تاريخ ومسارات تهويد مقبرة مأمن الله الإسلامية
الثلاثاء 14 أيار 2019 - 7:36 م 3912 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةفي متابعة لما تتعرض له القدس من هجمة تهويدية شاملة، تستهدف أذرع الاحتلال المختلفة مقابر القدس عامة والإسلامية منها بشكلٍ خاص، من خلال تجريف القبور والاعتداء الصارخ على حرمة الأموات وأرض الوقف الإسلامية، وزرع قبور يهوديّة وهميّة، ومن ثم وضع اليد والسيطرة على مساحات شاسعة منها لإقامة حدائق توراتيّة، تحوّل لاحقًا إلى خدمة المشاريع التهويديّة الأخرى، والاستيطانية منها على وجه الخصوص.
وتعرضت المقابر الإسلامية الخمس في القدس المحتلة خلال السنوات الماضية إلى اعتداءات متتالية، وتفاقمت المخاطر بعد سيطرة الاحتلال على أجزاء كبيرة من مقبرة مأمن الله وكامل مقبرة النبي داود، حيث لم يعد بمقدور المقدسيين إلا دفن أمواتهم في المقابر الأخرى، التي تتعرض لاعتداءات خطيرة ومتتالية.
ومقبرة مأمن الله هي أكبر مقابر القدس الإسلامية، أُطلق عليها عدة تسميات، من بينها مقبرة باب الله وزيتونة الملّة وماميلّا، تقع المقبرة على بعد 2 كيلومتر من باب الخليل غربي البلدة القديمة، تقدَّر مساحتها بنحو 200 دونم، كانت المقبرة الرئيسة لدفن وفيات المسلمين منذ الفتح الإسلامي حتى عام 1948، تحتوي المقبرة على قبور العديد من العلماء والأعلام، من بينهم أكثر من 121 قبرًا لشيخ وقاضٍ. من بينهم شيخ الإسلام تقي الدين القلقشندي، وابن الهائم الحاسب المصري ثم المقدسي.
ويستخدم الاحتلال لاستهداف مقبرة مأمن الله مجموعة من الأساليب التهويديّة، من أبرزها:
• زراعة القبور الوهمية:
يعمل الاحتلال على زراعة قبورٍ يهوديّة وهمية في مقابر القدس الوقفية، ويقوم على زراعة القبور الوهمية تحت مسمى "استصلاح/استحداث القبور" عددٌ من أذرع الاحتلال التهويديّة، من بينها سلطتا "حماية الطبيعة والآثار" الإسرائيليتان، و"جمعية إلعاد"، ويدعم هذا المشروع بعض المنظمات الدولية عن طريق "اللجنة الدولية للحفاظ على المقابرة اليهودية"، مستهدفةً بشكلٍ أساسي الأراضي المملوكة للأوقاف الواقعة عند أسوار المسجد الأقصى، ومنطقة سلوان وجبل الزيتون.
وتقوم سلطات الاحتلال بهذه الخطوة، لتؤكد روايتها المكذوبة عن وجود دائم وقديم لليهود في القدس، وبأن هذه المقابر هي لليهود خلال فترات وجودهم في المدينة، وتأتي زراعة القبور الوهمية مقدمةً لاستيلاء أذرع الاحتلال على هذه الأراضي، وتحويلها إلى مشاريع وبؤر استيطانية، إضافة إلى طمس هوية المدينة.
وشهدت الأعوام من 2011 حتى 2014 تصاعدًا كبيرًا في زراعة هذه القبور، ففي عام 2011 تمت زراعة أكثر من 7000 قبر وهمي في القدس المحتلة، وفي عام 2012 رصدت حكومة الاحتلال نحو 200 مليون دولار لتهويد محيط المسجد الأقصى، ومن ضمنها زراعة القبور الوهمية في المنطقة، وشكلت سلطات الاحتلال لجنة وزارية تتابع سير الأعمال، وترفع تقاريرها لمكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
• الاعتداء المباشر على المقابر:
يأتي الاعتداء على المقابر في القدس المحتلة، في سياق الاعتداءات التي تمارسها أذرع الاحتلال الأمنية ومستوطنوه بحق مختلف المقدسات في المدينة المحتلة، وفي سياق فرض أمر واقع على المقابر، من حيث الوجود اليهودي الدائم في المقابر، وجعل هذه الاعتداءات أمرًا واقعًا، واقتطاع أجزاء منها. ومن أبرز الاعتداءات التي تتعرض لها مقابر القدس تكسير شواهد القبور وتدميرها، ونبش قبور المسلمين، وإخراج رفات الأموات والتعامل معها بشكل غير إنساني، إضافة إلى كتابة شعارات عنصرية وشتائم على أسوار المقابر وعلى القبور نفسها، وصولًا لمنع أعمال الترميم والصيانة للمقابر.
- تكسير شواهد القبور، وكتابة شعارات عنصرية في المقابر:
تقوم أذرع الاحتلال بهدم أجزاء من مقابر المقدسيين بشكلٍ كامل ومن ثم تجريفها، أو تقوم بتكسير شواهد القبور فقط، وتعمل على هذه الخطوة بحجج مختلفة، في سياق تهويد المقابر والسيطرة على أراضيها. وشهدت مقبرة مأمن الله موجات اعتداء متتالية خلال عامي 2010 و2011، تم خلالها تدمير عشرات القبور الموجودة في المقبرة، وأتت هذه الاعتداءات في سياق بناء "مركز التسامح" التهويديّ، ففي 11/8/2010 جرّفت طواقم الاحتلال نحو 50 قبرًا في المقبرة، وفي 9/6/2011 دمرت طواقم الاحتلال نحو 100 قبر فيها.
ومن الاعتداءات التي تتعرض لها مقابر القدس، كتابة العبارات والشعارات العنصرية، إضافة إلى الشتائم والشعارات المعادية للعرب، وتقوم على هذه الاعتداءات عصابات "تدفيع الثمن"، وشهدت مقبرة مأمن الله اعتداءات متتالية من هذا القبيل.
- نبش مقابر المسلمين:
تهدف سلطات الاحتلال من نبش مقابر القدس، إلى الاعتداء على حرمة المقابر، لتستفز بذلك مشاعر المقدسيين، وجعل الاعتداء على المقابر نمطًا من العقاب الجماعي بحقهم. وتهيئة المناطق المستهدفة من المقابر لتجريفها في مرحلة لاحقة من التهويد. ومع عدم وجود إحصائيات مفصلة لعدد القبور التي قامت باستهدافها سلطات الاحتلال، تفيد مصادر فلسطينيّة بأن سلطات الاحتلال قامت خلال خمسة أشهر من نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، بنبش نحو 1500 قبرٍ في مقبرة مأمن الله وحدها، إضافة إلى نبش آلاف القبور في فتراتٍ سابقة في مقبرة مأمن الله وفي غيرها من المقابر.
• الاستيلاء على أجزاء من المقابر وتحويلها إلى حدائق توراتية أو محميات طبيعية:
تعمل سلطات الاحتلال على استهداف المناطق المحيطة بالبلدة القديمة في القدس المحتلة لتحويلها إلى حدائق توراتية، وتطلق عليها تسمية "الحدائق القومية" أو الوطنية. وتضمّ هذه الحدائق لاحقًا مشاريع استيطانية تجذب السياح من داخل الأراضي المحتلة أو من الخارج، تشرح رواية الاحتلال التلمودية. تعمل سلطات الاحتلال على إنشاء "الحدائق التوراتية" في محيط المسجد الأقصى وسور البلدة القديمة، وتتوسع منها إلى المناطق المشرفة عليها، خاصة من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية.
• الاستيلاء على أجزاء من المقابر لمصلحة المشاريع الاستيطانية:
يمتد مسرح عمليات الاحتلال على طول المدينة وعرضها، وتصل مشاريعه التهويدية لمقابر القدس، وتأتي هذه المشاريع في سياق لاحق لإقامة "الحدائق التوراتيّة"، حيث يبدأ الاحتلال بتحويل مساحات منها إلى مشاريع استيطانية، تخدم عادة المشاريع الاستيطانة ذات البعد السياحي. ففي 13/7/2015 كشفت وسائل إعلام عبرية عن مخطط تهويدي ضخم على جزء من مقبرة مأمن الله تنفذه بلدية الاحتلال، ويشمل المشروع بناء 192 وحدة سكنية وفندقًا يحتوي على 480 غرفة، إضافة إلى مركزٍ تجاري. وقد سبق إقرار المشروع حفريات قامت بها "سلطة الآثار" الإسرائيلية في المقبرة وجدت خلالها قبور وبقايا بشرية.
هذه المشاريع الاستطانية التي تضرب مقبرة مأمن الله، نموذج لما ستؤول إليه حالة المقابر الإسلامية الأخرى، إن استطاع الاحتلال السيطرة عليها أو على أجزاء منها، فقد تحولت مأمن الله إلى مساحة مفتوحة من المشاريع الاستيطانية المختلفة، حيث تشيرر المعلومات إلى إزالة نحو 97% من شواهد المقبرة، وحوّلت سلطات الاحتلال 70% من مساحة المقبرة إلى حديقة أُطلق عليها اسم "حديقة الاستقلال"، وأقيم على جزء من المقبرة فندق ضخم وموقف للسيارات وما يسمى "متحف التسامح"، إضافة إلى مدرسة وحمامات عامة، ويجري الاستعداد لإنشاء منتجع يحتوي على برك ضخمة للسباحة، إضافة إلى مؤسسة للتأمين الوطني من الجهة الشرقية، وقامت سلطات الاحتلال بشق شوارع وتمديدات للصرف الصحي والكهرباء داخل المقبرة، وقد قسّم أحد هذه الشوارع المقبرة قسمين، وتستخدم بلدية الاحتلال أجزاء من المقبرة استخداماتٍ خاصة. ويُقام على أنقاض المقبرة مهرجان سنوي للخمور تحييه فرق موسيقية عالمية، وذلك قرب الشواهد القليلة المتبقية لقبور المسلمين.
هذه المعطيات الخطيرة، وقيام الاحتلال بمحاولة طمس ما تبقى من قبور في مأمن الله، تؤكد الحاجة إلى وقوف المقدسيين والجهات المعنية، في وجه محاولات الاحتلال السيطرة على مقابر القدس المتبقية، خاصة تلك القريبة من الأقصى، ومن الأهمية بمكان أن يدرك المسلمون في العالم أنّ مقبرة مأمن الله وبقية مقابر القدس لا تخص المقدسيين وحدهم؛ فهي تحوي جثامين صحابة وعلماء وشهداء لهم حضورهم في التاريخ الإسلامي كله.