مسيرات العودة الكبرى: صلاة الفلسطينيّين في محاريب جُمع النّضال
الإثنين 15 تشرين الأول 2018 - 12:06 م 5183 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةفي 2018/3/30، انطلقت أولى مسيرات العودة بالتّزامن مع يوم الأرض الذي أراد له الفلسطينيون أن يكون محطّة ينطلق منها نضالهم للوقوف في وجه ما سرب عن مضمون صفقة القرن والمساعي إلى إسقاط حقّ العودة. وقد قدّم الفلسطينيون في هذه المسيرات منذ انطلاقها 215 شهيدًا وما يزيد على 21 ألف مصاب وجريح، وهي مسيرات شارك فيها النساء والشبان والشيوخ والأطفال، في مشهد عابر للرايات الحزبية والفصائلية، وجرت فيها محاولات متعددة لاجتياز السياج الزائل، والتحم فيها بعض الشبان مع قوات الاحتلال المدجّجين بالسلاح، وتجلّت فيها إرادة المواجهة والمقاومة، والنضال ضد الاحتلال.
ليست مسيرات العودة بأيّ حال منفصلة أو معزولة عن انتفاضة القدس التي انطلقت في تشرين أول/أكتوبر 2015 بل هي جزء منها وامتداد لها، وهي تتقاطع معها في مقاومة الاحتلال، عينها على القدس والأقصى وعلى حقّ العودة، وعلى تحرير الأرض، والأسرى، والمسرى. ولعلّ العناوين التي انطلقت تحتها جُمع المسيرات تقول الكثير عن إطار هذه التّحرّكات، من جمعة الأقصى وجمعة الأسرى إلى جمعة انتفاضة القدس بالتزامن مع الذكرى الثالثة لانطلاقها. وبموازاة ذلك فإنّ عين المسيرات على غزة، ومطلبها الأوّل رفع الحصار الذي فرضه الاحتلال منذ أكثر من اثنتيْ عشرة سنة أدّت إلى وضع كارثي في القطاع.
تتجدّد المسيرات كلّ جمعة والمشاركة الكبيرة فيها، والإصرار على قصّ الشريط الشائك، وتجاوزه، والاشتباك مع جنود الاحتلال من جهة، وتعّنت الإسرائيليين في رفع الحصار من جهة أخرى، مشهدان متقابلان يعزّزان من احتمالية اقتحام الآلاف من الفسطينيين للسياج، في حال عدم الاستجابة لهم. ويعزّز من هذا الاحتمال أنّ هذا الحراك الشعبي يحظى بدعم الفصائل التي تؤكّد أنّ المسيرات لن تتوقف قبل رفع الحصار الظّالم عن غزة.
وقد بدأت ثمار المسيرات تلوح مع الحديث عن اليأس المستشري بين المستوطنين في "غلاف غزة" بسبب هذا الوضع المستمر منذ ستة أشهر بدءًا من المسيرات التي تطورت إلى مسيرات عند السّياج الزائل، ومحاولات لاقتحام السياج والوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ومن ثمّ البالونات الحارقة التي وجدت طريقها إلى المستوطنات في "غلاف غزة"، وأتت على عشرات الآلاف من الدونمات. ووفق مراسل القناة العاشرة فإن المستوطنين يفكرون في ترك المستوطنات، وهو أمر لم يكن في أصعب أيام إطلاق الصواريخ من قطاغ غزة، إذ لا يمكنهم تحمل الأوضاع أو الاستمرار في العيش قرب القطاع.
كذلك، فإنّ قادة الاحتلال لم يعودوا قادرين على إخفاء عجزهم عن وقف هذه المسيرات، وهذا ما انعكس في "التهديد" الأخير لرئيس حكومة الاحتلال الذي حمّل مسؤولية المسيرات لحركة حماس قائلاً خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة أمس الأحد إنّه "في حال لم توقف حماس المسيرات فسيتم إيقافها بطرق مختلفة"، إضافة إلى تصريح وزير الجيش الإسرائيلي الذي كشف عن فشل كل المحاولات لإيقاف التظاهرات على حدود غزة، ولكن الأوضاع لا تطاق، و"مع استمرار إرسال البالونات الحارقة وصلنا إلى مرحلة يجب تسديد ضربة قاسية لحماس". وهذه التصريحات التي تلوم حماس على ردّ الفعل الشعبي على الاحتلال وسياساته تبيّن استعداد "إسرائيل" للهرب من فشلها بالتّهديد بحرب جديدة على القطاع –تسمّيها حربًا على حماس- بدلاً من رفع الحصار وإنهاء سلسلة العقوبات الجماعية التي تفرضها على أهل القطاع.
اليوم، تقف مسيرات العودة في وجه صفقات تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتدافع عن حقّ العودة نيابة عن اللاجئين في غزّة والضّفة، والأراضي المحتلة عام 1948، وعن اللاجئين في الأردن ولبنان..عن حقّ الفلسطينيين الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية من أرضهم أو هجرت آباءهم بالعودة إلى أرضهم. وتتبنّى علاوة على ذلك الدفاع عن القدس والأقصى، والقضية الفلسطينية برمـّتها؛ وذلك يحتّم دعم هذا النضال وتبنّيه لحمل الاحتلال وأيّ طرف مشارك في الحصار على رفعه.
في كلّ يوم جمعة يتوّج الفلسطينيون في غزّة صلاتهم بنافلة يؤدّونها عند السّياج الزّائل، ركوعهم فيها مقاومة وسجودهم صمود، ولعلّ أكثر ما يخيف الاحتلال من رفع الحصار إدراكه ما تعنيه هذه الخطوة من السّماح لغزّة بأن تكون أكثر فاعليّة في الدفاع عن القدس والأقصى، فنبضُها هو الأقرب إلى قلب المسجد، ومعادلة قصف "تل أبيب" رسّختها المقاومة في غزّة ثأرًا للقدس، وأهلها لم يتركوا المقاومة كلّ سنوات الحصار، والحروب الإسرائيليّة على القطاع، ولن يتركوها.