمكانية لتفجر الأحداث في المدينة المحتلة. ويمكن الإشارة إلى وجود مسارين لدى الاحتلال، الأول يحاول فيه تطويق الهبّة القادمة، ويضغط لعدم حدوثها من خلال مختلف الأدوات المتاحة لديه، ويمثل هذا الاتجاه المستوى الأمني التقليدي. أما في المسار الثاني، فيريد استمرار التهويد وتصعيد استهداف المسجد الأقصى، بعيداً عن أي تطوراتٍ ميدانية، ويمثل هذا الاتجاه وزير الأمن القومي بن غفير وتناولنا بعض ملامحه منذ قليل.
وشكلت التدريبات الأمنية أول مؤشرات الحشد العسكري الإسرائيلي الاستباقي، فقد أجرت شرطة الاحتلال في 26 شباط/ فبراير 2023 مناورات واسعة استعداداً للتصعيد المرتقب في الضفة الغربية والقدس المحتلتين. وبحسب وسائل إعلام عبرية فقد تخللت المناورة تدريباتٍ عديدة، تركزت على اندلاع توترات في المدن الفلسطينية. وفي منتصف شهر آذار/ مارس كشفت مواقع عبرية أن جيش الاحتلال سيعزز من قواته في الضفة الغربية والقدس المحتلتين بالتزامن مع شهر رمضان، وبحسب وسائل الإعلام العبرية عززت قوات الاحتلال عناصرها في القدس المحتلة بنحو ألفي عنصر. ووفق موقع "والّلا" العبري ستركز شرطة الاحتلال على أيام الجُمع خلال شهر رمضان، وزعم الموقع بأن قوات الاحتلال أحبطت 25 عملية في القدس المحتلة.
ختاماً، تشير المعطيات السابقة، وخاصة المتعلقة بما يمكن أن يجري في الأقصى، والحشد الأمني الكبير الذي تقوم عليه المستوى الأمني الإسرائيلي، إلى إمكانية تفجر الأحداث في الأيام القادمة، وهو تفجر سيظهر في زخمٍ جديد للمقاومة الفلسطينية، وتصاعد العمليات الفردية والمناوشات في أزقة القدس وشوارعها. ويظل الخوف الأكبر لدى الاحتلال أن تتحول هذه العمليات إلى هبة فلسطينية شاملة على غرار التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 2021.