القدس.. يحبّها رسول الله وتحبّه
الأربعاء 28 تشرين الأول 2020 - 7:40 م 3842 0 تدوينات |
براءة درزي
باحثة في مؤسسة القدس الدوليةإلى بيت المقدس عُرج برسول الله من المسجد الحرام، ومن بيت المقدس أسري به عليه السلام، فكانت القدس نافذة الأرض إلى العلا وتاريخ الأرض المتّصل بالسماء وبرسالة خاتم الأنبياء. في بيت المقدس صلّى عليه السلام بالأنبياء إمامًا، فكانت صلاتهم بإمامة خاتم الأنبياء صلاة أكّدت مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء إذ هو يؤمهم ويصلي بهم في المسجد الأقصى (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) بما يعزّز مركزية بيت المقدس في الإسلام.
حب محمّد صلى الله عليه وسلّم لبيت المقدس ليس بالغريب، فهنا القِبلة الأولى، ومحطّ الإسراء، ومنطلق المعراج والارتقاء على كفّ المعجزات إلى السماوات، وليس غريبًا أن يحضّ أمّته من بعده على هذا الحبّ دعمًا، ونصرة، وزيتًا يُسرج؛ ففي رواية ميمونة مولاة النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنها قالت: (أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: إِيتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، - وَكَانَتِ الْبِلادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا- فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ)، ليكون هذا الزيت شعلة جذوة الحبّ في قلوبنا، يترجم نصرة لحاضنة الرسالات ومدينة الصلاة.
إذًا، أوصانا رسول الله عليه السلام بأن نحبّ بيت المقدس، وحثّنا على أن نعتنق ذلك الحبّ، وفي الأيام القليلة الماضية أظهرت القدس ذاك الحب لنبي الرحمة بعد الإساءة التي تبنّاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بذريعة حماية مبادئ العلمانية والدفاع عنها. بادل المقدسيون النبي حبًا بحبّ وانتصروا له ورفضوا الإساءة إليه فرأينا الطلاب في المدارس ينفّذون وقفات رافضة، والتجار يزيلون البضائع الفرنسية من رفوف متاجرهم في إطار حملة المقاطعة التي انطلقت بمبادرة شعبية كردّ على الموقف الفرنسي. كذلك كانت المسيرات والوقفات التي نظمها الأهالي في بلدات القدس المختلفة، نصر ة لنبي الأمّة.
هذا الموقف ليس بالجديد، ففي عام 2015، شهد المسجد الأقصى تعبير جماهير القدس عن حبهم لصاحب المسرى عندما هتفوا بالآلاف "سيدنا محمد قائدنا للأبد" وذلك على خلفية الإساءة للرسول عليه السلام وأحرقوا العلم الفرنسي احتجاجًا على الرسوم التي تسيئ إلى نبيّ الإسلام تحت ذريعة حرية التعبير عن الرأي.
وإلى جانب هذا التفاعل، فإنّ القدس تحيي سنويًا ذكرى المولد النبوي الشريف، فترتفع الرايات الإسلامية في شوارعها وعلى أبواب المحال التجارية في بلدتها القديمة وفي المسجد الأقصى، ويتبادل المقدسيون التهاني ويوزعون الحلوى على المارة والأقارب. كذلك، يقام احتفال في الأقصى بمشاركة علماء يتحدثون عن الذكرى وصاحبها، وعن رحلة الإسراء والمعراج ومعانيها. ويشارك المقدسيون بالاحتفالات في المسجد على الرغم من تضييقات الاحتلال وقيوده.
هذا الإحياء وهذا التعاطي مع ذكرى المولد وصاحبها عليه الصلاة والسلام هي تثبيت للوجه العربي والإسلامي للقدس، ومناسبة متجددة ليعيد المقدسيون تأكيد تمسّكهم بنهج نبيّهم في الثبات والمقاومة، وتشبّثهم بمسرى رسول الله وبأرض الإسراء والمعراج، ولعلّ هذه الروح والرسائل التي يعكسونها مصداق قوله صلى الله عليه وسلّم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرّهم مَنْ خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: بيت المقدس وأكناف بيت المقدس) ليكونوا مصداق الرباط والثبات وبشائر النصر والتحرير.