أفكارٌ على طريق التحرير -7- التطبيع - بين زيف المرحلة ومقومات المواجهة
الثلاثاء 15 كانون الأول 2020 - 3:26 م 2169 0 تدوينات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدوليةتتصاعد معوّقات المناصرة والتحرير بشكل مطّرد في الأعوام القليلة الماضية، وتقف خلف هذه العرقلة دولٌ وجهات أصبحت معروفة الأهداف والخلفيات، ويأتي التطبيع مع الاحتلال أحد أخطر هذه العوائق، وجزءًا مما خططت له إدارة ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية، وجعل "صفقة القرن" أمرًا واقعًا، وكأسًا على الفلسطينيين والعرب الشرب منها راغبين أو رافضين...
ويرمي القائمون على هذا المسار إلى إحداث تغييرٍ جذري في الرأي العام العربي، فلم يعد التطبيع مع المحتلّ الإسرائيلي قاصرًا على العلاقات الرسمية، والبعثات الدبلوماسية، بل يريدون من هذه الموجة التي بدأت مع الإمارات ووصلت أخيرًا إلى المغرب، أن يتحول الاحتلال في مداركنا الشعبية إلى عنصر "طبيعيّ"، مرغوبٍ فيه بالمنطقة، بل أساسي في تركيبة الأنظمة العربية، وتحالفاتها في مواجهة محاور بعينها، وأشار باحثون كثر إلى أن القائمين على هذه الموجة يسعون إلى تحويلها إلى تطبيع شعبي كامل، فلا تصبح الزيارات أو المشاركات مع المحتلين جريمة أو عملًا مذمومًا، بل تأتي في سياق ممارسات طبيعيّة تربط بين "بلدين" تجمعهما أواصر محبة، وعلاقات ودّ وشراكة، وهي حالة لم نعرفها في اتفاقيات التطبيع السابقة التي وقعت في السبعينيات مع مصر، أو في التسعينيات مع الأردن. وكأنهم يريدون للموجة الثانية من التطبيع أن تصطبغ بلبوس "القبول الشعبي"، والمشاركة الجماهيرية الموجهة حتمًا، إذ تزدحم وسائل التواصل بالاحتفاء بالصهاينة والجلوس معهم، بل المشاركة في طقوسهم التلمودية، وأعراسهم الدينيّة، وآخر تلك الطامات مدح "السلام" الرائع من شواطئ "تل أبيب"، من وفدٍ إماراتي يزور مناطقنا الفلسطينية المحتلة.
ولا تكمن خطورة هذا الفعل في تطويع الشعوب، ومحاولات وأد العداء مع الاحتلال فقط، بل تكتنف مثل هذه الممارسات قمع أي أداة من أدوات النصرة الحقيقية، من تكميم أفواه الأحرار، وقمع رافضي هذه الاتفاقيات، وصولًا إلى منع التمويل عن مناصري المقاومة، بل المشاركة في التآمر على الفلسطينيين في القدس وغزة ومختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، وهو ما بدأ يظهر جليًا في استهداف المسجد الأقصى، والاقتحامات العربية "التطبيعية" من بوابة الاحتلال، وعبر أجنداته، فأي خطوةٍ تزعج الاحتلال ستتحول إلى جريمة في قوانين المطبعين، ما يجعل مواجهة التطبيع نصرة للقضية بحد ذاتها، وجزءًا من سيرورة التحرير.
فأمام تعاظم مخاطر التطبيع، الذي يحاول تطويع الشعوب وتغيير هويتها الحقيقية من جهة، ويقمع أي محاولاتٍ حقيقية لنصرة القدس والأقصى من جهة أخرى، هل سيستمر زيف هذه المرحلة، أم سيستطيع المتمسكون بالقدس وفلسطين مواجهتها؟ وعرقلة أهداف القائمين عليها...
بناءً على ما سبق، نجد من الواجب على الأحرار في هذه الأمة تكثيف جهودهم لوقف قطار التطبيع، ومواجهة أدواته المتنوعة وأذرعه المختلفة، وهي خطوة يعمل عليها الكثير من الجهات والتنظيمات والأحزاب، ولكن مواجهتها تحتاج إلى صبر ونفس طويل، وتحرّك سريع لوأد هذه التحركات، ووقف هذه المحاولات. وفي هذا السياق نسجل في إطار هذا الصراع نقطة قوة ونقطة ضعف.
أما النقطة ضعف مناهضي التطبيع، فهي امتلاك القائمين على الموجة التطبيعيّة مقدّرات هائلة لا يمتلكها الطرف المقابل، ويسخّرون في سبيل تطويع الشعوب وتطبيع وعيها كل ما لديهم من أبواق ومساحات عمل، ويصورون العلاقة مع الاحتلال على أنّها "خشبة الخلاص"، وتراهم يشاركون وينظمون المؤتمرات والمناسبات المختلفة، بل ويفتخرون بزيارة الأراضي المحتلة، والتواصل مع المحتلين، والتودد إليهم وعقد الاتفاقيات الاقتصادية معهم.
وفي مقابل نقطة الضعف هذه، لدى مناهضي التطبيع من أحرار الأمة نقطتا قوة، فالأولى نبض الشارعين العربي والإسلامي الرافض لهذه الأصوات التطبيعيّة، إذ ما زالت الأمة تراه فعل خيانة وإجرام، مهما كانت الدولة أو الجهة التي تقوم به؛ والثانية حالة الصمود الفلسطيني التي تؤكّد أنّ أصحاب القضية ما هانوا وما وهنوا، فكيف نمدّ أيدينا إلى القتلة الصهاينة، وصورة طرد بعض المطبعين من المسجد الأقصى لا تغيب عنّا!
أخيرًا، سيسأل الكثيرون، كيف يمكننا مواجهة التطبيع؟
الجواب البدهي المباشر، انخرط في أي مبادرة محلية لمواجهة التطبيع، في منطقتك أو مدينتك وبلدك، ساهم في الكشف عن أي ناشط يحمل نفسًا تطبيعيًا، وشارك في منعه، وكن الإعلامي الذي يرصد ويصوّر هذه الخطوات، ولا تكن من السلبيين الذين يقولون بأن فريق التطبيع أقوى وأقدر، بل انظر إلى الإنجازات التي يسطرها الأحرار في كل حدبٍ وصوب، فقد حفلت الأشهر الماضية بالكثير من النجاحات في هذا المجال، وخرجت من البلدان المطبعة أصوات شجية أكدت التمسك بفلسطين والثبات على العداء مع المحتلّ.