التطبيع العربي مع "إسرائيل": الطريق إلى تصفية القضية الفلسطينية وتشريع الاحتلال
الأربعاء 29 تشرين الثاني 2017 - 2:25 م 16931 2768 تقارير أخرى |
كان احتلال عام 1948 فاتحة عهد النّكبات الكبرى التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني تبعته نكسة عام 1967، وكلاهما أظهر عجز الموقف العربي والذهول أمام الضّربة الإسرائيلية. ولم يصحُ الموقف العربي من ضعفه في السنوات التي تلت، ولكن كان يسجّل انحدارًا عامًا بعد عام، من زيارة السادات إلى القدس عام 1977، إلى المواقف الخجولة لجامعة الدول العربية الطامحة إلى حلّ للقضية الفلسطينية يأتي من حيث لا تحتسب، ومبادرات "تغري" الاحتلال بتطبيع العلاقات معه على جثّة الأراضي المحتلة عام 1948، وإقامة علاقات كاملة معها تشمل كلّ الدول العربيّة. إلا أنّ السنوات القليلة الفائتة أظهرت موجة متصاعدة من التطبيع، والتّطبيل له، حيث تُمرّر المواقف في سياق تصريحات سياسية تظهر حرصًا على حقوق الفلسطينيين وتبطن الكثير من الانقلاب عليها لمصلحة "إسرائيل". ولا يمكن بطبيعة الحال ربط بداية التطبيع بالتّطورات التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011 في إطار ما يسمّى "الربيع العربي" والخلاف مع إيران واستبدال العداء لها بالعداء لـ "إسرائيل"، إذ إنّ مؤشّرات التطبيع العربي مع دولة الاحتلال سابقة على ذلك، ولكن يمكن القول إنّ هذه المتغيّرات والعداء لإيران ساعدا على إخراج العلاقات إلى العلن أو إجرائها من دون تحفّظ. وفي حين أنّ دولتين عربيتين، هما مصر والأردن، وقّعتا اتفاقيات سلام مع الاحتلال، إلا أنّ اللافت أنّ قيادات لدى الاحتلال الإسرائيلي بات يكثر من الكلام على علاقات متينة وقوية مع "دول سنية لا تربطنا بها معاهدات سلام"، وعن علاقات معها لم تكن أفضل في أيّ وقت من ذي قبل.
على المقلب العربي، وعلاوة على العلاقات التي تتمّ تحت مسمّى التّنسيق الأمني والتعاون الاستخباري، فإنّ الحديث صار عن سلام دافئ يخدم مصلحة "إسرائيل"، وعن عدم الحاجة إلى استمرار النّزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظلّ التوافق الدولي على حلّ الدولتين، ومحاولات لتحوير الصراع وتغطيته بعباءة التسامح والحرّية والحقوق الدينية.
هذه الاندفاعة العربيّة باتّجاه التّطبيع مع "إسرائيل" تأتي في وقت يدرك فيه المسؤولون العرب أنّه لا نيّة لدى "إسرائيل" للاستجابة للمطالب الفلسطينية، حتى بعد تقزيم الحقّ الفلسطيني والتنازل الكبير الذي لحق به على مستوى ما هو مطروح رسميًا، وإن كان يخالف تطلّعات الشعب الفلسطيني بمجمله. وهم يدركون كذلك أنّ التّطبيع سيصبّ في مصلحة "إسرائيل" حصرًا التي ستستفيد من العلاقات مع الدول العربية لتضفي الشّرعية على احتلالها وسياساتها المرافقة له، وعلى اعتداءاتها على الفلسطينيين والأرض والمقدّسات.
التطبيع العربي-الإسرائيلي وإن كان لا يزال غير رسمي وغير معلن بما يعنيه الطابع الرسمي والعلني حرفيًا، إلا أنّ تطورات اللقاءات والتصريحات والزيارات والعلاقات التجارية تؤشّر إلى اتجاهات متزايدة لإخراج هذه العلاقات إلى العلن بعد ما يمكن وصفه بالتمهيد لها عبر تدرّج يوصل في النهاية إلى مزاج شعبي عام يستسيغه ويقبله، أو في الحد الأدنى لا يعارضه بعد فرضه كأمر واقع.
تحاول هذه الورقة أن تسلّط الضوء على أبرز محطات التطبيع العربي الرسمي مع الاحتلال، والحديث الإسرائيلي المتزايد عن العلاقة مع "الدول العربية السنية"، والأضرار التي يمكن أن يلحقها التطبيع بالقضيّة الفلسطينيّة. وتركّز على التطبيع الذي أطلقته "اتفاقيتا السلام" مع الأردن ومصر ومن ثمّ أمسكت بأطرافه دول الخليج العربية بشكل متصاعد، بالإضافة إلى دول المغرب العربي ودول إسلامية وإفريقية، ولكنّ هذه الدول ستكون موضوعًا للبحث في ورقة أخرى.