اتفاقات التّطبيع العربي مع الاحتلال.. هل من مفاجأة؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 أيلول 2020 - 2:13 م    عدد الزيارات 1811    التعليقات 0     القسم مقالات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

 

 

في أقلّ من شهر واحد، أعلن عن اتفاقين لتطبيع العلاقات بين دولتين عربيتين هما الإمارات والبحرين من جهة ودولة الاحتلال من جهة أخرى، في ظلّ تأكيدات أمريكية وإسرائيلية أنّ مزيدًا من الدول العربية ستنضمّ إلى هاتين الدولتين. وتأتي هذه الاتفاقات في إطار الجهود التي بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2017 بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وما تلاه من قرارات لتصفية القضية الفلسطينية، حيث الرّهان الأمريكي والإسرائيلي على أنّ الفلسطينيين أنفسهم سيكون عليهم أن يوقّعوا على التنازل عن حقوقهم بعد أن يجدوا أنفسهم وحيدين وقد "سبقهم" العرب إلى التوقيع مع الاحتلال.

 

التطبيع التي رحّبت بها بعض الدول العربية على أنّها مفتاح للسلام في المنطقة، وضعتها جامعة الدول العربية في خانة سيادة كلّ دولة وحقّها في التصرّف وفق مصالحها، وإن أشارت إلى أنّ ذلك لا يعني التخلّي عن القضية الفلسطينية! ولعلّ إبرام هذه الاتفاقات والإعلان عنها لم يكن بالأمر المفاجئ، إذ إنّها كانت تتويجًا لمسار من الانفتاح العلني الذي اتبعته هذه الدول في الأعوام الماضية، تحت عناوين مختلفة من التعاون الأمني والطبي إلى التنافس الرياضي والتبادل الثقافي واللقاءات في المؤتمرات، والتصريحات حول ضرورة التحالف لمواجهة "الإرهاب" و"الخطر الإيراني"، وغيرها من العناوين. أما موقف الجامعة العربية فليس بعيدًا عن مواقفها التي تتوالى عامًا تلو عام.

 

ففي عام 2019، كشف وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس، في كانون أول/ديسمبر 2019، عن محادثات في واشنطن لتوقيع اتفاقيات بين دولة الاحتلال ودول الخليج العربية لإنهاء النزاع بين الطرفين، ولبحث دفع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج إلى الأمام. وكشف كاتس عن لقاءات مع مسؤولين خليجيين لإنهاء الصراع، وعن تحركات يقوم بها مدعومًا من رئيس حكومة الاحتلال، للتوقيع على اتفاقيات منع اعتداء مع دول الخليج العربية. وقال كاتس إنه قدّم خطته إلى عدد من وزراء الخارجية العرب في نيويورك على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019 فيما صرّح في آب/أغسطس 2019 قائلاً إنّ تعزيز التّقارب مع دول الخليج أولويّة لديه، وإنّ "توقّع تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج في بضع سنوات أمر واقعي".

 

وكان ذلك بالتوازي مع استمرار الفعاليّات التطبيعية بين عدد من الدول العربية ودولة الاحتلال لتعكس حالة من الدوران في فلك الإدارة الأمريكية والاستجابة لمحاولات واشنطن بناء علاقات بين العرب والإسرائيليين، بما يعزّز مكانة الاحتلال في المنطقة على خلفية "المصالح المشتركة". وفي هذا السياق شاركت تسع دول عربية في مؤتمر وارسو الذي عقد في شباط/فبراير 2019 في العاصمة البولندية بدعوة من واشنطن وحضور دولة الاحتلال إلى جانب دول عربية. وفي حزيران/يونيو 2019 شاركت سبع دول عربية في ورشة المنامة الاقتصاديّة التي عقدت للكشف عن الشقّ الاقتصادي من صفقة القرن، وكانت كلّ من الإمارات والبحرين حاضرتين في المؤتمرين.

 

أمّا على مستوى الجامعة العربية، فإنّ القمة العربية الـ30 التي عقدت في تونس أواخر شهر آذار/مارس 2019، بالتزامن مع مرور عام على انطلاق مسيرات العودة، فلم تصلح مخرجاتها ما سبق من مواقف أظهرت عجزها وفتورها في مواجهة إعلان ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال، أو قراره نقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، وتعاميها عن الحصار المفروض منذ أعوام على الغزّيين، فاستلّت أدواتها القديمة لتواجه اعتداءات قديمة متجدّدة، ومن خلفها تحالف صهيو-أمريكي يرى "أمن إسرائيل" فوق أيّ حل، وفوق كلّ حقّ. واللافت أنّ إعلان تونس دعَمَ "الحوار بين الأديان"، على أساس أنّه "عامل أساسي في نشر وتعزيز قيم التسامح والتضامن الإنساني واحترام الاختلاف، وفي مواجهة الغلو والتطرف"، وهو عنوان يحمل في طيّاته دعوة إلى التّطبيع مع دولة الاحتلال التي باتت تحضر في مؤتمرات التسامح والتعايش الديني التي تستضيفها دول عربيّة. وبالفعل، فقد استضافت البحرين مؤتمرًا تطبيعيًا لحوار الأديان شارك فيه الحاخام شلومو عمار في كانون أول/ديسمبر 2019 في حين أفشلت ضغوط شعبيّة عقد مؤتمر مشابه في الأردن.

 

إذًا، لا مفاجأة في التوقيع على اتفاقات التطبيع التي تأتي في سياق نهج منحدر ومتراجع لم يعد مقتصرًا على قمم سقف موقفها الإدانة والرفض وتعهدات بمتابعة الاعتداءات على القدس ووضع آليات لمواجهتها، بل تجاوز ذلك إلى انخراط بعض الدول المشاركة في هذه القمم وفي صياغة بياناتها "الداعمة للقضية الفلسطينية"، في التطبيع مع الاحتلال. أمّا التوقيت، فيتّضح ارتباطه، من جملة أسباب اختياره، بالمصالح الانتخابية لترامب الذي يحاول أن يقدّم رعايته للتطبيع على أنّه إنجاز يستحقّ من أجله أن يفوز بولاية رئاسية ثانية.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

استراتيجية "منظمات المعبد" في استهداف الأقصى منذ بداية عام 2020

التالي

منظمة "طلاب لأجل المعبد" ودورها في الاعتداء على الأقصى

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »