السالكون في طريق الشهادة
الخميس 13 كانون الأول 2018 - 4:45 م 5618 0 تدوينات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةهناك على هذه الأرض المباركة تشتعل معركةٌ من نوع آخر، معركة صبرٍ وثبات وعقيدة، معركة تشكل إرادة المواجهة عنوانها الأسمى والأمثل. فكسر القواعد المفروضة وتغيير الواقع المفروض عليهم، هي أبرز التجليات لأفعال هذه الثلة المباركة من المجاهدين، يسطرون في هزيع ليل أمتنا الكئيب، نموذجًا باهرًا، يصنعون نصرًا مظفرًا على الرغم من ذلك الديجور المطبق من الاحتلال وأشياعه.
لم تعد السمات المجردة هي الحكم الأمثل على هذا الجيل المذهل، فمن انتفاضة القدس وهبة باب الأسباط إلى عمليات الضفة النوعية الأخيرة، كسر هذا السيل الهادر من شباب المقاومة كل القواعد والأحكام المسبقة، فهو الجيل الذي يحمل بذرة التغيير، فيبادر بالتحرك، وينفذ العملية النوعية بعد العملية، ويربك الاحتلال أسابيع طويلة، فمن جرار إلى نعالوة، نماذج متوقدة بأن مواجهة الاحتلال وما يحشده من أذرع أمنية وعسكرية ليست في ميزان الحق إلا هباءة أو أقل، ونرى الاحتلال الغاصب يجن جنونه لستين يومًا ويستنفر الآلاف من جنوده، ولكن المطارد المبارك يحطم مجددًا صورة الجيش الذي لا يقهر، فهو جيش من ورق وتفوقه ليس إلا سرابًا ووهمًا.
يقولون بأن الرصاص لا يخلف إلا القتلى، ولا يترك إلا الثكالى، ولكن من الرصاص من يحيي أمة ويصنع وعيًا، ويبرهن على فشل مسار وتوجه، رصاصات قليلة في "عوفرا" و"بركان"، تُعلن أن الأمل لم يذبح على أعتاب التنسيق، وبأن الطريق الذي خطه الشهيد العياش وغيره من القادة الميامين، مسارٌ أصيل متجذر في حياة هذا الشعب العظيم... يجثم الصقر بعض الوقت، ولكنه سرعان ما يعيد التحليق بعيدًا، ينافس أخاه في غزة، فتصيد فئران العدو أضحت عادة فلسطينية.
ذلك الرصاص الذي يصدح في الضفة والقدس وغزة، يعيد للاحتلال وعناصره شبح العمليات النوعية، التي يتصيد فيها المقاومون أهدافهم بكل رباطة جأش وتؤدة، فيثخنون في صفوفه، ويضربون مفاصل أمنه المدنية والعسكرية، ويعيدون رسم المشهد من جديد، فمن روج لصورة تغيير إطار المركبة العسكرية، ترتعد فرائصه من ذلك الملثم المقدام، الذي لا يهاب محتلًا فيتقدم وروحه بين كفيه، يترك ضآلة الأرض ليسمو شهيدًا لله.
ليالي الشهادة عبقة بكل معاني الفضيلة والعنفوان، شبانٌ في عمر الزهور يودعون هذه الدنيا، بأبهى حلل الشهادة، يمضون تاركين أثرًا لا يمكن أن ينسى، سيظلون ذكرى على ألسنة السالكين في طريق الجهاد، سيكونون كتلك الترنيمة الصوفية في حضرات الجهاد، يتمتم بها العارفون للوصول إلى كنه الحقيقة، فالتضحية في سبيله هو التجرد الأسمى، ليكونوا بعدها في جوار رب العزة جلّ في علاه، ومع سيد أصحاب الطريق والعارفين.
مجد، صالح، أشرف، ومن قبلهم العشرات من أبطال هذه الأمة المعطاءة، باعوا الهوان بأغلى ثمن، يحتضنون الردى ولا يهابون المنون، لسان حالهم، لو عدنا لهذه الأرض لبذلنا ما بذلناه ألف مرة وكرة، يجسدون قول الشهيد القائد عز الدين الرنتيسي رحمه الله عندما رفع بندقيته وزمجر "هذا هو الطريق"..
بورك السالكون إلى العلياء..
لقد أبصروا الطريق، ولحقوا بالركب، والموعد الجنة.