فرسان الميدان حشدٌ وتعبئة واستنهاض

تاريخ الإضافة الخميس 11 حزيران 2020 - 12:22 م    عدد الزيارات 2850    التعليقات 0     القسم تدوينات

        


علي ابراهيم

 باحث في مؤسسة القدس الدولية

أفكارٌ على طريق التحرير -5-

 

فرسان الميدان

حشدٌ وتعبئة واستنهاض

 

رواد التحرير ورواحل العمل هم فرسان ميادين العمل للقدس، على اختلافها وتنوعها، إذ تقع على كواهلهم مهام جسام، لتعبيد الطريق أمام السالكين للمضي في طريق التحرير، وهم الحلقة التالية لجميع ما ذكرناه في هذه السلسلة من التدوينات، فهم من يطوع ما تلقاه من معارف وعلوم، ويحولون فاعلية الرواحل وصناعة القيادة الربانية والواعية، إلى برامج تطبق على أرض الواقع، وهم صناع الجيل الذي نطمح أن يحرّر القدس والأقصى، فهو متحركٌ دائم في سبيل هذه القضية، محرِّكٌ لكلّ من حوله من طاقات وعناصر.

 

إن فرسان الميادين طاقات لا تفتر، يعملون من دون كلٍّ أو ملل، وأولى الحلقات التي عليهم أن يعتنوا بها، وأن يؤلوها اهتمامهم وخلاصة جهدهم، محيطهم العائلي والاجتماعي، أو ما يطلق عليه البعض "البيئة المحلية" أو "المحيطة"، إذ تكتنف بيئاتنا مزايا قلما تجدها في غيرها، من الثبات والإخلاص والتفاني، وغيرها من صفات يستطيع الفرسان اكتشافها وصقلها في مشروعهم الجاد والمتراكم، فإن استطعنا إنشاء مشروع للعمل للقدس على الأقل في كل مدينة – ولن أقول في كل حيّ-، لوجدنا في كل قطر وبلد العشرات من المشاريع العاملة للقدس، في مختلف المجالات، ولاستطاعت هذه الثلة من الفرسان، جعل القدس والأقصى أولويّة، أولوية العمل بعد أولوية القلوب والمشاعر والتشوق.

 

ومع إنجاز الفرسان هذه الخطوة، نجد من الضرورة أن ينتقلوا للبناء العام، على صعيد الأمة، عبر التشبيك الجمعي بين مختلف المبادرات المحلية والمشاريع الكبرى، وهو هرمٌ يكبر مع تكتل الصادقين، وانتشار مساحات عملهم، وجوانب اهتمامهم، ما يسمح تبادلًا أكبر للأفكار والتجارب، ومراكمة للمعلومات التخصصية، خاصة في جوانب العمل الفكري والمعرفي، والعمل الاستنهاضي والخيري، مع الحذر من عدم الإغراق في البناء المؤسساتي – على أهميته- فحشد المميزين، وصيد النجباء هو أولى أولويات الفرسان، ليستطيعوا تصدير الدفعة وراء الدفعة، ولئلا ينحصر بهم العمل والجهد فقط.

 

ومن الميادين التي تحتاج مرة أخرى – وبشكلٍ دائم- إلى الفرسان، هي الشرائح الشابة، ليس لخلوها منهم، بل لفداحة المغريات، وكثرة الصوارف في هذه الفئة خاصة، وما لديهم من أوقات وطاقات ليست متوافرة عند غيرهم، من الشرائح العمرية، وعلى الرغم من وجود مثل هذه المبادرات، ولكنها لا تستطيع ملء الفراغ الكبير، خاصة أمام موجات التطبيع الهائلة التي تشنها أذرعٌ لديها من القوة والمال والوصول والمنابر ما لها، فالسعي إلى إنشائها واستنساخ الناجح منها في كل ميدانٍ ومنطقة، من فرائض الوقت، لتقوم بإرشاد الشباب العربي على حب القدس والعمل لها، ومن يعمل للقدس سيعمل لرفعة بلده وتحقيق نهضتها.

 

ومما يشد عزم فرسان الميادين، إيكالهم مهام دعم إخوانهم في فلسطين عامة والقدس بشكلٍ خاص، فحاجات المرابطين في القدس كثيرة جدًا، والهجمة الاحتلالية عليهم لا تتوقف، فهم أولى الناس بالدعم لتثبيتهم في مدينتهم، والوقوف معهم أمام ما يلاقونه ويعانونه... فإن عمل الفارس في مثل هذه المبادرات الخيرية، سيشعر باقترابٍ أكثر من القدس، ويذوق حلاوة تحويل العمل الدؤوب في كلّ المجالات والمحطات السابقة، إلى نتيجة ملموسة، فتنعكس على واحدةٍ من القطاعات الحياتية في القدس المحتلة، فلا ينقطع عن أهله وإخوانه، ويعود مرة أخرى لتلمس جوانب مختلفة لدعمهم، خاصة أمام الحصار الكبير الذي يفرضه الاحتلال وأذنابه على مثل هذه المبادرات الخيرية.

 

وثاني لذائذ العمل في الميدان، التخصص في استنهاض الجهود الشعبية المتفاعلة مع قضايا القدس وفلسطين، وما يتصل بما سبق من عمل خيريّ، ومن تنظيم الوقفات والفعاليات والاحتجاجات المتفاعلة مع نبض القدس والأقصى، ليعود نبض مياديننا العربية متوازنًا مع نبض أهلنا وإخواننا في القدس، يندمجون في شعوبهم يقدمون إليهم جرعات الحب والتشوق، وجرعات الوعي لأخطار التطبيع والصفقات المشبوهة، ويكونون مفاتيح لتحريك الجماهير حال الحاجة إلى مثل هذه التحركات، وأدواتٍ نابضة بالأمل والوعي. عدا عن ما لها من أثر في تمكين التعاضد، وإيصال رسائل المناصرة للفلسطينيين من جهة، ورسائل الرفض والثبات على المواقف للاحتلال وأذنابه من جهة أخرى.

 

أخيرًا، وبناءً على التجارب الكثيرة والمشاهدات المتعددة، إن الذي حباه الله من المحطات ما ذكرت آنفًا وما لم أذكر، وتدرج في المعرفة والبناء والتنظير والفهم.... ثم وصل إلى الميدان وظلّ ساكنًا لا يتحرك، أو انزوى في صومعته الفكرية أو المؤسساتية أو الأكاديميّة، وابتعد عن العمل على أرض الواقع، ولم يكن له مشروعٌ عمليّ وهدفٌ من الحشد والاستنهاض والتحرك... فقد ضيّع وقته، وبدد جهود الكثيرين ممن كانوا معه وساندوه وعاضدوه في هذا الركب الرباني، فلا تقف المشاريع العملية عند ميدانٍ بعينه، فالساحة بحاجة لمختلف الفرسان، وفي كل الميادين من الفكر والمعرفة وليس انتهاءً بالعمل مع الأطفال والناشئة، والسيدات وربات البيوت..

 

إذًا، التحرك الميداني خطوة لاحقة لأيّ إعدادٍ جاد لرواحل القدس والأقصى، ونتيجة حتمية لذلك التميز والصناعة الواعية للقادة الملهمين. وتبقى هذه الأفكار إطارًا عامًا ومقترحات مبثوثة، يستطيع كلّ عامل بوعي للقدس والأقصى أن يمضي بالعديد من هذه المسارات، وأن يضيف عليها الكثير، فالعامل مجتهد مأجور.. والخامل بضاعته حتمًا ستبور..

 

 

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

كيف نواجِهُ الطّبعةَ الجديدة من التطبيع؟

التالي

إما الرحيل وإما قيادة مشتركة وانتفاضة

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

سيد الظل والميدان

الإثنين 3 شباط 2025 - 12:05 م

منذ أن شاهدت كلمة الملثم المصورة، فكري مشغول بهذه الشخصيات الفريدة التي لا تُشبه غيرَها، ولا يُشبهها أحد، فقد طفقت تتوارد عليّ المعاني والصور والكلمات، منذ أن سمعت نعي الشهيد القائد العام لكتائب القسا… تتمة »

علي ابراهيم

عندما أزهر الصمود أسطورة!

الجمعة 31 كانون الثاني 2025 - 9:56 ص

لم تعد الأحداث العظيمة الجليلة بعيدةً عنا، إذ نعيش في زمن تتكثف فيه الأحداث، وتتسارع فيها التطورات، ولا تكاد تمر الأشهر، بل الأيام من دون حدثٍ جليل، فقد أصبحنا في زمنٍ تتبدل فيه أحوال الدول، وتنقلب في… تتمة »