عن أفئدة المغاربة التواقة للقدس
الخميس 28 أيار 2020 - 4:34 م 2879 0 تدوينات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةتعرفت خلال الأعوام القليلة الماضية إلى عددٍ كبير من الإخوة الأعزاء من المغرب العربي الكبير، ثلة من الأفاضل والدعاة والكتاب والعاملين، قلة قليلة منهم يسر الله لقاءهم مباشرة في غير ميدان ومدينة، أما الجزء الأكبر، فكان مبتدأ العلاقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وظلّ التلاقي حبيس هذه المنصات، وعلى الرغم من هذا البعد، فقد تمكنت عرى الأخوة، واشتدت وشائج المحبة، وأصبحت العلاقة مع العديد منهم علاقة صداقة ومودة، وتآخ في الله، وفي العمل في سبيل قضايا الأمة.
وعندما نطلق معاشر المشارقة لفظ المغاربة، نقصد فيه كل هذه البلاد المباركة الطيب أهلها، من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ومع هذا التواصل الدائم، الذي شكلت القدس بوابته الواسعة، وحب فلسطين أُسّه المكين، لاحظت أن للمغاربة أفئدة تواقة للقدس والأقصى، وقلوبًا متعلقة بفلسطين أيما تعلق، وأرواحًا تتشنف إلى هذه البقاع الطاهرة المباركة، ولا أقول إنهم هم وحدهم من يحب فلسطين والقدس في هذا العالم، فحب القدس وفلسطين ديدن كلّ مؤمن، بل وكل إنسان شريف وحر، ولكن للمغاربة ميزة خاصة، ألا وهي الاهتمام الجارف العام، الذي لا تختصره طبقة أو فئة بعينها، بل جلُّ المغاربة يحبون فلسطين حبًا جمًا، ولديهم من الأيادي البيضاء في دعم القضية الفلسطينية الشيء الكثير، وترى أن فطرة العداء مع الاحتلال متأصلة في نفوسهم، يكتمون أي أصوات شاذة، ويئدون أي محاولات قميئة للتطبيع، أو غير ذلك من مطالبات أذناب الصهاينة.
فعلاقة المغاربة مع فلسطين، علاقة سامية لها من الربانية والنبوة والشريعة والتاريخ والحق الكثير الكثير، فانعكست هذه العلاقة الضافية على شعوب هذه البلاد، وعلى مختلف الشرائح التي تهتم بالقدس وفلسطين منها، حتى جذبت كبار المفكرين إلى ميدانها، فها هو الفيلسوف الكبير طه عبد الرحمن، وكتابه عن ثغور المرابطة، وغيره من قادة العمل، ولا تخلو حركة إسلامية من جناح متخصص في الشأن الفلسطيني، فكريًا وتنمويًا وإغاثيًا ومعرفيًا.
إضافة إلى أن لهم مزية أخرى، ألا وهي تحويلهم هذا التشوق إلى مشاريع عملية وبرامج فاعلة، فقد وجدت أنهم من أكثر الشعوب ترجمة لهذا الحب، عبر مختلف الميادين، وميدان المعرفة بشكل خاص، ولهم في هذا المجال تجارب عديدة، نذكر منها الأكاديمية التونسية للمعارف المقدسية، وأكاديمية أبي مدين الغوث في الجزائر، إلى غير ذلك من جمعيات ومنظمات تعمل بشكل دائم على حشد الجهود وتأطير الطاقات لخدمة قضية القدس وفلسطين.
ولست هنا في مقام دراسة الأسباب الكامنة خلف هذه العلاقة البهيّة، بل يأتي هذا المقال في سياق تسليط الضوء على نموذج يجب الاستفادة منه، والبناء عليه، ومراكمة التجارب جزء أساسي من عملية بناء القاعدة الصلبة القادرة على حمل الأعباء، وجزء أساسي من هذه القاعدة سيكون من هذه البلاد الطيبة.
ومما عاينته وتابعته في شهر رمضان، تنظيم العديد من الدورات والمحاضرات في تونس والمغرب والجزائر –بما شاهدته وتابعته عبر وسائل التواصل-، وهي مبادرات استفادت من الحجر الصحي وحولته إلى فرص لتنظيم هذه الندوات والدورات، فمنها ما كان عامًا، ومنها ما كان منهجيًا يشمل العديد من جوانب القضية، استضافت العديد من المتخصصين والخبراء والدعاة للحديث عن هذه الجوانب المختلفة، وكان لكاتب هذه الأسطر شرف المشاركة في بعضها، وتقديم محاضرات منها.
وحول هذه المبادرات القشيبة، التي تبتكر أشكالًا جديدة من التفاعل، تلك التي جرت في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان تحت عنوان: "مغربي إفطاري مقدسي"، التي لاقت تجاوبًا كبيرًا، ومشاركة كبيرة من المغاربة فيها، وهي على الرغم من بساطة الفكرة، إعلان التضامن مع القدس وإعداد طبق فلسطيني على مائدة الإفطار، ونشر هذه الصور عبر وسائل التواصل، وقد شهدت تفاعلًا كبيرًا على صعيد الأُسر المغربية وخاصة الأطفال والنساء، وهو ما يجب علينا الاقتداء به، في سبيل زرع فسيلة حب فلسطين والقدس في صدور أبنائنا، فما يحيكه الإعلام لهم لا شك خطير جدًا.
أختم هذه الكليمات المبثوثة، بتحية إكبار وإجلال لأهلنا وإخواننا في هذه البلاد المباركة، وأشدّ على أياديهم بما يقومون به من اهتمام بقضية الأمة الأولى، قضية فلسطين والقدس، سائلًا الله تعالى أن يجمعنا بكل محب وغيور وعامل ومفكر وحركي وداعية... خط أو قال أو عمل أو قدم ولو كلمة في سبيل الله ولأجل هذه القضية المباركة، في باحات المسجد الأقصى المبارك، محررين منتصرين، لنعود ونبني معًا، يدًا بيد وروحًا متصلة بروح، بيوت حارة المغاربة، فالأقصى اشتاق لها ولكم...