هل يكفي التغنّي بصمود المقدسيّات؟

تاريخ الإضافة الإثنين 8 آذار 2021 - 2:03 م    عدد الزيارات 2412    التعليقات 0     القسم تدوينات

        


براءة درزي

باحثة في مؤسسة القدس الدولية

ليست نساء القدس كغيرهنّ من النساء.. فالاحتلال الجاثم على صدر المدينة يرهقهنّ ويفرض عليهنّ مسؤوليات وتحدّيات أكبر ممّا تواجهه نساء العالم إذ إنّهنّ يتصدّرن خطّ المواجهة وعليهنّ مسؤولية كبيرة في الدفاع عن القدس والأقصى على الرغم من الثمن الباهظ الذي يفرضه الاحتلال عليهنّ إن في أنفسهنّ أو عائلاتهنّ ليقوّض إرادتهنّ ويمنعهنّ من مقاومته والتّصدّي لسياسته ومخطّطاته.

 

يشكّل الاحتلال، بما يعنيه من اغتصاب الأرض والحقّ، الخطر الأكبر الذي تواجهه المقدسيات، مع ما له من تداعيات عليهن وعلى عائلاتهنّ. فالمرأة المقدسية، والفلسطينية عمومًا، لا تزال تدفع ثمن السياسات الاستعمارية على أرض فلسطين التي قامت منذ بداياتها على القتل والتشريد والإرهاب والسلب والنهب، والاعتداء على حقوق أصحاب الأرض وطردهم منها لإحكام السيطرة عليها و"تطهيرها" من أهلها تمهيدًا لإقامة كيان الاحتلال الذي يستمرّ في السياسات الإجرامية ذاتها محاولًا أن يطمس التاريخ ويشوّه الجغرافيا، ويمحو الهوية وكلّ ما يدل على فلسطينية الأرض وعروبتها.

 

يعمد الاحتلال إلى جملة من السياسات التي تهدف إلى إفراغ الأرض من أهلها، وتنعكس هذه السياسات بطبيعة الحال على مكوّنات المجتمع الفلسطيني كلّه، ولا سيّما المرأة الفلسطينية والمقدسية خصوصًا، وهي في خطّ الدفاع والمواجهة الأوّل.

 

ومن هذه السياسات تحويل الاحتلال المنازل في القدس من رمز للأمان إلى معقل للخطر، فهي عرضة للاقتحام والدهم من قوات الاحتلال في أيّ وقت من ليل أو نهار، وسقوفها معرّضة للهدم إما بواسطة جرافات الاحتلال أو على يد أصحابها، وفي كل الأحوال تراقب المرأة المقدسية زوجها أو ابنها أو أد أفراد عائلتها يقتاد إلى التحقيق والاعتقال بعد عمليات الدهم، أو سقف منزلها ينهار من دون أن تمنع ذلك أو توقفه.

 

وتعيش المقدسيات قلقًا مستمرًا من فقدان الأرض والمنزل، والطرد والتشريد، وما يعنيه ذلك من تداعيات أسرية واجتماعية، والخوف من التشريد وفقدان المأوى، لمصلحة البناء والتوسع الاستيطاني والمشاريع الاستيطانية التي ينفذها الاحتلال لمصلحة المستوطنين ولتعزيز وجودهم في الشطر الشرقي من القدس المحتلّة. إضافة إلى ذلك، تتعرّض المقدسيات لإرهاب المستوطنين الذي يتمّ بحماية قوات الاحتلال ويمرّ من دون محاسبة أو عقاب بل برعاية تامة من سلطات الاحتلال، وتعاني المقدسيات عنف المستوطنين، والخوف من تعرّضهنّ أو أحد أفراد عائلاتهنّ للإصابة أو الاعتداء أو القتل على يد المستوطنين، كما في جريمة إحراق الفتى محمد أبو خضير عام 2015.

 

ولا تسلم المقدسيات من الاعتقال والأسر، والتنكيل والحرمان من أبسط الحقوق، وفي سجون الاحتلال اليوم 35 أسيرة فلسطينية من بينهنّ 11 أسيرة مقدسيّة، وتعاني 5 أسيرات مقدسيات ظروفًا صحّية صعبة بسبب الإهمال الطبي في مقدّمتهن إسراء جعابيص من القدس، وتعدّ من أصعب الحالات المرضية بين الأسيرات، وتحتاج إلى عدة عمليات جراحية وظيفية مستعجلة، وهي معتقلة منذ تشرين أول/أكتوبر 2015.

 

أما في الأقصى، فإنّ الصلاة بالنسبة إلى المقدسيات ليست بعدًا عباديًا وحسب، بل فعل صمود ومقاومة، ولا تزال المقدسيات على الرغم من الإبعاد والتنكيل والاعتداء من الاحتلال ومستوطنيه، تتصدّر معركة الدفاع عن المسجد. وقد كانت المرأة المقدسيّة حاضرة في هبة باب الأسباط، وفي هبة باب الرحمة في مقدّمة الصفوف، مثلما كانت حاضرة في هبة القدس وانتفاضة الأقصى وما سبق ذلك من هبّات وثورات وحراك مقاوم.

 

وتبقى هذه بعض سياسات الاحتلال وجرائمه بحقّ المقدسيات اللواتي لم تضعف همّتهنّ وما زلن يقبضن على جمر النضال دفاعًا عن الأرض والمقدسات رغم ما يتكبّدنه من أثمان. لكن هذا الصمود لا يكفي أن نتغنّى به ونمدحه، بل لا بدّ من دعم حقيقي للمقدسيات وصمودهنّ لا ليعشن برفاهية تحت الاحتلال، بل ليواصلن صمودهنّ حتى تحقيق التحرير واسترجاع الأرض والحقّ والمقدّسات.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



السابق

أم الفحم تشع نوراً

التالي

أم الفحم - الاسم الحركي لفلسطين

مقالات متعلّقة

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »