ثوب صهيوني مزيّن بقبة الصخرة ... لماذا !
الخميس 18 أيار 2017 - 12:26 م 9257 0 مقالات |
أسامة الأشقر
رئيس مجلس إدارة مركز المخطوطات والوثائق الفلسطينية وعضو اتحاد الكتاب العرب
ربما كان مستغرباً أن تتجرأ وزيرة الثقافة الصهيونية على تقديم رمز إسلامي شهير لا يكاد يجهله مسلم على وجه الأرض بقبته الذهبية المميزة على جدار تنورة مدوّرة بيضاء فضفاضة تلبسه في مناسبة فنية عالمية ، إذ إن ذلك قد يبدو ترويجاً لهذا التراث الإسلامي العريق في مدينة القدس المحتلة .
في واقع الأمر فإن هذا العمل ليس سرقة بالمفهوم الشائع للسرقة التي يشتغل عليها البرنامج الصهيوني في طمس الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية المسيحية للقدس وفلسطين بل هو أعمق من ذلك إذ هو رؤية صهيونية للتعامل مع هذا الرمز الآثاري التاريخي الإسلامي الذي بات الآن مكوِّناً رئيساً في تخيّل المدينة المقدسة التي يروّج لها الصهاينة بوصفها عاصمة سياسية لهم تحمل عمقاً دينياً يمثل الأديان كلها تحت سيادة "إسرائيلية"، وهذا تسويق مهم لهذا الكيان أمام العالم .
والصهاينة في مستودعاتهم السياسية الأولى يعرفون معنى إزالة هذا الرمز المشهور وتداعياته العالمية إذ هو في أقل مستوياته تدمير للتراث العالمي المسجل رسمياً في الأمم المتحدة، وهو تدمير لمقدّس ديني يعتنقه أكثر من مليار مسلم في العالم؛ ولذلك اتجهت الرؤية البصرية الترويجية للكيان نحو الاعتراف بهذا الرمز مع محاولة تغطيته برموز يهودية في المدينة كحائط البراق الذي يسمونه "المبكى" أو "برج داود"، أو دمجه ضمن مركّب "إسرائيلي" واضح كثوب هذه الوزيرة الصهيونية ، ومع ذلك فإن قوة إضاءة الرمز الإسلامي بقبته المبهرة ما تزال تشدّ الأبصار إلى نقطة تركّزٍ بصرية واحدة لم تفلح السياسة الصهيونية في إطفاء إشعاعها.
ولا يخفى أيضاً أن من جملة الترتيبات الصهيونية في التعامل مع هذا الرمز هو إلحاقه بالرؤية الصهيونية للمكان بأن هذه القبة هي مرحلة تاريخية مرت على أرض يهودية مقدسة فرضتها ظروف القوة في حقبة زمانية سابقة، وأن هذا المكان (اليهودي) استوعب لاحقاً كل المؤثرات الدينية الأخرى التي تعاقبت عليه؛ وهذه فكرة مخادعة جداً يجري ترويجها في أوساط عالمية لا تحمل ثقافة معرفية حقيقية تجاه المكان، ومن شأن تغيير وصف المكان وجرِّه إلى التصور الصهيوني له أن يعدّه هؤلاء الذين تخْلُو أذهانهم من حقيقة الرمز وانتمائه أن يظنوه رمزاً "إسرائيلياً" ، وستكون هناك مشقة كبيرة جداً في تغيير هذا المستوى الظني من جانب العرب والمسلمين بسبب ضعفهم في المحافل العالمية الفنية، والنفوذ القوي للحركة الصهيونية وحلفائها في الغرب عامة.