حصاد فلسطين المر في عهد ترامب
الإثنين 9 كانون الأول 2019 - 9:18 م 3218 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةشكلت الإدارة الأمريكية الحالية منذ وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكيّة أكبر داعمٍ للاحتلال الإسرائيلي، في مقارنة بالإدارات الأمريكية السابقة، فلم تقف إدارة ترامب عند حد تقديم الدعم المالي أو الغطاء السياسي للاحتلال فقط، بل شكلت قراراتها وخطتها المزعومة لإنهاء القضية الفلسطينية، دعمًا متصاعدًا لسياسات الاحتلال التهويديّة، إذ مضى الأخير قدمًا في استهداف القدس والمناطق الفلسطينيّة المحتلة، في مشهدية تتقاسم فيها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيليّ الأدوار، إذ تُنهي الأولى مختلف الملفات الفلسطينيّة التي شكلت عقبة لتحقيق "السلام" المنشود، فيما يعمل الطرف الثاني ألا وهو الاحتلال على تصعيد استهداف مدينة القدس المحتلة ومختلف المناطق الفلسطينية.
وعلى الرغم من عدم إمكانية التنبؤ بعودة ترامب إلى سدة الرئاسة في انتخابات عام 2020، أو نتيجة المضي في إجراءات عزله عن الرئاسة التي أطلقها الكونجرس الأمريكي، تظلّ قرارات الولايات المتحدة التي صدرت في عهد ترامب واحدةً من أبرز روافد الاحتلال للمضي في خطط تهويد المدينة المحتلة، واستهداف الفلسطينيين فيها، ما يجعل قراءة هذه القرارات وتسليط الضوء على نتائجها ضرورة ملحّة، لتقديم صورة للمنعطفات الخطيرة التي مرت فيها القضية الفلسطينية خلال الأعوام الأخيرة.
أصدرت إدارة ترامب في عام 2019 العديد من القرارات التي استهدفت مفاصل القضية الفلسطينية، وصدرت عن مسؤولين رفيعي المستوى تصريحات قدمت المزيد من الدعم للاحتلال، في سياق السماح للأخير بتشريع وجوده إن كان في المناطق المحتلة في الجولان السوري، أو في مستوطنات الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وقد شهد عام 2019 ثلاثة أحداث وقرارات بارزة، يمكننا أن نعدها أخطر ما قامت به الولايات المتحدة خلال العام، وهي:
تنظيم ورشة البحرين الاقتصادية تحت شعار "السلام من أجل الازدهار".
المشاركة الرسمية الأمريكية في افتتاح نفقٍ تهويديّ من سلوان نحو المسجد الأقصى المبارك.
تصريح وزير الخارجية الأمريكي بعدم اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي.
ولم تكن حصيلة هذا العام هذه النقاط فقط، بل قامت إدارة ترامب بالعديد من الخطوات التي أدت إلى فرض المزيد من الحصار على القضية الفلسطينية، ومحاولة الضغط على الجانب الفلسطيني للمضي في "صفقة القرن"، ونستعرض في هذا المقال أبرز القرارات الأمريكية في عام 2019، إضافةً إلى أبرز التصريحات والمواقف التي تظهر الانزياح المتنامي للجانب الإسرائيلي، وتؤكد مجددًا أن حل "السلام" الأمريكي، ليس إلا مناورة لإعطاء الاحتلال الإسرائيليّ المزيد من المكتسبات على الأرض وفي التهويد.
- إلغاء القنصلية الأمريكية الخاصة بالفلسطينيين
في 4/3/2019 أعلنت الخارجية الأمريكية أنها بدأت تطبيق قرارها القاضي بدمج القنصلية الأمريكية في القدس التي تخدم الفلسطينيين، مع السفارة الأمريكية الجديدة التي افتتحت في 14/5/2018، وقال وزير الخارجية مايك بومبيو عن هذه الخطوة إنها لن تشكل تغييرًا في السياسة وتهدف إلى تحسين "الفاعلية". وكانت القنصلية الأمريكية في القدس ترفع تقاريرها مباشرةً إلى واشنطن، ولكن بعد دمجها مع السفارة، سترفع "وحدة الشؤون الفلسطينية" الجديدة تقاريرها داخل السفارة إلى السفير الأمريكي ديفيد فريدمان.
- الاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على مرتفعات الجولان
في 25/3/2019 وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومًا، اعترف بموجبه بسيادة الاحتلال الإسرائيليّ على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967، وتم توقيع القرار في مستهلّ اجتماعٍ جمع ترامب مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض. وسبق القرار تصريحات لترامب في 21/3/2019 قال فيها إن الوقت حان لكي "تعترف الولايات المتحدة تمامًا بسيادة إسرائيل على الجولان". وأشار مراقبون إلى أن توقيت الاعتراف الأمريكية أتى في سياق رفع أسهم نتنياهو في انتخابات "الكنيست" التي أقيمت في نيسان/أبريل 2019.
- في 25/3/2019 خلال اجتماعٍ جمع بين ترامب ونتنياهو، قال ترامب إن أي "اتفاق للسلام في الشرق الأوسط يجب أن يتضمن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتعهد أمام نتنياهو بأن الولايات المتحدة "تعترف بالحق المطلق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها"، وأتت هذه التصريحات بعد قصف الاحتلال أهدافًا في قطاع غزة، واستهداف المقاومة لـ"تل أبيب"، الذي وصفه ترامب بـ"العمل البشع".
- ورشة البحرين "السلام من أجل الازدهار"
عقدت الإدارة الأمريكية ورشة اقتصادية في العاصمة البحرينية المنامة ما بين 25 و26 حزيران/يونيو 2019، واستعرضت الورشة ما اصطلح على تسميته الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن"، عبر جذب استثمارات تتجاوز 50 مليار دولار، وإيجاد مليون فرصة عمل للفلسطينيين. وعلى أثر مقاطعة القيادة الفلسطينية الورشة، قال جاريد كوشنير "لو أرادوا تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل عظيم يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه". ولم تخرج الورشة بأي نتائج عملية، خاصة مع تأجيل الإعلان الكامل عن بنود الصفقة، ومما يدلل على ضعف هذه الورشة، عدم تسليط الضوء على أيٍ من المداخلات التي دارت خلالها، وانحصار الاهتمام بالكلمة التي ألقاها كوشنير.
- في 8/6/2019 قال السفير الأمريكي لدى الاحتلال الإسرائيليّ ديفيد فريدمان، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن "لإسرائيل الحق في ضمّ بعض أجزاء الضفة الغربية"، وجاءت هذه التصريحات قبيل انعقاد "ورشة البحرين"، إذ ألقى فريدمان اللوم على القيادة الفلسطينية، بسبب رفضها "صفقة القرن" والورشة. وحول الحلّ الأمريكي للسلام قال فريدمان إن خطة ترامب للسلام التي طال انتظارها تهدف إلى تحسين نوعية الحياة للفلسطينيين ولكن من غير المرجح أن تؤدي بسرعة إلى "حل دائم للنزاع".
- مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون يفتتحون نفق "طريق الحجّاج"
في 30/6/2019 افتتح مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون الشقّ الأول من نفق "طريق الحجّاج" الذي يمتدّ على طول 300 متر وعرض 7 أمتار، من عين سلوان جنوب الأقصى إلى منتصف طريق وادي حلوة، وتحديدًا تحت ملعب وادي حلوة. وشارك في افتتاح النفق الذي أشرفت "إلعاد" على حفره دافيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة الأمريكية في دولة الاحتلال، وجيسون غرينبلات مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط حينها، وسارة نتنياهو زوجة رئيس وزراء الاحتلال، وغيرهم. وأظهرت مقاطع فيديو مشاركة فريدمان وغرينبلات في الهدم؛ إذ تعاقبوا على حمل مطرقة ثقيلة لهدم حائط داخل النفق بني خصِّيصًا لغرض هدمه في سياق الافتتاح.
- في أواخر شهر آب/أغسطس 2019 حذفت وزارة الخارجية الأميركية اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف الدول والمناطق في الموقع الإلكتروني الخاص بمكتب "شؤون الشرق الأدنى"، وجرت العادة على أن تشير الخارجية الأميركية في مواقعها الإلكترونية الرسمية إلى فلسطين بأنها "الأراضي الفلسطينية"، ومن ثم تم تغييرها إلى "أراضي السلطة الفلسطينية" بعد توقيع اتفاق أوسلو، ومن ثم تم حذفها بشكلٍ كامل.
- الإعلان أن المستوطنات الإسرائيلية غير مخالفة للقانون الدولي
في 18/11/2019 أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في مؤتمر صحفي، أن بلاده لم تَعُد تُعِدّ المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "مخالفة للقانون الدولي"، وأشار بومبيو إلى أن إدارة ترامب غيّرت نهج إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه المستوطنات الإسرائيلية. وفي سياق خلفيات القرار كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 19/11/2019 أن القرار الأمريكي جاء بمبادرة من السفير الأمريكي في دولة الاحتلال ديفيد فريدمان، وبمساهمة من السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية رون ديرمر. واحتفت الصحف الإسرائيلية بشدة بالقرار الأمريكي.
وعلى الرغم من خطورة القرارات الأمريكية التي صدرت خلال فترة ترامب الرئاسية، وانعكاساتها على واقع الفلسطينيين وأراضيهم المحتلة، شكل الرفض الفلسطيني الجارف لهذه الخطوات الأمريكية السمة الأبرز في مواجهة التغول الأمريكي، وأعطت صورةً واضحة أن الفلسطينيين يرفضون القرارات الأمريكية جملةً وتفصيلًا.
أما في المقلب الآخر من مشهدية هذا الرفض، فقد كشفت القرارات الأمريكية وخاصة ورشة البحرين الدرجة التي بلغتها بعض الدول العربية في التساوق مع الأمريكيين، وقيادة التطبيع العربي مع الاحتلال، وهو تطبيع لم تعد الرياضة أو الفن أو الزيارات الصحفية مسرحه فقط، بل وصل إلى حد الاعتراف صراحة بالاحتلال الإسرائيلي، وهي الخطوة الأخيرة من هذا الانبطاح العربي.
أخيرًا، ومع محاولة الولايات المتحدة تحقيق "السلام" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإنها قامت عمليًا بإلغاء أي إمكانية لإقامة السلام بين الجانبين، ما يؤكد مرة جديدة فشل مسار التفاوض مع الاحتلال، وهذا ما يجب أن يدعم استمرار المقاومة، وتصاعد قدراتها وأثرها في السنوات القادمة.