التكوين السياسيّ والتاريخيّ لمدينة القدس
الثلاثاء 17 تشرين الثاني 2020 - 10:53 ص 4056 689 كتب ودراسات |
تأليف: الدكتور رياض حمودة ياسين
اعتنى به: علي إبراهيم
قسم الأبحاث والمعلومات
مؤسسة القدس الدوليّة
2020
مقدمة مؤسسة القدس الدولية
يكتنف تاريخ القدس كنوزًا عظيمة في ميادين السياسة والفكر والاجتماع والثقافة وغيرها، فالقدس مدينة ضاربة في التاريخ ومتجذرة في عمق الحضارة، ولها فوق ذلك كله من القدسية والمكانة ما لم يتضافر لغيرها من المدن في هذا العالم، وهي عوامل إضافية ترفع من أهمية دراسة محطات تاريخ المدينة، وتحفز أصحاب الهمم لتسليط المزيد من الضوء على تاريخها، ليس في سياق السرد التاريخيّ المعلوماتيّ فقط، بل في إطار تأكيد هوية المدينة، وأطوار تشكل هذه الهوية العربية والإسلامية عبر العصور المتلاحقة، وصولًا إلى عصرنا الحاضر.
هذه الدراسة التاريخيّة التي تؤكد هوية المدينة، وتكشف لنا جوانب سياسيّة أو اجتماعيّة وفكرية ليست ضربًا من الترف الفكري، أو جنوحًا نحو التطوير الأكاديميّ فحسب، بل هي حاجة ملحّة في إطار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى – بكل ما لديه من إمكانيات – إلى تزوير تاريخ المدينة، كما يعمل على تهويد واقعها وطرد سكانها، فهو صراع يحتاج إلى المتخصصين في المجالات كافة، ليقدموا للقراء رواية أصيلة لتاريخ المدينة، ليست بالضرورة هي الرواية الوحيدة، ولكنها رواية تُظهر جزءًا من هذا التاريخ الثري للقدس، وتُبرز جوانب مركزية فيه.
وميدان التاريخ واحدٌ من أبرز ميادين مواجهة الاحتلال، فإضافة إلى محاربة الرواية المشوهة المكذوبة التي يعمل المحتل على ترويجها، يكتنز تاريخ القدس تجارب بالغة الأهمية، تُسهم في فهمٍ أكبر للواقع، وتقدم لنا فرصًا للبحث عن مكامن الوحدة والعمل المشترك لمواجهة الأخطار التي تتهدد المدينة، إذ إن تجارب الفتح العمري والتحرير الصلاحيّ – على سبيل المثال- تحمل دروسًا جليلة، وعلى المهتمين والفاعلين الاطلاع على دور القدس في التلاقي الحضاري والبُعد الإنساني، فهي مجالات للّقاء والتقارب.
وفي إطار حرص مؤسسة القدس الدولية على إفراد المجال للباحثين والمتخصصين، وإعطائهم مساحةً ليستعرضوا فيها مضامين ذات صلة بقضية القدس، نقدم للقارئ العربيّ هذه الدراسة للدكتور رياض حمودة ياسين، تحت عنوان " التكوين السياسيّ والتاريخيّ لمدينة القدس"، لتكون إضافةً نوعية في المكتبة العربية عامة والفلسطينية على وجه الخصوص، خاصة أنها تقدم قراءة شاملة للتاريخ السياسي في القدس منذ فجر التاريخ حتى سنوات قليلة ماضية.
وفي إطار حرص المؤسسة على إعطاء الباحثين هامشًا في استعراض مختلف الآراء والروايات التاريخية، تأتي هذه الدراسة بناءً على رواية وجدها المؤلف أنها الأقرب إلى الصواب، ولا شك في أنّ تناول تاريخ القدس انطلاقًا من هذه العناوين سيقدم للمهتم والمتابع إحاطة شاملة بأبرز المحطات التاريخية التي مرت على المدينة، ويمكن أن يتفق باحثون آخرون أو يختلفون مع المؤلف في العديد من تفاصيل هذه الرواية، لأسباب علمية ترتبط باختلاف زوايا النظر إلى تاريخ القدس، ومناهج البحث فيه، ولكنها تلتقي معهم في ثابت عروبة هذه المدينة الضاربة في القدم. وإضافةً إلى مجال الرواية، حرصت المؤسسة على إعطاء المؤلف مساحة أخرى في مجال التوثيق ومراجع الدراسة ومنهجيتها عمومًا، وما ذلك إلا في سياق إعطاء الباحث فرصة للتعبير عن شخصيته الأكاديمية شكلًا ومضمونًا.
ومن أبرز مزايا كتاب التكوين السياسيّ والتاريخيّ لمدينة القدس، تقديمه قراءة عامة لتاريخ القدس منذ العصر الكنعاني مرورًا بالحقب الرومانية والفارسية والإسلامية، وصولًا إلى مرحلة الاحتلال البريطاني، وما قام به المستعمر من تسهيل لحركة الاستيطان الإحلالي اليهودي في المدينة، مبينًا في ذلك تفاصيل ما قامت العصابات اليهودية، ويختم الكتاب بفصلين يحيطان بموقع القدس في القانون الدولي وفي مشاريع التسوية.
وأرجو أن يكون الكتاب مدماكًا في صرح خدمة القدس ثقافيًا ومعرفيًا، وأن يسهم في جلاء بعض الإشكاليات في تاريخ المدينة، وأن يكون من الإصدارات القادرة على إحداث جزءٍ من التغيير الواعي، تغيير سينعكس على واقع القدس وموقعها في مدارك المتخصصين والعاملين، فالدور الذي لعبته القدس على مر التاريخ، يستأهل في مقابله دورًا فاعلًا في إظهار مكانتها وموقعها، وفي تفعيل العمل في سبيل إنقاذها من التزوير والاحتلال.
ياسين حمود
مدير عام مؤسسة القدس الدولية
بيروت - لبنان