تحرير القدس ذروة سنام المحبين والعاملين
الجمعة 17 نيسان 2020 - 3:03 م 2796 0 تدوينات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةأفكارٌ على طريق التحرير
-1-
تحرير القدس ذروة سنام المحبين والعاملين
يشكل تحرير القدس ذروة سنام المحبين والعاملين، فهو النتيجة النهائية التي يريد أيّ محبٍ للقدس وحرٍ في هذا العالم الوصول إليها؛ وعلى الرغم من هذا الطرح "الرومانسي"، لا يمكننا الوصول إلى هذه اللحظة الفارقة بالأمنيات فقط، أو بالمشاعر المجردة ليس إلا، فالتحرير هو حاصل لسيرورة عمل فاعلة، وتراكم جهود أفراد ومنظمات، بل ودول... ومقارعة المشروع الاستيطاني الإحلالي لا تكون إلا بمشروعٍ آخر، وهو ما لم يتبلور على نطاق جمعي واسع حتى هذه اللحظة.
وفي سياق التحرير والجهود التي بذلت، ظلت فكرة تحرير القدس واحدةً من أبرز المحطات الإيديولوجية، فكانت محطة – لا بد منها- في مسار القول أو الفعل، وجزءًا رئيسًا من خطابات فئات كثيرة، من سياسيين وثوريين، وقادة في فصائل المقاومة، بل ومن بعض قادة الدول وغيرهم، وهي من الأفكار التي عبرت الطوائف والانتماءات، فترى الإسلامي والراديكالي واليساري والعلماني يديمون ذكر القدس، ويجدون فيها إطارًا مهمًا من بيان الموقف، وتبرير الفعل المتصل بالقضية أو غير المتصل أحيانًا. ومع انغماس العديد من هذه الفئات في تفاصيل الحياة السياسية أو المشاكل البينية والهموم الوطنية، تحول شعار التحرير إلى لازمة "فولكلورية"، في انعزال كبير عن أيّ خطط واستراتيجيات واضحة على أرض الواقع.
وبعيدًا من تقييم هذه التصريحات والأقوال، ومقاربتها من منطلقات شعبوية تدغدغ العواطف، أو في أطر العمل الجاد الحقيقي – للكثيرين منهم-، يظلّ مشروع التحرير، وقبله تمكين المقدسيين ودعم صمودهم، من أكثر الملفات التي تشهد التقصير على مستوى الأمة، بما لا يتّصل مع حجم تناول قضية القدس في الميادين السابقة... وهي حالة يتفاوت فيها المقصرون، ولكن لكلّ منهم نصيب وموقع.
وفي سياق الإضاءة على واقع القدس والأقصى، يكثر الحديث عن المخاطر التي تستهدف المدينة، ونكرّر كثيرًا أن التهويد قد بلغ مراحل شديدة التغول، ونغرق في دراسة أرقام الهدم والاستيطان، وأعداد المقتحمين وأذرع الاحتلال القائمة على هذه المخاطر، وغيرها... وكل ذلك للإضاءة على حجم ما تعانيه المدينة وأهلها، ولوصف المدى الذي بلغه الاحتلال وآلته التهويدية، إذ يقف خلف هذا التهويد أذرع مختلفة، وجهات تعمل بلا توقف...
وعلى الرغم من حالة التقصير العابرة لكل الأطياف التي ذكرناها سابقًا، يظل هناك بصيص أملٍ يلوح لكل عاملٍ عالم.. أمل حقيقيّ قابع في فئتين من الناس لا ثالث لهما:
- الفئة الأولى هم أهل القدس والقاطنون في أكنافها، ففي لحظة فارقة، يُعيدون رسم خيوط اللعبة من جديد، ويسطرون ملحمة تعجز عنها أمم وشعوب، إذ يستيقظ هذا المارد الضخم، فيحطم قيوده، ويواجه تغول المحتل، فيرغمه على التراجع، ويبدد خططه وأحلامه، فتتحول كل خطط الاحتلال وجبروته وجنده، إلى خيالات بالية، يدهسها أهل الثبات والحق تحت أقدامهم، فبأيديهم المتوضئة خلعوا البوابات الإلكترونية، وبهممهم الصلدة أعادوا فتح مصلى باب الرحمة وواجهوا مخطط التقسيم المكاني، وبأدواتهم البسيطة أشعلوا انتفاضتهم المباركة، التي تستمر على الرغم من جمر الاعتداء والقمع.
- أما الفئة الثانية فهم أهل النصرة والدعم، في شتى بقاع الأرض، يدركون أدوارهم، ويعرفون واجبهم، يناصرون القدس وقضيتها بكل ما في قلوبهم من حبّ، وما في جعبتهم من طاقات ومقدرات، وعلى الرغم من قلة عددهم وضعف إمكانياتهم، فهم يسدون ثغرًا عظيمًا، لم يبلغوا فيه حد الكمال بعد، ولكنهم بكل تأكيد يحتاجون المزيد من الدعم، وينتظرون انضمام كلّ غيور متفاعل، ليكون معهم سندًا وعضدا، لكي لا يظلوا ثللًا متفرقة، ويتحولوا إلى تيار واسعٍ عريض، له كلمة مسموعة ورأي رشيد، إن قال كلمته سمعها من في القدس وغزة على حد سواء.
وفي سياق هذه الأفكار وغيرها، نحاول في هذه السلسلة من المواد، الإسهام في وضع مقاربات وأفكار تفيد العاملين المخلصين، وتقدم لهم أفكارًا ومواد يستطيعون عبرها البدء في تحشيد الطاقات والبناء الجاد لنصرة قضية القدس على بصيرة، وتقدم هذه التدوينات مجموعة من الأفكار والإضاءات على طريق التحرير، يتناول بعضها الإنسان، وتسلط الضوء كذلك على العمل الجماعي، وغيرها من الأفكار التي جالت في ذهن كاتب هذه السطور، وهي ليست إلا محاولة بسيطة تُجمل ولا تفصل، وتسلط بعض الضوء على جوانب بعينها، على أن تستتبع بأفكار أخرى لاحقًا، فالمسير طويل والغاية واضحة والوصول ممكن، ولكن شرطه العمل والبذل، وقبل كل ذلك التوكل والإخلاص.