الإعلام والعمل| الانتقال من الترف إلى الواجب
الجمعة 3 تموز 2020 - 4:11 ص 2735 0 تدوينات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةأفكارٌ على طريق التحرير-6-
الإعلام والعمل
الانتقال من الترف إلى الواجب
ومع مراكمة ما سبق من أفعالٍ وأفكار، وبث المفاهيم الريادية والقياديّة، وصناعة الرواحل الأشداء، لاستنهاض الأمة، وتكوين الفرسان القادرين على التعبئة والحشد، نجد لزامًا لاستكمال سيرورة هذا العمل الاهتمام بالجانب الإعلامي، وهو اهتمام لم يعد من نافلة القول، أو ترفًا ينزاح إليه من استطاع الاستحصال على أدواته ومنابره، بل هو فعل ضرورة، تترابط أدواته ونتائجه بكل الجهود السابقة، بل هي خطوط متوازية من العمل، فلا يمكن المضي في العمل الميداني، من دون تشكيل منبرٍ إعلامي، يسهم في الحشد والتعبئة.
ومما يجعل العمل الإعلامي حاجة ملحة، إن كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو تأسيس منابر إعلامية متخصصة ومتقنة، مُعانة القضية الفلسطينية عامة، وقضية القدس بشكلٍ خاص، من التراجع المستمر في التغطية الإعلامية واهتمام القنوات الأكثر مشاهدة، لأسبابٍ كثيرة، أولها انزياح التغطية نحو العديد من القضايا والجراح في العالمين العربي والإسلامي، وما يتصل بها من خلافات بينيّة بين هذه الدول، أما السبب الثاني فهو تصاعد موجة التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، التي أراد القائمون عليها خنق وجود القدس في المساحات الإعلامية التابعة لهم، أو التي يؤثرون فيها، وهو ما ألقى بظلاله على حجم متابعة مستجدات التهويد واستهداف المسجد الأقصى، وخنق المقدسيين ديموغرافيًا، وغيرها من الملفات الساخنة التي تمور في القدس المحتلة، فانخفض وعي الجماهير بهذه القضايا، وتراجعت بشكلٍ مضطرد حجم التفاعل مع قضية القدس وواقعها.
هذه الإشكالية التي ازدادت آثارها الكارثية خلال السنوات الماضية، تستوجب إعادة تفعيل العمل الإعلامي القادر على إبراز مختلف جوانب قضية القدس، وعدم حصرها في جانب الأخبار والاعتداءات فقط، على الرغم من أهميتها، ولكن على الإعلام والإعلاميين أن يسلطوا المزيد من الضوء على الجوانب الإنسانية ومحطات الصمود، وإبراز القدوة وتضحيات المرابطين، وغيرها مما اختزلته هذه المدينة من تاريخٍ وحضارة وأعلام، وعرض ما يمكن من تفاصيلٍ وشجون تسهم في إذكاء الشوق للقدس، وتدفع إلى العمل لها وخدمة قضيتها.
ويمكن للمتابع أن يسأل، كيف لنا أن نساهم في إبراز هذه القضايا ونحن لا نملك وسائل الإعلام أو ما لدى المحطات الكبرى من إمكانيات، ولا نستطيع توجيه سياساتها التحريريّة.
وهو سؤال محقّ عميق، إذ أنّ المساحة الإعلامية للعمل الفلسطيني تتعرض لحصارين قاسيين:
الأول: الحصار الماليّ، من خلال تجفيف أي تمويل يأتي لهذه الوسائل، فقد توقف خلال السنوات الماضية الدعم عن عددٍ من المؤسسات الإعلامية، واضطرت بعد تعرضها لضائقة مالية شديدة إلى الإغلاق، أو تحويل النشاط إلى ميادين أخرى أقل كلفة من البث الفضائي، مع ما خسرته هذه المؤسسات من كوادر وطاقات محترفة.
الثاني: سياسات وسائل التواصل الاجتماعي التي تستهدف أي محتوى يتحدث عن قضية فلسطين أو عن فصائل المقاومة، من خلال حظر وإغلاق صفحات المؤسسات والأفراد على حدٍ سواء، وقد بلغت خوارزمياتها مرحلة متقدمة، تستطيع عبرها إخفاء وحذف أي منشور يتضمن كلمات بعينها، في محاولة فاضحة لتكميم الصوت الفلسطيني، وأي صوت متضامن مع فلسطين والقدس.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات والعراقيل، على المعنيين والعاملين أن يسهموا في الدمج بين الأدوات التقليدية والحديثة في الإعلام، وأن يكون العمل قائمًا على ثنائية راسخة، تتمحور بين نشر الوعي حول القضية وأساليب النصرة والتفاعل، وتغطية المبادرات الشعبية في هذه الأطر، وبين العمل على تسليط الضوء على ما تواجهه القطاعات الاجتماعية في القدس المحتلة.
وفي سياق وسائل التواصل وما يجري فيها من حملاتٍ تطال المقاومة أو الشخصيات الوطنية، وبعيدًا عن القائمين على هذه الحملات أجد أن على العاملين بصدقٍ وحكمة أن ينأوا بأنفسهم عن هذا الصخب الذي تضج به وسائل التواصل، وأن لا يكلفوا أنفسهم عناء تقييم كلّ خطوة يقوم بها المجاهدون الصادقون، لا لقصورٍ في التفكير، أو مصادرةٍ للفهم، ولكن من باب الحفاظ على نقاء القضية وصورتها، ولألا نكون ممن يشغب عليهم، ليقيننا أن ما يقومون به في مدار الآراء والمصالح، وأن موقفنا منه، من موقع المخالف أو الموافق، ليس موقعه فضاءات التواصل الاجتماعي، فالنصيحة الصادقة ستصبح سهمًا غائرًا، والكلمة المحقة ستتحول إلى صك إدانة أو براءة.
وفي هذا الصدد تحضرني فكرة أهمية التصويب نحو الهدف، وأن النزاعات الصغيرة ستؤخر المسيرة، وتعيق تحقيق الأهداف الكبرى، وأن تلك الجهود التي تُبذل للإدانة أو التبرير، وتُسخّر لها جهودٌ وأوقات، لو بذلت في شؤون أخرى، على غرار بيان موقع القضية في الأمة، وما تحتويه من شؤون وشجون، وفي تسليط الضوء على الصمود والمعاناة، لحققت الكثير مما نصبو إليه، بدلاً من أن تبدد هذه الطاقات في السجالات التي لا طائل منها، في الوقت الذي يعمل فيه عدونا ليل نهار ليحقق سيطرة كاملة، ويتربص بنا الدوائر في كل طريقٍ وعند كل زاوية.
أخيرًا، كلّ محب للقدس هو إعلاميٌ يعمل لنصرتها، قادرٌ على ترويج الأفكار والمنشورات والمقاطع المصورة التي تخدم وتبرز قضاياها، وتزخر فضاءات وسائل التواصل بموادّ مميزة مرئية أو مكتوبة، علاوة على وجود مبادرات عدة قائمة يمكن للجمهور الاستفادة من موادها، على غرار معلومة مقدسية والموسوعة الفلسطينية وموقع مدينة القدس، وغيرها من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، لتكون منصة تنبض بحب القدس والأقصى. ومع ما سبق يجب الاستمرار بالضغط على وسائل الإعلام عبر العلاقات الشخصية والدعوات الإلكترونية، لترشيد التغطية وتخصيص مساحاتٍ أكبر من برامجها للمدينة المحتلة، وعدم تحويل قضية القدس إلى صفحة على واحدٍ من مواقع التواصل فقط.