هبة النفق ومركزية الأقصى في المواجهة
الإثنين 28 أيلول 2020 - 11:56 ص 1995 0 مقالات |
كمال الجعبري
مُعِد في مؤسسة القدس الدوليةعلى الرغم مما حملته اتفاقية أوسلو من مرارة في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي، وما نتج عنها من نتائج كارثية في الواقع الميداني في الضفة الغربية، والقدس المحتلة، من تغولٍ للاستيطان، وسرقةً للمياه، إلا أنّ الفترة اللاحقة لأوسلو شهدت تشكل قواعد جديدة للمواجهة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأسيساً لمعادلة الردع الجماهيري، عندما يتعلق الأمر بالمسجد الأقصى المبارك، ومن تلك المحطات التي شكلت تلك القواعد، هبة النفق التي اندلعت في مثل هذه الأيّام من العام 1996.
خلفية الهبة
أسفل المنطقة الغربية من المسجد الأقصى المبارك، حيث المدرسة العثمانية، ورباط الكرد، والمدرسة الجوهرية، والمدرسة المنجكية، تقع مجموعة من المباني المشيدة منذ العصور الرومانية، والتي تآكلت وعلاها الطمم والتراب والصخور، ومن ضمن تلك المباني قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بعرض متر، وارتفاع عدة أمتار.
بعد الاحتلال الصهيوني لشرق القدس، في العام 1967، أصبحت مسؤولية الحفريات التهويدية أسفل المسجد الأقصى، والتي كان قد بدأ بعضها زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين، مسؤولية سلطة الآثار الصهيونية، وخلال العامين 1986، و1994 حاولت سلطات الاحتلال الصهيوني الإعلان عن افتتاح النفق إلا أنّ الظروف الأمنية والميدانية منعت الاحتلال من ذلك.
اندلاع الهبة
مع نجاح حكومة بنيامين نتنياهو اليمنية، المتمثلة بحزب الليكود، بدأت ملامح السياسة الصهيونية بالتوجه نحو المزيد من سياسة التصعيد، والذي جاء على الأرض بمزيدٍ من الاستهداف للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، وتصاعدت في ذات الوقت محاولات فرض أجندات التهويد في المسجد الأقصى، والقدس.
في 25/9/1996 أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني بشكل رسمي عن افتتاح النفق الغربي، وحضر نتنياهو فعاليات الافتتاح، في استفزازٍ لمشاعر الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، مما أدى لاندلاع مواجهات مباشرة في مختلف ضواحي وأحياء القدس، بعد أن تعالت النداءات من جميع مآذن مساجد القدس، تقريباً، داعيةً كافة أهالي القدس للدفاع عن المسجد الأقصى، استمرت المواجهات لعصر يوم الأربعاء 25/9/1996، لتتفجر بعدها أحداث الهبة الأولى، وفصل المواجهة الأبرز بعد اتفاقية أوسلو، وقبل انتفاضة الأقصى.
يوميات الهبة
عصر يوم الأربعاء 25/9/1996 امتدت الاشتباكات لشارع الزهراء المحاذي لشارع صلاح الدين في قلب القدس، ومحيط القنصلية الأمريكية في القدس، لتخرج المواجهات لخارج سور البلدة القديمة، وعقدت الهيئة الإسلامية العليا ونوّاب القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني، وممثلو الفصائل الفلسطينية مؤتمراً صحافياً في القدس دعوا خلاله للعصيان المدني والإضراب الشامل في القدس.
وفي مدينة رام الله عقد رئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، اجتماعاً عاماً بحضور أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وأعضاء مجلسي الوزراء والنواب في السلطة الفلسطينية، وأصدر خلال الاجتماع بياناً دعا خلاله جماهير الشعب الفلسطيني لمواجهة الاحتلال الصهيوني دفاعاً عن القدس، وبعد البيان بعدة ساعات، ومع حالة الغليان العالية في الشارع الفلسطيني، ومع رفع أجهزة أمن السلطة لقبضتها الأمنية، تفجرت نقاط المواجهة مع الاحتلال في معظم نقاط التماس مع العدو الصهيوني، وتحديداً في رام الله، ونابلس، والقدس، والخليل، وقلقيلية، وطولكرم، وأريحا، وجنين.
وفي رام الله وخلال المواجهات على المدخل الشمالي للمدينة، وفي محيط معسكر عوفر، تدخلت قوات الأمن الوطني الفلسطيني وغيرها بالرصاص الحي للدفاع عن المواطنين الفلسطينيين، مما دفع الاحتلال لاستخدام طائرات (الكوبرا) المروحية، وذلك بعد سقوط 5 شهداء برصاص الاحتلال خلال المواجهات.
في يوم الخميس 26/9/1996 أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني حالة الطوارئ، وحشدت أكثر من 5000 جندي على مداخل الضفة الغربية، وفي ذات الوقت شهدت نابلس استسلام القوة العسكرية الصهيونية المتواجدة في قبر النبي يوسف، بعد أن هاجمتها الآلاف من الفلسطينيين، بعد أن هاجمه الآلاف من الفلسطينيين، بمشاركة قوات أمن السلطة، وشوهدت الجيبات العسكرية وقد فر منها جنود الاحتلال في نابلس ورام الله وبيت لحم.
وفي قطاع غزة تفجرت نقاط المواجهة في محيط معبر بيت حانون، ومفرق الشهداء (نتساريم)، ومفرق غوش قطيف، موقع جاني طال العسكري، وبدأت الاشتباكات المسلحة في محيط حاجز (كفار داروم)، لتنتقل الاشتباكات بعدها إلى مفرق الشهداء، حيث تمكن الشبان الفلسطينيون وأفراد الأمن الفلسطيني من إبادة النقطة العسكرية في الموقع، مما دفع الاحتلال للتدخل بدباباته ومدرعاته، وامتدت المواجهات لتشمل خانيونس ورفح.
نهاية الهبة
وفي اليوم الثالث للهبة استمرت المواجهات في كافة نقاط التماس في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وتوقفت المواجهات مساء يوم الجمعة 28/9/2000، في مصادفةٍ غريبةٍ إذ أنّ نفس التاريخ وبعد 3 سنوات، كان هو تاريخ انتفاضة الأقصى، التي تشابهت في الظروف والمعطيات مع هبة النفق، وعلى الرغم من أن توقف الهبة جاء بتفاهماتٍ بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، ترجمتها اتفاقية الخليل في العام 1997، ولم تأت تلك التفاهمات بالنتائج التي تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، إلا أنها أسست لمعادلة ردع في الأقصى، لا يزل أثرها موجوداً ليومنا هذا، وكانت حاضرةً خلال انتفاضة الأقصى، وهبة السكاكين (انتفاضة القدس)، وبنت عليها الجماهير المقدسية انتصاراتها في هبتي باب الأسباط وباب الرحمة.