فلا بدّ للقيد أن ينكسر!
![]() ![]() ![]() ![]() |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةعلى وقع النصر الذي حقّقه الأسرى في معركة "الكرامة 2" يحلّ يوم الأسير الفلسطيني، الذي أقرّه عام 1974 المجلس الوطني الفلسطيني وفاء للحركة الوطنية الأسيرة، وهو يوم تأكيد التّضامن مع الأسرى، أحد أهم عناصر منظومة النّضال ضدّ الاحتلال الذي لا يكتفي بحرمان الفلسطينيين من حريتهم، بل يمعن في التنكيل بهم حتى يحوّل غرف السجن إلى صناديق ضيّقة من الأسمنت تزنّرها قضبان حديديّة سوداء، يتعثّر عندها نور الشّمس فيكاد لا يجد طريقًا ليتجاوزها.
وقد طالت سياسة الاحتلال هذه آلاف الفلسطينيين فبلغ عدد الأسرى قرابة 5700، ولم يكن المقدسيّون مستثنين من الأسر، بل ثمّة عائلات مقدسيّة لم يسلم أيّ من أفرادها من الأسر والاعتقال. وإذ لم تكتفِ سلطات الاحتلال بالقيود التي خنقت بها القدس والمسجد الأقصى تشويهًا وتهويدًا، فهي وضعت قيودًا في يد ما يزيد على 570 مقدسيًا، بعضهم معتقل في سجونها منذ أكثر من 30 عامًا. وتخصّ سلطات الاحتلال الأسرى المقدسيّين بمعاملة فريدة، فلا هم يعاملون معاملة الأسرى الإسرائيليين فيستفيدون من الأحكام المخفّفة التي يستفيد منها الإسرائيليّون، ولا هم مثل أولئك الفلسطينيين لتشملهم صفقات التّبادل التي قد يستفيد منها الأسرى الفلسطينيّون. وفيما خلا ذلك، يشاطر الأسرى المقدسيون زملاءهم في الأسر سنوات من محاولات الاحتلال إذلالهم، وفتّ عزيمتهم، وتدفيعهم ثمن مقاومتهم من أجل استعادة الحقّ والأرض والدفاع عن المقدّس.
وتتفنّن سلطات الاحتلال في تشديد ظروف الأسر في محاولة منها لكسر إرادة الأسرى وتحطيمهم، وحرب الاحتلال على الأسرى هي حرب على الماضي وعلى المستقبل: فمن جهة أولى يحاول الاحتلال الانتقام من الأسرى الفلسطينيين، لضلوعهم في العمل المقاوم، ومن جهة أخرى يسعى إلى تخويف الفلسطينيين من المشاركة في أيّ عمل مقاوم حتى لا يكون مصيرهم كمصير الأسرى: سنوات من العقاب، في زنازين مكتظّة، تفتقر إلى أبسط ما يحتاج إليه الأسير، ضمن سياسة تحاول تدجين العقل الفلسطيني على القبول بذلّ احتلال فلسطين بدلًا من ذلّ السجن. ومن أبرز معاركهم مواجهة مخطّطات وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال الذي يحاول أن يصنع لنفسه مجدًا مسنودًا إلى تهويد المسرى، وتركيع الأسرى، عبر تفعيل التوصيات التي قدّمتها اللجنة التي كلفها بدراسة ما يمكن شطبه من حقوق انتزعوها على مدى سنوات من نضال الحركة الأسيرة في المعتقلات.
لكن إجراءات الاحتلال العقابية والتنكيليّة لم تفلح، فالأسرى صامدون، ومتمسّكون بمقاومة الاحتلال، وقد كسبوا بإرادتهم وإصرارهم جولة أخرى من معارك الكرامة، وهم في الوقت ذاته يلهمون من هم خارج السجن ليتبعوا طريق النضال، وقد وجّهوا بانتصارهم على السجّان رسائل قويّة إلى من هم خارج السجن، أبرزها أنّه إذا كان الأسير المحتجز في غرفة من الأسمنت قادرًا على صنع انتصار ضدّ المحتل فإنّ من هم في الخارج أقدر، وفرصهم أكبر، وهامش تحرّكهم، مهما ضاق، أوسع.