المقاومة في القدس جذوة لا تنطفئ
الخميس 20 حزيران 2024 - 10:39 م 385 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةتحتضن القدس المحتلة جزءا أساسيا من خريطة المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لما تشهده المدينة من مخططات التهويد، والاستهداف المتصاعد للمقدسات والسكان على حدٍ سواء، وهذا ما يدفع المزيد من الفلسطينيين إلى تنفيذ العمليات الفردية، والمشاركة في المقاومة الشعبية وعمليات رشق الحجارة، والتصدي لاقتحامات قوات الاحتلال للأحياء الفلسطينية في المدينة المحتلة. وعلى الرغم من محاولات الاحتلال خنق المدينة على أثر معركة "طوفان الأقصى" إلا أن المدينة شهدت جملة من التطورات والعمليات، ونقدم في هذه المادة إطلالة على المقاومة في القدس منذ بداية عام 2023 وحتى نهاية شهر أيار/ مايو الماضي.
40 في المئة من قتلى الاحتلال سقطوا في القدس المحتلة
تشهد القدس المحتلة عددا كبيرا من العمليات الفردية، إلى جانب المواجهات شبه اليومية التي تشهدها أحياء المدينة، وحول مجمل أعداد العمليات في القدس المحتلة في عام 2023، رصد مركز "معطى" نحو 1675 عملية في القدس المحتلة، من أصل نحو 14183 عملية وتشكل هذه العمليات نحو 12 في المئة من مجمل العمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي نسبة غير قليلة بالنظر إلى حجم الوجود الأمني الإسرائيلي في القدس المحتلة، وما تفرضه قوات الاحتلال من قيودٍ على حركة الفلسطينيين في المدينة وبلدتها القديمة.
واستطاعت العمليات الفردية النوعية التي جرت في القدس المحتلة أن تكبد الاحتلال خسائر فادحة، فقد أدت إلى مقتل 17 مستوطنا وعنصرا أمنيا، من أصل 43 قتيلا إسرائيليا في مجمل المناطق الفلسطينية المحتلة، وهو ما يعني أن جدوى عمليات المقاومة في القدس المحتلة مرتفعٌ جدا، إذ استطاعت أقل من 12 في المئة من مجمل العمليات، أن تحقق نحو 40 في المئة من مجمل عدد القتلى الإسرائيليين في عام 2023.
تصاعد عمليات إطلاق النار
شهدت القدس المحتلة منذ بداية عام 2023 تطورا لافتا، تمثل في تنفيذ المزيد من عمليات إطلاق النار النوعية، وقد ركزت هذه العمليات على استهداف نقاط الاحتلال والحواجز التي تفصل القدس المحتلة عن باقي الأراضي المحتلة، إضافة إلى استهداف المستوطنات، وشكلت عملية الشهيد خيري علقم أولى العلميات المؤثرة في عام 2023، وفي مجمل المشهد المقاوم في الأراضي المحتلة، والتي جاءت ردا مباشرا على ارتقاء عددٍ من المقاومين في مخيم جنين. ففي 27 كانون الثاني/ يناير 2023 نفذ علقم (21 عاما) عملية إطلاق نار من سيارته قرب كنيس يقع وسط حي "نافيه يعقوف" (النبي يعقوب)، وأدت العملية إلى مقتل 7 مستوطنين وإصابة 10 آخرين، ووصفت مصادر عبرية العملية بأنها الأخطر منذ عام 2008، واستطاع المنفذ أن ينسحب من مكان العملية، واشتبكت معه قوات الاحتلال في مكان آخر، قبل ارتقائه.
ومن أبرز العمليات النوعية التي شهدتها القدس المحتلة، في عام 2023 عملية الدهس التي نفذها الشهيد حسين قراقع (30 عاما) في 10 شباط/ فبراير 2023، أسفرت عن مقتل 3 مستوطنين وجرح 6 آخرين وارتقاء المنفذ، وعملية الشهيد الشهيد حاتم أبو نجمة (39 عاما) في 24 نيسان/ أبريل 2023، والذي نفذ عملية دهس في القدس المحتلة، أدت إلى إصابة 8 مستوطنين وارتقاء المنفذ.
وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 نفذ عددٌ من المقاومين وهم عبد القادر عبد الله القواسمي (26 عاما)، وحسن مأمون قفيشة (28 عاما)، ونصر عبد العفو القواسمي (17 عاما) عملية إطلاق نار، استهدفت حاجز النفق العسكري الفاصل بين مدينة بيت لحم وجنوب القدس المحتلة أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 6 آخرين، واستشهاد المنفذين برصاص قوات الاحتلال، وفي اليوم نفسه تبنت كتائب القسام العملية.
وآخر العمليات النوعية في 2023، تلك التي جرت في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 ونفذها الشقيقان إبراهيم النمر (30 عاما) ومراد النمر (38 عاما)، وتضمنت عملية إطلاق نار ودهس، عند المدخل الشمالي الغربي لمدينة القدس المحتلة، بالقرب من مستوطنة "راموت"، أدت إلى مقتل 4 مستوطنين، من بينهم أحد كبار الحاخامات، إضافة إلى إصابة 12 مستوطنا، وارتقاء المنفذين. وعلى أثر الإعلان عن هوية المنفذين، اقتحمت قوات الاحتلال منزل الشقيقين واعتقلت والدهما، وعددا من أفراد العائلة.
تجدد في النصف الأول من عام 2024
تشهد القدس المحتلة عشرات العمليات شهريا، وتتنوع من إطلاق النار ورشق الحجارة، وصولا إلى صدّ المستوطنين وغيرها، وبحسب مصادر فلسطينية فقد شهدت المدينة المحتلة نحو 137 عملية ما بين 1 كانون الثاني/ يناير 2024 و30 أيار/ مايو 2024. وشهد شهر كانون الثاني/ يناير أكبر عدد عمليات، بواقع 38 عملية من بينها عملية إطلاق نار.
وشهدت المدينة المحتلة في الأشهر الماضية من 2024 عددا من العمليات النوعية، نفذها مقدسيون في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أبرز هذه العمليات عملية الشهيد فادي جموم (40 عاما) في 17 شباط/ فبراير 2024، الذي نفذ عملية إطلاق نار نوعية، في محطة الحافلات في مستوطنة "كريات ملاخي" جنوب فلسطين المحتلة، أدت إلى مقتل مستوطنين وإصابة 4 آخرين، وارتقاء المنفذ، وأعلن الاحتلال بأن الشهيد من مخيم شعفاط في القدس المحتلة. ثم عملية حاجز الزعيم في 22 شباط/ فبراير 2024، فقد نفذ 3 مقاومين عملية إطلاق نار قرب الحاجز أدت إلى مقتل عنصر أمنيّ إسرائيليّ، وإصابة 7 مستوطنين آخرين واستشهاد اثنين من المنفذين؛ هم محمد زواهرة (26 عاما) وأحمد الوحش (31 عاما)، واعتقال المنفذ الثالث بعد إصابته بنيران الاحتلال؛ وهو الأسير كاظم زواهرة (31 عاما).
ومن العمليات النوعية، العملية التي نفذها في 29 شباط/ فبراير 2024 الأسير المحرر وأحد ضباط شرطة السلطة الفلسطينية، محمد يوسف ذياب مناصرة (31 عاما)، من مخيم قلنديا شمالي القدس المحتلة، بإطلاق نار في محطة وقود قرب مستوطنة "عيلي" جنوبي نابلس؛ أسفر عن مقتل مستوطنين وارتقاء المنفذ. وآخر هذه العمليات في 30 نيسان/ أبريل 2024، أصيب فيها عنصر أمنيّ بعملية طعن قرب باب الساهرة بالبلدة القديمة، نفذها السائح التركي حسن سقلانن (34 عاما)، قدم إلى الأراضي المحتلة في اليوم السابق، واستشهد بعد تنفيذه العملية برصاص قوات الاحتلال، وعلى إثر العملية أغلقت قوات الاحتلال أبواب البلدة القديمة، وأبواب المسجد الأقصى، وفرضت قيودا مشددة في محيط مكان تنفيذ العملية.
أخيرا، تشكل هذه المعطيات إطلالة على تصاعد المقاومة في القدس المحتلة، وتعطينا صورة بالغة الأهمية، عن مشاركة الأراضي المحتلة في مواجهة الاحتلال وصد تغوله، ودللت المعطيات السابقة إلى تصاعدها على إثر عملية "طوفان الأقصى"، على الرغم من الإجراءات المشددة والتضييقات من قبل أذرع الاحتلال، في محاولة لخنق أي حالة مواجهة في المدينة المحتلة، وآثار انخراط الفلسطينيين في هذه المواجهة.