أبرز عمليات الانتفاضة في 2019
![]() ![]() ![]() ![]() |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةأبرز عمليات الانتفاضة في 2019
نماذج ونتائج
تظل انتفاضة الفلسطينيين في القدس وباقي المناطق الفلسطينية المحتلة، أكثر عوامل إقلاق الاحتلال وزعزعة وجوده وأمنه، ومع تطبيق سلطات الاحتلال العديد من الإجراءات الأمنية والقانونية والعقابية الرامية إلى الحدّ من عمليات الانتفاضة، التي وصلت حدّ التنكيل بأفراد أسرة المنفذ، وحصار مناطق فلسطينية بأكملها، استطاعت الانتفاضة الاستمرار، متجاوزة إجراءات الاحتلال جميعها، وبقيت عمليات الانتفاضة غير قابلة للتوقع والتعقب.
تراجعت العمليات الفردية النوعية خلال عام 2019 عن مثيلاتها في عام 2018، نتيجة تراكم إجراءات الاحتلال الرامية لوقف الانتفاضة منذ انطلاقها عام 2015، خاصة استخدام أذرع الاحتلال الأمنية وسائل تقنية حديثة، ومراقبتها وسائل التواصل الاجتماعي لرصد أي نية لدى الفلسطينيين لتنفيذ عمليات، وإعلان "الشاباك" تعاونه مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الأخرى، وفي مقدمتها قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، التي تتولى المسؤولية العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، وجهاز الاستخبارات في جيش الاحتلال، ووحدة "السايبر" التي تُدعى "وحدة 8200".
ونتيجة التعاون الأمني الإسرائيلي تراجعت أعداد العمليات النوعية، فلم تشهد المناطق الفلسطينية المحتلة سوى أربع عمليات مؤثرة خلال عام 2019، ولكن هذه العمليات لم تكن من نسقٍ واحد، إذ تنوعت بين إطلاق النار وخطف جنود الاحتلال، وزراعة العبوات الناسفة، ما يقدم نموذجًا عن مدى تطور العمليات الفردية، وتنوع أساليب تنفيذها، وإلحاقها خسائر أمنية فادحة لدى الاحتلال، إن في جانب الاختراق الأمني، أو في جانب الخسائر البشرية المباشرة.
عمر أبو ليلى ينفّذ عملية قاسية ضد الاحتلال
تُعد عملية "سلفيت" التي نفذها الشهيد عمر أبو ليلى (19 عامًا)، واحدةً من أبرز العمليات النوعية في عام 2019، ففي 17/3/2019 نفذ الشهيد أبو ليلى عملية مزدوجة قرب بلدة سلفيت جنوبي نابلس، عند مفترق مستوطنة "أرئيل"، وهي منطقة تعج بالمستوطنات، إذ طعن الشهيد جنديًّا إسرائيليًّا، ثم استولى على سلاحه، وأطلق النار بعدها بقليل على مركبة تقلّ مستوطنًا، وانسحب إلى منطقة أخرى حيث أطلق النار على مستوطنٍ وأصابه بجراحٍ خطيرة، ما أدى إلى مقتل أحد المستوطنين وهو حاخام، إضافة إلى جنديّ، وإصابة مستوطنين. واستطاع المنفذ تنفيذ عمليته في ثلاث مناطق مختلفة، خلال وقتٍ قصيرٍ جدًا، وهي مستوطنات "أرئيل، جيتي أفيشاي، بركان"، ووصف الاحتلال العملية بأنها "قاسية جدًا".
ومع انسحاب الشهيد أبو ليلى من مسرح العملية، وفشل الاحتلال في إيقافه، نفذت قواته إجراءات صارمة، إذ أغلقت مداخل عدد من القرى قرب نابلس، واستدعى جيش الاحتلال عناصر من القوات الخاصة للاشتباك معه. وعملت أذرع الاحتلال الأمنية على تحصين مواقع جنودها في الضفة الغربية، ما عكس مخاوفها من عمليات أخرى، وقررت رفع مستوى مواقع الحراسة التي يعمل فيها الجنود بمكعبات أسمنتية، في محاولة لفصل الجنود عن منفذي العمليات، وتم تغيير مواقع بعض النقاط العسكرية في المنطقة.
ومع حشد الاحتلال هذه الأعداد الكبيرة من القوات، استطاع الشهيد أبو ليلى التخفي أكثر من 60 ساعة، حتى ليل 19/3/2019 فقد تسللت قوات الاحتلال الخاصة إلى بلدة عبوين قرب رام الله، عبر سيارات نقل الخضار، تبعتها لاحقًا آليات عسكرية، حاصرت الشهيد أبو ليلى في أحد منازل القرية، واشتبكت معه لنحو ساعتين. وبحسب مصادر إسرائيلية استخدمت قوات الاحتلال مختلف أنواع الأسلحة عند حصارها الشهيد أبو ليلى، من القناصة إلى الصواريخ المضادة للدبابات، بهدف التأكد من قتله، ومنعه من الانسحاب من المبنى.
رعب عمليات الخطف
ثاني صور العمليات هي خطف جنود أو مستوطنين، ففي 7/8/2019 فَقَدَ جيش الاحتلال الاتصال بأحد جنوده، بعد مغادرته المدرسة الدينيّة التي كان يخدم فيها، وفي اليوم التالي وجدت قوات الاحتلال جثة الجندي قرب مستوطنة "غوش عتصيون"، وعليها آثار طعن، وأشارت معطيات عبرية أن عملية القتل تمت قرب مستوطنة "إفرات"، وتم نقل جثة الجندي بسيارة وألقيت على قارعة الطريق.
وفي 10/8/2019 أعلن "الشاباك" الإسرائيلي اعتقاله فلسطينيين من قرية بيت كاحل شمال الخليل، بشبهة "قتلهما الجندي دبير شوريك قرب بيت لحم"، وذكرت وسائل إعلام فلسطينيّة اعتقال فلسطينيين آخرين بتهمة مساعدة المنفذين. والمنفذان هما نصير عصافرة (24 عامًا) وقاسم عصافرة (30 عامًا)،
وفي 11/8/2019 أجرت قوات الاحتلال مسحًا هندسيًا لمنزلي الأسيرين تمهيدًا لهدمهما، وعلى الرغم من أن وسائل إعلام عبرية ذكرت أن الأسيرين لا ينتميان لأي تنظيم، تضمنت لوائح الاتهام التي قدمها الاحتلال بحق أسرى العملية اتهامهم بـ"إقامة خلية عسكرية تابعة لحركة حماس، تهدف لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيليّة".
عملية جماعية منظمة لتفجير عبوة ناسفة
وثالث العمليات النوعية تفجير عبوة ناسفة في 23/8/2019، قرب مستوطنة "دوليف" غربي رام الله، وأدى الانفجار إلى مقتل مستوطنة وجرح مستوطنين آخرين، وشكلت العملية تطورًا نوعيًا، من حيث اختيار مكان العملية، إذ زُرعت العبوة بطريقة لا تُثير الشبهات، في طريقٍ يؤدي إلى عينٍ للماء الطبيعية. وكشفت تقارير أولية للاحتلال عن جهد جماعي يكمن خلف هذه العملية، من ناحية التخطيط والتنفيذ. وما رفع من قيمة هذه العلمية، عدم كشف الاحتلال عن منفذيها إلا بعد مرور أكثر من شهر على تنفيذها، ففي 28/9/2019 أعلن "الشاباك" اعتقاله "خلية" تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واتهمها بالمسؤولية عن زرع العبوة الناسفة.
وبحسب أجهزة الأمن الإسرائيليّة، ضمت الخلية كلًّا من سامر مينا العربيد (44 عامًا) من سكان مدينة رام الله، وقسّام البرغوثي (25 عامًا) من سكان قرية كوبر، وهما أسيران سابقان، إضافةً إلى يزن مغامس (25 عامًا)، ونظام امطير (21 عامًا)، وهما طالبان جامعيان. وقد تعرضت عوائل الأسرى إلى التنكيل والاعتقال عدة مرات، واقتحام منازلهم بشكلٍ متكرر. وتابعت أذرع الاحتلال حملتها على كوادر الجبهة الشعبية، ففي شهر كانون أول/ديسمبر 2019 وصل عدد المعتقلين إلى نحو 50 عضوًا في الجبهة.
وإلى جانب هذه العمليات، شهدت الضفة الغربية العديد من عمليات الدهس والطعن، بالتزامن مع مئات المواجهات وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، ولكن هذه العمليات تُشكل صورة بانورامية لحجم العلميات النوعية الفردية وتأثيرها خلال عام 2019، ومع أن عددها تراجع عن عام 2018، إلا أنها تحمل دلائل بالغة الأهمية من بينها:
- تطور هذه العمليات من الشكل الفردي البحت، إلى العمل الجماعي، إذ تتطلب بعض هذه العمليات، مراقبة الأهداف، وإعدادًا مسبقًا، وتقسيم الأدوار، ومن ثم التنفيذ بشكلٍ لا يترك أثرًا للمنفذين، يستطيع الاحتلال اقتفاءه، والتخفي عن أعين الاحتلال.
- عودة الفصائل إلى مسرح العمليات مجددًا، وبعيدًا من النقاش في قرار التحرك، إن كان فرديًا أو خرج من الأطر التنظيمية لهذه الفصائل، لا يمكن التغافل عن الخلفيات الفصائلية لكثيرٍ من المنفذين.
- تركيز العمليات على إحداث خسائر مباشرة في صفوف الاحتلال، وهي سمة عامة لجميع العمليات النوعية خلال عام 2019.