مصر بعد 40 عامًا من اتفاقية السلام مع "إسرائيل": أيّ دور قد تلعبه في "صفقة القرن"؟
الإثنين 8 نيسان 2019 - 7:38 م 3885 0 مقالات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةتتحضّر دولة الاحتلال للانتخابات التشريعية المبكرة يوم غد الثلاثاء 9/4/2019، ومن الممكن القول إنّ ما بعد هذه الانتخابات لن يكون كما قبلها، إذ إنّ المرجّح هو الإعلان عن الخطة الأمريكية للسلام، أو صفقة القرن، بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن تفاصيل الخطة لم تكشف بعد، إلا أنّ المؤكّد هو أنّها لن تكون مقتصرة على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل ثمّة أطراف أخرى ستكون معنية بها، على أن يكون ذلك على قدر ما تقتضيه الصفقة وتتطلّبه بنودها من "تسهيلات"، أو تنازلات، وما يمكن أن تؤدّيه الأطراف المعنيّة من دور، إن لجهة التمويل بالمال، أو التنازل عن الأرض، أو غير ذلك. وليس سرًا أنّ مصر هي في مقدّمة الدول التي تضمّها الخريطة المتوقعة لصفقة القرن، وقد بينت ذلك التسريبات المتوالية، واللقاءات التي جمعت الجانبين المصري والفريق الأمريكي المعني بمتابعة "خطة السلام".
السيسي إلى واشنطن ودور مصر في تعزيز السلام الإقليمي على أجندة الزيارة
على ما يبدو فإنّ الإدارة الأمريكية رفعت وتيرة تحرّكاتها تمهيدًا للإعلان عن الصفقة ولذلك وجهت دعوة، هي أشبه باستدعاء، إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن في 9/4/2019. ووفق الناطق باسم الرئاسة المصرية فإنّ الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين واشنطن والقاهرة لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية، ولمتابعة النقاشات الثنائية حول القضايا الإقليميّة. كذلك قال بيان البيت الأبيض إنّ اللقاء سيعزز التعاون بين البلدين في المجالين العسكري والاقتصادي، ومحاربة الإرهاب، ومناقشة التطورات في المنطقة إلى جانب أولويات مشتركة أخرى كالتحديات الاقتصادية، وحلّ النزاعات القائمة، ودور مصر المحوري في تعزيز السلام الإقليمي.
وعلى الرّغم من أنّ الصفقة لم تطرح رسميًا بعد، إلّا أنّ ما سبقها من تسريبات متعلقّة بالدور المصري تحديدًا، يشير إلى أنّ "مساهمة" مصر ستكون في مقابل إغراءات مالية ومن ضمن التسريبات التي وردت الاستعاضة عن مبدأ تبادل الأراضي بتحويل سيناء إلى منطقة تجارة وصناعة حرة يقام عليها عدد من المشاريع الصناعية والتجارية، لخدمة قطاع غزة في إطار خطة أوسع لإعلان دولة فلسطينية على حدود غزة والأراضي التي لم تلتهمها المستوطنات في الضفة الغربية، وبعض البلدات من القدس المحتلة. كذلك، تحدثت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن تحويل مبلغ 40 مليار دولار إلى ثلاث دول، من بينها مصر، إن وافقت على المشاركة في الصفقة، على أن تجبى المبالغ من دول خليجية إضافة إلى مساهمة من الولايات المتحدة. وكان جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره المكلف إدارة فريق صفقة القرن، ركّز في مقابلة مع صحيفة القدس المقدسية نشرت في 24/6/2018، على أنّ مصر سيكون لها حظ من الاستثمارات الاقتصاديّة في إطار صفقة القرن، فقال إنّ "نقاط الصفقة الفعلية هي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنّ الخطّة الاقتصادية التي نعمل عليها يمكن أن تظهر ما يأتي كجزء من صفقة عندما يتم تحقيقها مع بعض الاستثمارات الضخمة التي تمتد إلى الشعبين الأردني والمصري أيضًا".
مصر في "صفقة القرن" تستكمل ما بدأته في "اتفاقية السلام" مع دولة الاحتلال
الدور المصري الذي يخطّط لمصر أن تلعبه في صفقة القرن هو استكمال للدور الذي تقمصته القاهرة بعد اتفاقية السلام التي وقعتها مع كيان الاحتلال برعاية أمريكية في عام 1979. ويمكن القول إنّ الاتفاقية هذه أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وأدخلتها في دائرة العلاقات مع "إسرائيل"، التي جعلتها رهينة لها، إن على المستوى الاقتصادي، أو السياسي، أو الأمني. وفي الوقت الذي أصبحت فيه مصر أقصى ما يكون عن الالتحام مع العدو، فهي في الوقت ذاته تدور في فلك الأنظمة المعنيّة بالمحافظة على أمن دولة الاحتلال، وتدخل في مزيد من الارتهان والتبعيّة، لا سيّما للولايات المتحدة التي رعت اتفاقية السلام، ولا تزال تعمل لتسخير دول المنطقة لتحقيق مصالح "إسرائيل" والمحافظة على أمنها.
وعلى الرغم من المحاولات التي تسعى إلى تصوير اتفاقية السلام على أنّها مكسب لمصر، إلّا أنّ الرابح الأوحد منها هو دولة الاحتلال التي ضمنت عبر الاتفاقية حدودًا هادئة من الجهة الجنوبية، ووفق يوسي أحيمائير، المعلق التلفزيوني الإسرائيلي، فإنّ "بيغن آمن بالنتائج الإيجابية للاتفاق مع مصر، وهو يعلم أن قيمة سيناء لا تساوي قيمة الضفة الغربية بالنسبة إلى اليهود: تاريخيًا ودينيًا، لأنه بعد أربعين عامًا منذ المصافحة التاريخية في حديقة البيت الأبيض بين السادات وبيغن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، أكدت أن إيجابيات الاتفاق تفوقت على سلبياته، صحيح أنه كان سلامًا باردًا، وما زال، يرتفع وينخفض، لكننا لم نخض حربًا واحدة مع جارتنا الجنوبية مصر منذ حينها"، وقد راكمت "إسرائيل" منذ عقد الاتفاقية سيلاً من المكتسبات، لعلّ من أبرزها اتفاقية السلام مع الأردن. أمّا التنسيق الأمني بين الجانبين، والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، فهي شاهد على أنّ مصر باتت خارج حسابات المواقف التي يمكن أن يراهن عليها في سياق القضية الفلسطينية.
حماسة مصرية للحلّ الأمريكي
قبل عامين، قال السيسي للرئيس الأمريكي ترمب خلال القمة التي جمعتهما في البيت الأبيض في 3/4/2017: "ستجدني داعمًا وبشدّة كلّ الجهود التي ستبذل لحلّ قضية القرن/صفقة القرن، لأني متأكد أنّ فخامة الرئيس سيستطيع حلّها". ولكن هل بقيت ثقة السيسي بقدرة ترمب على الحل بعد اعتراف الأخير بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في كانون أول/ديسمبر 2017؟ وهل بقيت على حالها بعد قراره نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس؟
على أيّ حال، قد يكون هامش التّحرّك المصري ضيّقًا في مواجهة الإملاءات الأمريكية، وخارج الإطار الذي فرضته اتفاقية السلام على مصر منذ توقيعها، لكن التطورات على الأرض في التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية والانحياز الأمريكي الواضح إلى دولة الاحتلال يجعل من الأهمية بمكان رفض أيّ دور في الصفقة، لأنّ كل ما تحاول واشنطن تقديمه على أنّه مكسب لمصر لا يمكن أن يكون كذلك في مجمل حسابات الربح والخسارة عندما يكون الهدف تصفية القضية الفلسطينية برمّتها.