كيف يتقاسم المستويان السياسي والأمني في دولة الاحتلال مهمّة تعزيز الوجود اليهودي في الأقصى؟
الثلاثاء 6 تشرين الثاني 2018 - 12:41 م 4950 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدولية
في 15/10/2018 عقد بـ "الكنيست" مؤتمر لمنظّمات "المعبد" لتقييم مدى تطوّر تحقيق الوجود اليهودي في الأقصى. وشارك في المؤتمر عضوا "الكنيست" يهودا غليك وشولي معلم، إضافة إلى وزير الأمن الدّاخلي جلعاد إردان. وأكّد إردان في المؤتمر دعمه "حقّ اليهود بالصّلاة في جبل المعبد"، لكنّه أشار إلى أنّ مسؤوليّة تحقيق ذلك هي على عاتق رئيس الحكومة.
ويمكن الانطلاق من هذا الكلام لإردان للإضاءة على أوّل عامل من العوامل التي ساعدت على خلق بيئة صديقة للاقتحامات في السّنوات الأخيرة، وهو موقف المستوى الأمني كما مثّله إردان منذ تولّيه وزارة الأمن الداخلي. ويتقاطع تصريح إردان هذا مع تصريح مماثل لقائد الشرطة الإسرائيلية روني الشيخ في مؤتمر لرؤساء المنظمات اليهوديّة الأمريكيّة الكبرى عقد في شباط/فبراير 2018 بالقدس المحتلّة، وقد قال حينها إنّ قرار صلاة اليهود في الأقصى بيد السّياسيّين الذين يفرضون القيود، والشرطة ستؤمّن الحماية لليهود في حال قرر السياسيّون السماح بالأمر. وبالفعل، شهد المستوى الأمني "انفراجات" في التّعاطي مع الاقتحامات في ظلّ موقف إردان وسياساته التي ينظر إليها نشطاء "المعبد" بعين الرضا. ويمكن القول إنّ السّياسة الأمنية الجديدة هي سياسة ذات حدّين: تسهيل اقتحامات المستوطنين إلى أبعد حدّ ممكن، والتّضييق على المسلمين إلى أبعد حدٍّ ممكن، وإبعادهم بذريعة الإخلال بالأمن في الأقصى، ولعلّ قرارات "القائمة السوداء"، وحظر المرابطين والمرابطات، والحركة الإسلاميّة-الجناح الشّمالي عام 2015 كانت التجلّي الأبرز لسياسة الاحتلال القائمة على تحسين ظروف الاقتحامات، وفرض مشهد مصغّر للتقسيم الزمني للمسجد.
لاحظ تقرير لجمعية "عير عميم" حول العلاقة بين شرطة الاحتلال ونشطاء "المعبد" تغيّر موقف الشّرطة، من تجنّب إظهار الانحياز إلى نشطاء "المعبد" ومحاباتهم إلى طفرة في الصّور ومقاطع الفيديو التي تظهر العلاقة الودّية بين الشّرطة والنّشطاء بما يعدّ رسالة علنيّة حول تداخل الشّخصي بالمهني في موقف المستوى الأمني حيال جماعات "المعبد"؛ وهذا التّداخل في العلاقات يفسّر إلى حدّ بعيد تصاعد محاولات خلخلة الوضع القائم في الأقصى من قبل المقتحمين وتزايد محاولات أداء الصلوات التّلمودية في ساحاته وعند أبوابه، واقتحام الأقصى بالقمصان التي تحمل رسومات تدعو إلى هدم الأقصى وبناء "المعبد"، إذ تغضّ الشّرطة الطّرف عن هذه المحاولات في معظم الأوقات في مقابل بعض الاعتقالات، لا سيّما إذا ضبطها حرّاس المسجد واعترضوا عليها.
لكن على الرّغم من تخفيف القيود الأمنيّة إلا أنّ ثمة سقفًا سياسيًا تظلّ الاقتحامات خاضعة له، وهذا ما عبّر عنه إردان، وكذلك الشيخ، بالإشارة إلى أنّ مسؤوليّة تمكين اليهود من الصلاة في الأقصى هي على عاتق رئيس الحكومة؛ ما يفيد أنّ ثمّة قرارًا سياسيًا، يبقى خاضعًا للتّفاهمات مع الأردن، بأن تبقى الاعتداءات على الأقصى ضمن سقف معيّن فلا تصل إلى حدّ سماح الحكومة، رسميًا، للمستوطنين بالصلاة في الأقصى، وإن كان مشهد الصلوات التلمودية في المسجد لم يعد أمرًا نادر الحدوث، تحت عين الشرطة وبحمايتها. كذلك، فإنّ "رسل نتنياهو" إلى الأقصى عادوا إلى اقتحام المسجد بعد قرار من نتنياهو بالسماح بعودة الاقتحامات السياسية، ومن المتوقّع أن تتزايد وتيرة اقتحاماتهم بعد توصية من يورام هليفي، قائد شرطة الاحتلال في القدس، بإمكانية زيادة الاقتحامات إلى مرة كل شهر بدلاً من ثلاثة أشهر، وأنّه من الممكن لاحقًا إزالة أيّ قيود على الاقتحامات في حال استمرار الوضع في الأقصى على ما هو عليه.
على أيّ حال، يبقى المستوى السياسي غير قادر على الانفلات الكامل من الوضع القائم في الأقصى، ولكنّه في الوقت ذاته يخضع لضغوطات من نشطاء "المعبد" ومن داعميهم الذين باتوا يحتلّون مواقع متقدّمة في دائرة القرار السّياسي وحولها، لدفعه إلى إحراز قفزات نوعيّة في طريق فرض وجود يهودي دائم ومباشر في الأقصى. وهنا يبرز الدور الذي يلعبه يهودا غليك، أحد أبرز نشطاء "المعبد"، وقد برز دوره أكثر بعد وصوله إلى "الكنيست" فبات يستخدمه كمنصّة رسمية للعمل على تعزيز الوجود اليهودي في الأقصى. وهو وجّه الدعوة مؤخرًا من "الكنيست" إلى طرد الأوقاف من المسجد ردًا على إعلان الأردن اتجاهه إلى عدم تمديد العمل بملحقي وادي عربة المتعلقين بتأجير أراضي الغمر والباقورة للاحتلال. ودعا غليك حكومته إلى التّصرف وفق ما تمليه مصلحتها، على اعتبار أنهّا صاحبة السيادة، وأن تطرد الوقف من المسجد وتعلن أنّه لليهود. وكان غليك شارك في مؤتمر خاص في "الكنيست" في 26/12/2017، تحت عنوان "الحاخاميّة وجبل المعبد" نظّمه "لوبي الكنيست لتعزيز الروابط اليهودية بجبل المعبد"، الذي يرأسه مع شولي معلم، وطالب المؤتمر الحاخامية الرئيسة في دولة الاحتلال بتغيير موقفها حيال الاقتحامات، إذ إنّها لا تزال تتمسّك بمنع دخول اليهود إلى الأقصى لفقدان شرط الطّهارة.
وبين حماسة المستوى الأمني وحذر المستوى السياسي تحقّق جماعات "المعبد" قفزات في طريقها إلى الأقصى، يساعدها أيضًا الموقف القانوني والأحكام التي تصدر لمصلحتها، بما يعزّز وجودها في الأقصى وحوله، علاوة على الفتاوى الدينية التي تدعو إلى اقتحام الأقصى نظرًا إلى أنّ الاقتحامات هي "خطوة عملية نحو بناء المعبد"، وقد تناول تقرير عين على الأقصى الصادر عن مؤسّسة القدس الدّولية توليفة الأدوار التي يضطلع بها كلّ من المستوى السياسي والأمني والقانوني والدّيني في تعزيز الوجود اليهودي في الأقصى ضمن "بيئة صديقة" للاعتداءات الإسرائيليّة على المسجد أسهم في تشكيلها ضعف الموقف العربي الرّسمي عمومًا، وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القدس عاصمة لدولة الاحتلال بما شجّع الأطراف الإسرائيلية المختلفة على السعي إلى الاستفادة من هذا الإعلان وتحقيق أقصى ما يمكن من مكاسب.