تقرير حال القدس السنوي 2017
الجمعة 13 نيسان 2018 - 1:50 م 26123 1773 حال القدس السنوي |
مقدمة
مناسبتان مشؤومتان وحدثان خطيران ميّزا القدس عام 2017. أما المناسبتان فهما: الذكرى الخمسون لاحتلال كامل القدس، والذكرى المئوية لتصريح بلفور، وأما الحدثان فهما: إغلاق الاحتلال للمسجد الأقصى ومحاولة فرض واقع أمني جديد عبر تركيب بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة في تموز/يوليو، وقرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي في كانون أول/ديسمبر، وقد تلا هذيْن الحدثيْن هباتٌ شعبية وردود فعل غاضبة.
أعادتْنا المناسبتان إلى أصل الصراع في القدس، فهو صراع مع مشروع استعماري بدأ مع دول كبرى على رأسها بريطانيا التي احتلت القدس وسلمتها للعصابات الصهيونية بفعل تصريح بلفور الصادر في 2/11/1917، ومن ثَمّ استكملت العصابات الصهيونية المهمة الاستعمارية في القدس وكل فلسطين عبر مشروع إحلاليّ استيطانيّ استعماريّ عنصريّ يستهدف الأرض والإنسان والتاريخ والهوية؛ وربما يمكننا القول إنه احتلال لم يشهد التاريخ مثله.
أما الحدثان فقد اختزلا أبعاد المعركة في القدس: ففي الأول محاولة إسرائيليّة لحسم الهوية عبر فرض السيطرة على أبرز مكوناتها المتمثلة بالمسجد الأقصى المبارك، وفي الثانية حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب شرعنة جرائم الاحتلال في تهويد القدس وتغيير هويتها العربية والإسلامية، وحسم الصراع على القدس لمصلحة الاحتلال.
في عام 2017 استمرّ الاحتلال في تحقيق أرقام قياسية غير مسبوقة في تهويد القدس واستهداف المسجد الأقصى والأوقاف المسيحية في القدس، وبدا أنه مشغول في ترتيبات الصورة النهائية التي يحاول رسمها للقدس، وهي صورة تتضح معالمها كالآتي:
- قدس بأقلية فلسطينية مضطهدة، وضعيفة، ومشغولة بشؤون حياتها. وطرد سكان كفر عقب ومخيم شعفاط أولى خطوات الوصول إليها.
- قدس تضم أقليّة فلسطينية مشوهة الوعي والذاكرة والتاريخ يكون وجودها ضروريًّا لتجميل وجه الاحتلال الإجرامي وتضليل الجمهور بأنّ الاحتلال حريص على التنوّع و"قبول الآخر"، والطريق إلى ذلك يمرّ عبر أسرلة المنهاج العربيّ في مدارس القدس.
- قدس بهُوية فارغة المضمون عبر تحويل المسجد الأقصى إلى مرتع للمتطرفين اليهود، وسلب أملاك الكنائس المسيحية، وتهجير المسيحيين، وبناء المعالم ذات الطابع اليهودي.
- قدس خاضعة للسيادة الإسرائيلية الكاملة بعد ضمّ كل المستوطنات المحيطة بها إليها، وشرعنتها مع تلك التي تجثم على أراضيها.
وأبعد من الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتهويد، حضرت القدس بقوة عام 2017 على مائدة عرّابي "صفقة القرن" فعجّت وسائل الإعلام بتكهنّات حول مصير القدس المجهول بتفاصيله، المعلوم بجُملته؛ فهي صفقة تكرّس وجود الاحتلال، وتنتقص من الحقّ العربيّ والإسلامي في المدينة، وتزوّر هويتها لتجعلها يهودية، وتقوّي يد الاحتلال التي يبطش بها بين المقدسيين. وفي هذا السياق كشفت المواقف العربية والإسلامية الرسمية عن مزيدٍ من التورط في مؤامرة التنازل عن القدس وتركها وحيدة في وجه "صفقة القرن"، وربما كانت هناك مواقف أفضل من غيرها، لكنها بقيت تحت سقف العجز القائم على أركان الشجب والاستنكار والتحذير من خرق القوانين الدولية.
أمّا شعبيًّا فقد أظهرت "هبة باب الأسباط" في تموز/يوليو 2017، وهبة رفض القرار الأمريكي في كانون أول/ديسمبر 2017 أنّ قدرة الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم لا تزال تستطيع المواجهة على الرغم مما اعتراها من تآكل وتمزق وانقسام، وأنّ الرهان عليها رابح في حال وجدت من ينظّمها، ويضمن استمرارية فعلها بإبداع.
لقد دخلت القدس مرحلة هي من أخطر المراحل، وبانت بوضوح توجهات الأطراف المختلفة، وقدراتها، ومساعيها، والخاسر في هذه المعركة هو من يصرخ منكسرًا ومتنازلًا في البداية. وفي الوقت الذي يجد فيه الاحتلال نفسه ملزمًا بالاستمرار في تنفيذ مشاريعه التهويدية كسلوك يدفعه إليه التشجيع الضمنيّ جرّاء الانحياز، والصمت، والضعف الرسمي الدولي والعربي والإسلامي، فإنّ القوى والأطراف المؤمنة بحقّها الحصريّ بالقدس مطالبة بتحمّل مسؤولياتها، وتفعيل أدواتها، واستجماع قواها، وتوحيد صفوفها، وتنسيق جهودها حتى لا تندم على ضياع ما تبقّى من القدس، ولا أقلّ من صياغة استراتيجية للصمود، وإدامة الصراع، واستنزاف العدو تمهيدًا لاستراتيجية التحرير الكامل.
هذا التقرير السنوي الذي تصدره مؤسسة القدس الدولية من أهمّ الوثائق العلمية التي تعين على استخلاص الدروس من معركة القدس المستمرة، ففيه رصد لسلوك الأطراف المختلفة، وتوثيق للتطورات الميدانية، واستشراف لمآلات الأمور، وتوصيات للفاعلين والمؤثرين في مسار المعركة، وكل رقم أو معلومة فيه تحمل خلفها إشارة إلى وسائل الاحتلال في تهويد القدس وإخضاع المقدسيين، وإثارة نحو العمل من أجل إفشال الاحتلال وعرقلته، وهو مادة مرجعية لمختلف الشرائح والفئات العاملة لنصرة القدس، فلا نصرة إلا على بصيرة، ولا عمل إلا بعد علمٍ بمقتضيات الأمور، وتفاصيل الصراع.
هشام يعقوب
رئيس قسم الأبحاث والمعلومات