حرمان المقدسيين من السكن
السبت 27 تموز 2019 - 7:04 م 2936 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةتشهد القدس المحتلة محاولات حثيثة من الاحتلال لخفض أعداد الفلسطينيين داخلها، وتستخدم أذرع الاحتلال العديد من السياسات الطاردة للسكان الفلسطينيين منها، من سحب بطاقات الهوية، إلى فرض الحصار الاقتصادي والاجتماعي، وصولًا إلى هدم منازل المقدسيين ومنشآتهم، وما يتصل بهذه الاعتداءات من حرمان الفلسطينيين من البناء، وارتفاع أسعار تراخيصه، مقابل العطاءات الاستيطانية الضخمة، والمشاريع المتتالية، لتوسعة المستوطنات حول القدس المحتلة، أو البؤر الاستيطانية في المدينة.
ولكون هذه الجريمة الإسرائيلية – أي الهدم- سياسة دائمة لدى الاحتلال، تهدم سلطات الاحتلال سنويًا عشرات المنازل والأبنية الفلسطينية، حتى تحول إلى واحدٍ من الإجراءات العقابية، التي تستهدف مناطق فلسطينية بعينها، واستخدمت كذلك لمعاقبة عوائل منفذي العمليات الفردية خلال السنوات الماضية، إلى جانب كونها واحدة من أدوات الاحتلال الرامية لإحداث تغيير مباشر وسريع في الميزان الديموغرافي في القدس المحتلة، لإجبار أكبر عددٍ ممكن من المقدسيين على الخروج خارج حدود القدس، بعد حرمانهم من منازلهم ومصادر رزقهم.
ومنذ احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967، يمكن تقسيم أسباب هدم منازل الفلسطينيين أربع فئات أساسية:
الهدم العسكري: حيث يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بهدم منازل ومنشآت فلسطينية لدواعٍ عسكرية، كحماية جنوده والمستوطنات، ويُبرر الاحتلال هذا الهدم العسكري في إطار "أهدافٍ عسكرية قانونية". ويتم تنفيذ عمليات الهدم العسكرية في مختلف أنحاء الضفة الغربية خاصة المنطقة "ج"، ومناطق القدس المحتلة.
الهدم العقابي: هو إجراء عقابي تستهدف به قوات الاحتلال عائلات منفذي العمليات الفردية، في إطار فرض عقابٍ جماعي على هذه الأسر، وعادة ما تطال أضرار الهدم الشقق والمنازل المحيطة بالمنزل المستهدف، والسيارات المركونة في المنطقة، لتوسعة الإجراء العقابي قدر الإمكان، ليطاول أكبر عددٍ ممكن.
الهدم الإداري: هو الإجراء الأكثر انتشارًا، حيث يتم هدم جلّ المنازل الفلسطينية في القدس المختلة، بحجة البناء من دون ترخيص، وتكشف الأيام تحويل الكثير من المنازل المهدمة إلى مشاريع استيطانية لاحقة، لتوسعة بعض المستوطنات والبؤر الاستيطانية، أو للقيام بتوسيع البنى التحتية الخاصة بالمستوطنين ودعمها، أو غيرها من الحدائق التلمودية أو المساحات الفارغة وغيرها.
وتكشف تفاصيل قرارات الهدم الإداري، أنه واحدٌ من أسهل القرارات اتخاذًا، فيمكن أن يصدر من قبل مهندسٍ في بلدية الاحتلال، ليتم تحويل البلاغ إلى رئيس البلدية ويتم التوقيع عليه، لتباشر الجهات المختصة الهدم، أو يجبر صاحب البيت على هدم بيته بنفسه.
هدم غير معروف الأسباب: حيث تقوم سلطات الاحتلال بهدم منازل الفلسطينيين من دون إبداء أي أسبابٍ واضحة، ولكنها بكل تأكيد تنضوي ضمن استخدام الهدم واحدًا من مرتكزات سياسة الاحتلال العقابية المفروضة على الفلسطينيين في القدس المحتلة.
وفي سياق هذه الأشكال الأربعة من الهدم، كشفت دراسة صادرة عام 2017، أن عمليات الهدم تتوزع على هذه الأصناف الأربعة على الشكل الآتي:
الهدم العسكري 48%.
الهدم العقابي 6%.
الهدم الإداري 20%.
الهدم غير معروف الأسباب 24%.
ومع أن جزءًا كبيرًا من عمليات الهدم تتم لأسباب عسكرية وعقابية، يظلّ الهدم بحجة عدم حصول المنازل الفلسطينية على التراخيص اللازمة، واحدًا من أبرز مرتكزات السياسة الإسرائيلية في هذا الجانب، حيث تفرض سلطات الاحتلال حصارًا مطبقًا على التراخيص الفلسطينية، فلا توافق سلطات الاحتلال إلا على 2% من طلبات الترخيص التي يقدمها الفلسطينيون، وهي عملية طويلة ومرهقة ومكلفة، فرخصة البناء الواحدة يستغرق إصدارها من قبل سلطات الاحتلال ما بين ثمانية إلى اثني عشر عامًا، وتبلغ تكلفة الرخصة الواحدة لمنزلٍ صغير لا يتجاوز 110 أمتار ما بين 60 و70 ألف دولار أميركي، وهو واقع يدفع المقدسيين إلى البناء من دون تراخيص، نتيجة الحاجة الملحة إلى المساكن، في سياق حجم الزيادة السكانية الطبيعية للمجتمع المقدسي، وتنعكس ندرة التصاريح على قدرة الاحتلال على تطبيق اعتداءاته مجددًا، وهدم آلاف من المنازل من خلال قرارات بلدية أو غيرها.
وبناءً على هذه الاعتداءات الكبيرة التي تطاول المساكن الفلسطينية، تُفيد معطيات مركز أبحاث الأراضي أن سلطات الاحتلال هدمت خمسة آلاف منزل فلسطيني بذريعة عدم الترخيص منذ عام 1967، وهجّرت آلاف المقدسيين، وبحسب المركز هدمت سلطات الاحتلال ما بين عامي 200 و2017 نحو 1700 منزل في القدس المحتلة، ما أدى إلى تهجير نحو 10 آلاف فلسطيني، وبناء على أبحاث المركز يحتاج المقدسيون في المدينة إلى 2000 وحدة سكنية سنويًا.
هذه الأعداد الضخمة من المنازل المهدمة، تلقي آثارها على ديموغرافية القدس وقدرة المقدسيين على الصمود، إلى جانب الاستنزاف الاقتصادي الضخم للعوائل المقدسية، فبحسب دراسات فلسطينية، بلغت تكاليف هدم بيوت المقدسيين منذ عام 1967 حتى عام 2014 نحو تسعة مليارات دولار أميركية، وهو رقم يفوق مجمل ما يتم تقديمه من مساعدات عربية وإسلامية لا تتجاوز على أكثر تقدير الخمسين مليون دولار أميركي سنويًا، ما يجعل المقدسيين يختبرون الحرمان من السكن بشكلٍ مستمر، والخسارة المادية التي تضاف إلى الخسائر النفسية والجسدية، حيث يتم في الكثير من الحالات هدم المنزل من دون السماح للأسرة بإخراج مقتنياتها منه، إضافة إلى تعرض أفراد الأسرة للاعتداء الجسدي والاعتقال وغيرها.
وتؤثر عمليات الهدم بشكلٍ مباشر في النساء والأطفال في القدس المحتلة، حيث تتشكل غالب الأسر المقدسية منهما، وتفاقم هذه العمليات من أزمة السكن في المدينة، وضيق مساحة الوحدات السكنية، ما يجعل المرأة المقدسية تقطن مع عددٍ من الأسر في منازل صغيرة، تُفقد شعور الطمأنينة والخصوصية، وتُصبح المرأة في خوفٍ دائم من فقدان السكن، وبحسب شهادات لنسوة فلسطينيات، فقد أفدن أنهنّ ينمن بثيابهن العادية بعد الإخطار بهدم منازلهن، خوفًا من اقتحام المنزل على حين غرة، ما يجعل المرأة في حالة من عدم الاستقرار النفسي الدائم.
وفي الختام شكل هدم المنازل في حي وادي حمص في صور باهر، تسليطًا متجددًا للضوء على سياسة الاحتلال بهدم منازل المقدسيين خاصة والفلسطينيين بشكلٍ عام، وهو تسليط لا يكفي أن يظل حبيس الأرقام وحجم الآثار وتنوعها، بل يجب أن يترجم عمليًا في إطارين أساسيين، الأول إبراز الوجه الحقيقي البشع للاحتلال الإسرائيلي، وتصدير هذه الجرائم المتكررة والمستمرة، أما الإطار الثاني فهو تشكيل إطار عربي ودولي قادر على تقديم الدعم والمعونة للمتضررين من هذه العمليات، فلا يمكن ترك المئات من الفلسطينيين يبيتون في العراء، من دون أي حماية أو مساعدة، بخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالغة الصعوبة في القدس المحتلة، والتآمر الدولي في ظل الأميركي الذي يشكل جزءًا من هذا التغول الإسرائيلي الأخير.