المعرفة أسُّ المواجهة
![]() ![]() ![]() ![]() |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةأفكارٌ على طريق التحرير (3)
المعرفة أسُّ المواجهة
طريق التحرير مسيرٌ طويلٌ من العمل والبناء، له متطلبات عديدة، تصمع الإنسان القادر على تحمل أعباء هذا الطريق الوعر، فمن الإعداد الشخصي والبناء النفسيّ، مرورًا بالمعرفة والثقافة والتعمق في شؤون وشجون قضايا فلسطين والقدس، إلى العمل الجماهيري الدؤوب، وتأسيس القاعدة الصلبة التي تستطيع حمل فلسطين وتؤسس للمراحل اللاحقة، من تحويل القصد إلى فعلٍ، لتكون المسيرة قد انطلقت، والقدس تلوح في نهاية المطاف، ليست هدفًا في مخيال المحبين، بل رؤية عيانٍ في مهداف المحررين.
ويشكل البناء المعرفي ثاني ركائز السالك بعد تمكين الدافع الشخصي، فمن خلال المعرفة والثقافة نعبّد طريق العمل للقدس والأقصى، فيبدأ الدارس التعرف على موقع المدينة في العقيدة، فينهل من فضائلها ومكانتها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويرفع من سوية تعلقه القلبي، وتشوقه الروحي، فالقدس والأقصى جزءٌ من عقيدة كل مسلمٍ، والتشوق لها جزءٌ من تدينه.
أما ثاني محطات التزود الفكري والمعرفي، على الدارس أن يطلع على تاريخ المدينة في حقبه المتلاحقة، من أقدم عصورها الضاربة في القدم، إلى محطاته اللاحقة، وأجد أن التركيز على تجارب الفتح العمري والتحرير الصلاحيّ لها أثرٌ إيجابيّ في تفقه الدارس، وتعرفه على سننٍ تاريخيّة وحضاريّة جمة، يستنبط منها سياقات دالة على موقع الأمة في التدافع الحضاري، وقدرتها على القيام من جديد من رحم المعاناة والضنك والمأساة، وعلى تطويع العسر وتحويله إلى يسر، وغير ذلك من دروسٍ فكرية وحضارية وإنسانية، إضافةً إلى دراسة تاريخ القدس وفلسطين الحديث، وكيف مهد الاحتلال البريطاني للمستوطنين الصهاينة الهجرة إلى فلسطين، وكيف استطاعوا الاستيطان وبناء كيان دولتهم، وما جرى لاحقًا من هزائم عربية نكراء، ونكسات ونكبات حلت بالشعب الفلسطيني المكلوم، وآثار ذلك على الواقع، وانعكاساته على الصعد السياسية وغيرها.
وبعد عنصر التاريخ وما يتصل به من مكانة وموقع وغيرها، لا يمكن للسائر على طريق التحرير ألا يكون ملتصقًا بهموم المدينة وما يجري فيها من أحداث ومستجدات، فمعرفة القدس عن قُرب لا ينفك عن العمل لها، إذ تسهم هذه المعرفة في تصويب بوصلة العمل، وترتيب الأولويات بشكلٍ أكبر، وأنجع، إذ تواجه القدس اعتداءاتٍ ومخططات تهويديّة خطيرة، ما يدفعنا إلى المزيد من البحث والمتابعة، ورصد الدراسات والتقارير التي تتحدث عن واقع القدس – وفلسطين- وعن استراتيجيات الاحتلال في تهويد المدينة، وعما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من اعتداءات واقتحامات وتدخلات في الإدارة والمكان، وما يجري أسفله من حفريات وأنفاق، وبناء كنس ومراكز تهويديّة، وعن تشويه صورة المدينة العربية والإسلامية بالمشاريع الاستيطانية، وهدم منازل الفلسطينيين بشكلٍ مستمر، وعن مخاطر أسرلة التعليم واستهداف الأطفال والنساء، ومحاولة تزييفها بكل ما لدى الاحتلال من وسائل وسلطات، وغير ذلك من تفاصيل.
وما نقصده في هذه الشذرات المختلفة، الاطلاع العام عبر قراءة الكتب وأبرز الدراسات ذات الصلة، أو حضور الدورات النافعة المفيدة التي يقدمها متخصصون في هذه المجالات، ويجب على طالب المعرفة أن ينهل من هذه العناوين بقدر ما يستطيع وما يستلزمه عمله والدرب الذي سار فيه، ومن وجد في نفسه شغفًا نحو المزيد، وأراد المضي قدمًا في هذه المسارات المعرفية التخصصية، عله اختيار مسارٍ من هذه المسارات، ويفرغ فيه جهده، ليكون علمًا من أعلامه، ويسهم في مرحلة لاحقة بتطويره، وتقديم الجديد من الدراسات والأبحاث ذات الصلة، في سيرورة متواصلة من العمل والبذل، ونقل المعلومة للأجيال القادمة من السائرين على درب التحرير.
هذه العناوين العامة والخطة الأولية، تحتاج إلى المزيد من التفصيل والبيان، ويمكن من خلال هذه المسودة بناء استراتيجية ثقافية ذات صلة بكل مضامين المعرفة من فكر ومحاججة ومنطق، ودراسة للشبهات والرد على مثيريها، ولكنها في هذا الحدّ يمكنها أن تزود السالك على الطريق بناءً معرفيًا جيدًا، يسمح له بلورة المبادرات العملية القادرة على خدمة المدينة وأهلها، وأن تكون مواجهة الاحتلال على بصيرة ودراية، فالمعرفة أسُّ المواجهة، والحلقة الأساس في بناء جيل التحرير القادم، إن رافقها عملٌ وتحرك فاعل.