استهداف الأقصى (1): حرمان المسجد من العمارة والترميم

تاريخ الإضافة الثلاثاء 15 تشرين الأول 2019 - 1:47 م    عدد الزيارات 3097    التعليقات 0     القسم مقالات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

يشكل منع الترميم وعرقلة مشاريع الإعمار في الأقصى سياسةً ثابتة لدى الاحتلال، ويهدف من خلالها إلى فرض رقابة صارمة على عمليات الترميم، ويحاول إجبار دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس على اطلاعه على أي أعمال تقوم بها داخل الأقصى، إضافة إلى عرقلة أعمال الترميم والصيانة، بهدف دفع دائرة الأوقاف ومن خلفها الأردن إلى تقديم تنازلات لإنجاز هذه الأعمال الضرورية، تلافيًا لحدوث أضرار في بنية المسجد، ومن هذه التنازلات غض الطرف عن بعض اعتداءات الاحتلال بحق الأقصى وحراسه والمصلين، وتأخير تنفيذ بعض مشاريع العمارة وتطوير البنية التحتية في المسجد، مقابل تنفيذ بعض الإصلاحات الملحّة.

وخلال السنوات الماضية تطورت قرارات المنع هذه إلى سياسةٍ ثابتة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي باتت تمنع إدخال أي معدات إلى داخل الأقصى، ولو كانت لإصلاح مصباح إنارة أو أقل من ذلك، ولا تسمح بإدخال هذه المواد إلا بإذنٍ مسبق من شرطة الاحتلال، ما يحول بفعل الأمر الواقع الأوقاف والأجهزة المتخصصة بالعمارة إلى تابعة لسلطات الاحتلال وإدارتها المتحكمة بأبواب المسجد، إذ أصبحت هي التي تمنع أو تسمح بإجراء عمليات الترميم والصيانة داخل الأقصى، ونتناول في هذا المقال عددًا من اعتداءات الاحتلال التي تطال لجنة عمارة الأقصى والموظفين التابعين لها.

في سياق عرقلة عمليات الإصلاح، تستهدف شرطة الاحتلال موظفي لجنة الإعمار التابعة لدائرة الأوقاف بشكلٍ مستمر، ففي 25/8/2018 بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين، اعتقلت قوات الاحتلال أربعة من موظفي لجنة الإعمار خلال عملهم داخل المسجد الأقصى، وحولتهم إلى مركز "القشلة" للتحقيق، وفي مساء اليوم نفسه أطلقت سلطات الاحتلال سراح الموظفين بعد إبعادهم عن الأقصى مدة خمسة عشر يومًا. وفي 19/9/2018 منعت قوات الاحتلال موظف لجنة الإعمار حسام سدر، من الدخول إلى المسجد الأقصى.

 

وتعاقب شرطة الاحتلال عمال لجنة الإعمار في حال قيامهم بترميم أي جزء من أجزاء المسجد، ففي 13/6/2019 اعتقلت قوات الاحتلال مدير لجنة الإعمار في دائرة الأوقاف المهندس بسام الحلاق من داخل المسجد الأقصى، واعتقلت أحد مهندسي اللجنة وعاملًا فيها، على خلفية إصلاح بلاطة واحدة في منطقة باب القطانين داخل الأقصى، في أثناء عملية الترميم تدخلت شرطة الاحتلال ومنعت العمال من مواصلة العمل، ثم اعتقلت مدير اللجنة وأحد العمال، والمهندس طه عويضة.

وتعرقل قوات الاحتلال استكمال موظفي الإعمار أعمال الصيانة والترميم، ففي 25/9/2018 وعند قيام عاملين من اللجنة بأعمال صيانة على سطح مصلى قبة الصخرة، اعتقلت قوات الاحتلال الموظفين أنس الدباغ وعلي بكيرات من سطح المصلى، وكشفت دائرة الأوقاف أن عشرة من ضباط الاحتلال حاصروا مدخلًا رئيسًا لمصلى الصخرة، ومنعوا موظفي لجنة الإعمار من إدخال معدات خاصة بأعمال صيانة المسجد، ما أدى إلى حصول مشادات كلامية، واعتقال اثنين من موظفي اللجنة واحتجاز بطاقات موظفين آخرين.

ومن مشاريع الصيانة التي عرقلتها سلطات الاحتلال، ترميم الممر المؤدي من "الحرش" إلى قبة باب الرحمة داخل المسجد الأقصى، ففي 8/11/2018 أوقفت عناصر من شرطة الاحتلال الخاصة طواقم تابعة للجنة إعمار المسجد الأقصى عن العمل في هذه المنطقة، وأشارت دائرة الأوقاف أن استكمال أعمال الترميم مرتبطة بقرار من شرطة الاحتلال، وأن الترميم يأتي بسبب هبوط الأرض أسفل هذا الممر. وفي 12/9/2019 منعت عناصر من شرطة الاحتلال عمال لجنة الإعمار من العمل في منطقة باب السلسلة، إذ كانت تقوم بتشييد دعامات لمنع سقوط حائط عند مدخل الأقصى من جهة باب السلسلة.

 

ولم تكتف قوات الاحتلال بالتدخل في أعمال الترميم فقط، بل عرقلت أعمال التنظيف في بعض أجزاء المسجد، ففي 11/12/2018 اقتحمت مجموعة من شرطة الاحتلال مصلى قبة الصخرة، وأوقفوا عمال التنظيف عن متابعة عملهم في المصلى، بحجة وضع مواد كيماوية على "الآثار"، ما أدى إلى اندلاع مشادات مع مسؤولي الأوقاف، وبحسب شهود عيان، منعت قوات الاحتلال تنظيف الصخرة وسط المصلى، ومتابعة تنظيف الرخام والحجارة داخله.

وبلغ التدخل في المسجد حدّ تقرير إزالة المظلات من ساحة المسجد، ففي نهاية شهر حزيران/يونيو 2019 أبلغت شرطة الاحتلال لجنة الإعمار في المسجد الأقصى بإزالة المظلات من ساحة المسجد، التي تنصب قبل شهر رمضان كل عام، على الرغم من استخدام المصلين لها وسط الأجواء الصيفيّة الحارة، وبحسب مصادر مقدسية ربطت شرطة الاحتلال السماح للجنة الإعمار بإدخال المواد والعدة اللازمة إلى الأقصى، بإزالة السجاد من مصلى باب الرحمة.

 

وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية تعرقل سلطات نحو 20 مشروعًا من مشاريع العمارة والتطوير في المسجد الأقصى، حيث ترفض شرطة الاحتلال إدخال المواد الضرورية لأعمال الترميم، وتطلب استحصال الأوقاف على تصاريح مكتوبة. ومن أبرز هذه المشاريع منع الأوقاف من تبليط ساحات المسجد والمصاطب، وإجراء التصليحات والتحسينات الضرورية للبنية التحتية التالفة من كهرباء ومياه وشبكة اتصالات أرضية، التي لم ترمم منذ ستينيات القرن الماضي، إضافةً إلى استمرار عرقلة تنفيذ إنشاء نظام إنذار وإطفاء حديث في المسجد، وصولًا إلى المشاريع الزراعية لتجميل ساحات الأقصى، وبحسب مصادر دائرة الأوقاف في القدس لا يمكن الدائرة تشذيب شجرة تالفة أو حتى تركيب لمبة جديدة مكان أخرى معطلة، جراء المراقبة الإسرائيلية والتحكم بأبواب المسجد الأقصى.

وفي سياق تشديد الرقابة على عمل الأوقاف، تستخدم سلطات الاحتلال موظفي سلطة الآثار الإسرائيلية لفرض رقابة صارمة على أعمال الترميم والعمارة التي تقوم بها دائرة الأوقاف، وتتكرر مشاركتهم في اقتحام الأقصى حيث يجرون جولات استكشافية في أنحاء المسجد، ويرافقهم ضباط في شرطة الاحتلال، لحمايتهم خلال تدنيس المسجد، بل يعملون على أخذ عينات من حجارة الأقصى، أو يوقفون بعد أعمال الترميم بحجة "التعدي على الآثار".

وبحسب متخصصين بالشأن المقدسي يأتي التدخل في أعمال لجنة العمارة، في إطار محاولة الاحتلال الحثيثة لإبقاء الأقصى في حاجةٍ دائمة للترميم، وهو هدف يتسق مع الحفريات التي تجري أسفله، لتكون أجزاء المسجد آيلة للسقوط كما حدث مع انهيار حجر ضخم من سور المسجد الأقصى من الجهة الغربية في 23/7/2018، أو إصلاح بلاطة من الأقصى في 13/6/2019.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

بلال وبهاء.. السّابقون على طريق الأقصى

التالي

كرة القدم في الضّفة لمواجهة كرة النار في الأقصى!

مقالات متعلّقة

زياد ابحيص

عرب جابوتنسكي وواجب الوقت

الأربعاء 15 كانون الثاني 2025 - 10:57 م

محسن صالح

هل ثمة فرصة حقيقية لصفقة الأسرى؟

الأحد 12 كانون الثاني 2025 - 11:39 ص

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »