باب الأسباط... حيث الصّلاة مقاومة
الخميس 14 آذار 2019 - 12:41 م 4729 0 تدوينات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدولية
لا مشهد يفزع الاحتلال اليوم أكثر من صلاة المقدسيين عند باب الأسباط، فهذا المشهد هو ما أجبره على إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعها عند أبواب الأقصى في تموز/يوليو 2017، وهو يتكرّر اليوم في هبّة باب الرحمة، إذ تحوّل باب الأسباط إلى نقطة رباط، وباتت الصلاة فيه عملاً مقاومًا من المقدسيين وحراس الأقصى الذين أبعدهم الاحتلال عن الأقصى ومنعهم من الدخول إليه والصلاة فيه.
ففي هبة باب الأسباط، رابط المقدسيون عند باب الأسباط، وأدّوا عنده صلواتهم، وأخرجوا مشهدًا من التلاحم والتكاتف، ووحدة الصّف، والوعي بمخطّطات الاحتلال، فاعتصموا بالباب وعنده، ورفضوا الدخول إلى المسجد عبر بوابات التفتيش حتّى لا يحوّلها الاحتلال إلى أمر واقع، ويثبتها في إطار عمله على تثبيت سيادته على الأقصى.
وكان الفعل المقاوم بالرباط عند باب الأسباط، على بساطته، تحديًا للاحتلال وإجراءاته، فقد فتحت السطات الإسرائيلية أبواب الأقصى لكنّ المقدسيين رفضوا الدخول إلى المسجد، فتمثّل الوعي الفلسطيني في أنصع صوره، مع إدراك المقدسيّين أنّ معركتهم ليست على الدخول إلى الأقصى، وأنّ دولة الاحتلال لن تغلق المسجد وتمنعهم من الدخول إليه، لأنّ مثل هذا الإجراء سيكشفها كدولة تمنع المسلمين من الدخول إلى مسجدهم، وتعتدي على الحرية الدينية، بل هي ستفرض مخطّطاتها تحت مسمّيات الأمن والسيادة. لذلك، كانت رسائل الصلاة عند باب الأسباط ذات أبعاد، ومنها أنّ الصراع ليس على الدخول إلى المسجد، بل على الدخول إليه وفق الوضع القائم التاريخي لا وفق إملاءات الاحتلال وشروطه.
المشهد في هبّة باب الأسباط يستعاد اليوم في هبّة باب الرحمة ويضع الاحتلال في المأزق الذي واجهه في معركة البوابات. ومع إغلاق الاحتلال المسجد يوم أمس ومنع المسلمين من الدخول إليه، كان الاتجاه إلى أداء الصّلاة عند باب الأسباط، وقد انقضّ الاحتلال على المصلين وحاول تفريقهم ومنعهم من أداء صلاتهم، حتى يحول دون تكرار النّموذج الذي سيضطره في نهاية المطاف إلى الإذعان والرضوخ لإرادة الجماهير. محاولات منع الصلاة عند باب الأسباط تأتي في موازاة حملات الاعتقال والإبعاد ضدّ المقدسيين وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، والتفاوض مع الأردن حتى يجد مخرجًا آمنًا ومشرّفًا قد توفّره له المفاوضات مع الأردن، صاحب الوصاية على المسجد، من دون أن يكتب في سجلّه هزيمة أخرى يفرضها الشّارع والجماهير.
ليست صلاة المقدسيّين عند باب الأسباط طقسًا تعبّديًا وحسب، بل إنّ لها من الدّلالات أيضًا ما يفهمه الاحتلال جيّدًا، فالاعتصام عند باب الأسباط نموذج من المقاومة يخشاه الاحتلال، وهو يعطي صورة عن المعركة وأهدافها، وعن الوعي المقدسي والفلسطيني عمومًا بأنّ الأقصى مكان للصلاة، وساحة للعبادة، وميدان للمقاومة، ومحطّة على طريق استعادة الأرض وتحريرها.