منع الاحتلال ترميم الأقصى وإصلاحه خلفياته ونتائجه
الإثنين 1 شباط 2021 - 10:10 م 2339 0 مقالات |
علي ابراهيم
باحث في مؤسسة القدس الدولية
بدأ عام 2021 بالمزيد من المخاطر التي تترقب القدس والمسجد الأقصى، فعلاوة على ما يقوم به الاحتلال من استهدافٍ للمدينة وسكانها، بمختلف خطط التهويد الدينيّة والديموغرافيّة، شكلت الموجة الثانية من انتشار فايروس "كورونا" فرصةً جديدة للاحتلال ليمعن في استهداف القدس المحتلة، فمع إقرار الاحتلال الإغلاق الشامل بذريعة الوقاية الصحية، تتكشف المعطيات عن حجم الخسائر التي منيت فيها المدينة، من النواحي الصحية والاقتصادية والسكانية، وقبل كل ذلك محاولات الاحتلال إفراغ المسجد الأقصى المبارك من المكون البشري الإسلامي، وتصعيد محاولاته التدخل في إدارته والتحكم في شؤونه.
ومع استمرار منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأقصى في الأسابيع الماضية تحت ذرائع صحية، في مقابل السماح للمستوطنين باقتحام المسجد، بل حماية أدائهم الصلوات التلموديّة العلنية، يصعد الاحتلال استهدافه للأقصى، عبر منعه أعمال ترميم وصيانة ضرورية تنفذها لجنة الإعمار التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، وشهدت الأيام ما بين 23 و26/1/2021، منعًا متتاليًا لأعمال صيانة شملت مصلى قبة الصخرة والمصلى القبلي ومصلى باب الرحمة.
ونستعرض في هذا المقال خلفيات هذه السياسة، وماذا تريد سلطات الاحتلال من تكرار منع عمليات الترميم والإصلاح، إذ تتكرر هذه الاعتداءات بشكلٍ كبير في السنوات القليلة الماضية، وقد تحولت سياسة المنع هذه إلى تعدٍ واضح من قبل سلطات الاحتلال على صلاحية الأوقاف، صاحبة الحق في إدارة الأقصى، وتنظيم شؤونه. وما حصل في الأيام الأخيرة يُنبئ بأن الاحتلال سيقوم بالمزيد من هذه التدخلات، عبر فائض القوة التي تمتلكها أذرعه.
وفي متابعة دقيقة لما تقوم به أذرع الاحتلال الأمنية، يتم التدخل بعمارة المسجد الأقصى وصيانته عبر نهجين أساسيين هما:
النهج الأول: التدخل المباشر في أعمال الترميم، مهما كانت بسيطة وصغيرة، ويترافق هذا التدخل عادة باعتقال أحد عمال لجنة الإعمار أو المسؤولين عنها، مع عرقلة متكررة لتنفيذ هذه الأعمال.
النهج الثاني: منع إدخال المواد الضرورية لأعمال الترميم، ولا تسمح سلطات الاحتلال بإدخالها إلا بعد الحصول على إذنٍ مسبق تصدره شرطتها، ما يحوّل الأوقاف والأجهزة المتخصصة بالعمارة إلى تابعة لسلطات الاحتلال تحت الأمر الواقع، ولتكون الأخيرة الجهة التي تقرر المنع أو السماح، في مصادرة واضحة لدور الأوقاف الخاص بهذا الجانب.
وشهد العامان الأخيران عددًا من الاعتداءات والتدخلات، ففي 12/9/2019 منعت عناصر من قوات الاحتلال الخاصة عمالًا من لجنة الإعمار من إكمال عملها داخل الأقصى من جهة باب السلسلة. وكان العمال يبنون دعامات لمنع سقوط حائط مهددٍ بالانهيار عند مدخل المسجد من جهة باب السلسلة. وفي 10/12/2019 اقتحمت قوات الاحتلال مصلى قبة الصخرة وأوقفت أعمال الترميم التي تنفذها لجنة الإعمار، وكان عمال اللجنة يجرون أعمال صيانة داخل القبة.
ولا تقف تدخلات الاحتلال عند عرقلة عمال اللجنة عن القيام بمهامهم فقط، بل تستهدفهم شرطة الاحتلال بشكلٍ دائم، ففي 18/2/2020 اعتقلت قوات الاحتلال مدير لجنة الإعمار المهندس بسام الحلاق، والموظف في اللجنة كايد جابر من ساحات المسجد. وفي 8/7/2020 اعتقلت قوات الاحتلال مدير لجنة الإعمار في الأقصى المهندس بسام الحلاق من مكان عمله داخل المسجد، واقتادته إلى أحد مراكز التحقيق في البلدة القديمة للتحقيق معه.
وأشارت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إلى أن سلطات الاحتلال تمنع أعمال الترميم الضرورية في الأقصى، وذكرت في عددٍ من بياناتها المشاريع التي تعرقلها سلطات الاحتلال، من بينها ترميم فسيفساء مصلى قبة الصخرة، إضافةً إلى مشاريع الإنارة والتبليط، والفرش بالسجاد وغيرها. ومنذ إعادة فتح مصلى باب الرحمة، تعمل سلطات الاحتلال على منع أي أعمال ترميم داخله، في سياق إبقائه على حاله.
وصعد الاحتلال من تدخله في الأقصى، فلم يعد يكتفي بوقف أعمال الترميم في الأقصى، فقد أظهرت المعطيات قيامه بترميم أجزاء من المسجد الأقصى، مانعًا دائرة الأوقاف من القيام بعملها في هذه الأجزاء المستهدفة. فعلى أثر سقوط حجر من في سور الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى في شهر تموز/يوليو 2018 نتيجة أعمال الاحتلال وحفرياته، منعت سلطات الاحتلال كوادر الأوقاف من معاينة مكان الانهيار، واستمر طيلة عام 2020 وبداية عام 2021، إقصاء دائرة الأوقاف الإسلامية ومنعها من ترميم أي جزء من هذا السور، إذ تتابع "سلطة الآثار" الإسرائيلية حفرياتها في المنطقة.
وفي سياق متصل من منع الترميم الذي يتصاعد مع بدايات عام 2021، تداول نشطاء مقدسيون في 11/1/2021 صور تشققات في مصطبة "باب الرحمة" في الجهة الشرقية من الأقصى، وأوضح مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني أن التشققات موجودة منذ مدة في طريق باب الأسباط المؤدي إلى باب الرحمة، وأكد أن سلطات الاحتلال منعت لجنة الإعمار في المسجد الأقصى من إصلاح التشققات وترميمها.
وعادت مسألة التدخل في عمارة الأقصى بوضوح في 23/1/2021، ففيه منعت عناصر من الوحدات الخاصة في شرطة الاحتلال طواقم لجنة الإعمار التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية، من تنفيذ أعمال صيانة وترميم داخل المصلى المرواني. وفي 24/1/2020 منعت عناصر في شرطة الاحتلال، طواقم اللجنة، من إكمال أعمال ترميم الرخام والدعامات الداخلية في مصلى قبة الصخرة داخل الأقصى، وبحسب مدير لجنة الإعمار المهندس بسام الحلاق، دهمت قوات الاحتلال المصلى، وأوقفت العمال بشكلٍ مباشر، وهددتهم بالاعتقال والإبعاد في حال استمرارهم بالعمل.
ولم يقف المنع عند مصليات الأقصى فقط، ففي 26/1/2021 منعت شرطة الاحتلال، طواقم لجنة الإعمار من تنفيذ أعمال الصيانة في جميع أنحاء المسجد الأقصى، وبحسب معطيات مقدسية كان المنع لليوم الرابع على التوالي، وجاء المنع على خلفية محاولات طواقم اللجنة إصلاح تسرّب للمياه من سطح المصلى القبلي، وهو عطلٌ خطير خاصة في الأجواء الشتوية التي تعيشها المناطق المحتلة، وإمكانية تضرر المصلى بشكلٍ أكبر في حال استمرار التسرب، وإمكانية نزول الأمطار في نهاية شهر كانون الثاني/يناير وبداية شهر شباط/فبراير 2021.
وأشار بيانٌ صادرٌ عن مجلس الأوقاف إلى أنّ شرطة الاحتلال تعمل على إيقاف أعمال مديرية الإعمار في الأقصى ونشاطاتها كافة، وتمنع ترميم مواقع أساسية داخل المسجد تحتاج إلى ترميم فوري، وتعمل على تعطيل إدخال أبسط المواد الأساسية اللازمة للصيانة، وهذا عطل عمل مديرية مشروعات إعمار الـمسجد، التي لم تعد تستطيع ترميم أي عطل أو خلل يطال أبسط مرافق الـمسجد، إذ يتعرض موظفوها للملاحقة والتهديد بالاعتقال والإبعاد.
وتؤكد اعتداءات الاحتلال هذه إمعان أذرع الاحتلال في حرمانها المسجد الأقصى من الترميم اللازم، وضغطها على دائرة الأوقاف لأخذ موافقة مسبقة عند أي أعمال ترميم من قبل شرطة الاحتلال؛ ما يعدّ خطوة متقدمة لسحب صلاحيات الأوقاف، وتحويل هذه الصلاحيات من خلال فرض الأمر الواقع إلى الاحتلال وشرطته، إضافةً إلى اتساق هذه الحملة مع الحفريات أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، لترك أبنية المسجد آيلة للسقوط، نتيجة عدم ترميمها، وتصدع أساساتها.
ومما يؤكد أن التدخل في العمارة يأتي للضغط على الأوقاف في ملفات أخرى، المعطيات التي كشفتها مؤسسة القدس الدولية في 27/1/2020، وتُشير هذه المعلومات إلى أن "الاحتلال يناور لمقايضة إعمار الأقصى وصيانته بإغلاق مصلى باب الرحمة"، أو "استخدامه بشكلٍ لا يجعله مفتوحًا أمام المصلين"، وتصر شرطة الاحتلال على تنفيذ الأمر القضائي بإغلاق مصلى باب الرحمة كشرطٍ للسماح بأي أعمال صيانة أو ترميم في الأقصى مهما كانت صغيرة.
أخيرًا، تُشير هذه الاعتداءات المتتالية إلى المدى الذي بلغته سلطات الاحتلال في استهداف المسجد الأقصى، وإلى الجهد الذي يجب على الجهات العاملة للقدس أن تبذله، وفي مقدمتها دائرة الأوقاف الإسلامية ومن خلفها المملكة الأردنية، لأن قدرة الاحتلال على الاستفراد بالأقصى في هذه الظروف الدقيقة هي الأعلى منذ سنوات عديدة، خاصة توقيت الهجمة في ظل انتشار الوباء في المناطق المحتلة، وموجة التطبيع التي تصاعدت مع نهايات عام 2020. مع التأكيد مجددًا على قدرة الجماهير قلب المعادلة مرة أخرى، كما حدث في الهبات المقدسية السابقة، أو كما حدث في مقام النبي موسى، ما يجعل الحالة الجماهيرية، نموذجًا قابلًا للتطبيق والتكرار.