عين على الأقصى 2020


تاريخ الإضافة الأربعاء 9 أيلول 2020 - 8:21 م    عدد الزيارات 29552    التحميلات 643    القسم عين على الأقصى

        


أربعةُ أوبئة اجتمعتْ على المسجد الأقصى في العام المنصرِم الذي يرصدُ فيه هذا التقريرُ السنويّ الرابع عشر من سلسلة "عين على الأقصى" التطوراتِ في المسجدِ المبارك: فيروس كورونا، والاحتلالُ الإسرائيليّ، والدعمُ الأمريكيّ غيرُ المسبوقِ للاحتلال، والتطبيعُ العربيُّ مع الاحتلال.

 

آثارُ هذه الأوبئةِ لم تكنْ عرَضِيَّةً بل كانتْ مضاعفةً؛ لأنّ الاحتلالَ الإسرائيليّ لديه قدرٌ كافٍ من الخداع، والقدرة على استغلال الأحداثِ وتوظيفها لمصلحتِه. فيروس كورونا الذي أخضعَ العالمَ بأسرِه، كان كفيلًا بتوفير غطاءٍ مناسب للاحتلال الإسرائيليّ ليفرضَ إجراءاتٍ جديدةً تصبُّ في خانةِ مساعيه إلى ضرب "الوضع القائم" في الأقصى، وإعادةِ تعريفِه وَفق رؤيتِه نظريًّا وتطبيقيًّا، وكانَ إغلاقُ المسجدِ خوفًا من تفشّي كورونا ذريعةً اقتنصها الاحتلالُ ليقولَ عمليًّا: إنّ إغلاق الأقصى بسبب كورونا محطةٌ لمرحلةٍ جديدةٍ عنوانُها "فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى". والحقيقةُ أنّ المسجد الأقصى خسر الكثيرَ بعد سلسلة الإجراءات الجائرة التي اتخذتها سلطاتُ الاحتلال ضدّ المسجد، وكان من أبرز أوجهِ الخسارة انحدارُ الموقفِ الأردنيّ الرسميّ إلى حدّ قبول التفاوض والاتفاق مع الاحتلال بشأن إغلاق المسجد أو فتحه ضمن إجراءات مواجهة كورونا؛ وقد كشف هذا الأمرُ الخطير أنّ الجسمَ المسؤول عن إدارة الأقصى رسميًّا ضعيفٌ إلى درجة قابليّة التشارك مع الاحتلال/الوباء في شؤون المسجد.

 

وفي الحديث عن الاحتلال؛ فإنّ فيروس التهويد واصل تفشّيه في جسد القدس عمومًا، مستهدفًا قلبها خصوصًا، أي المسجد الأقصى. وكان لافتًا تركيز الاحتلال على مشاريع تهدف إلى ربط منطقة الأقصى بشبكة نقل عبر القطار الخفيف، والقطار السريع، والقطار الهوائيّ (التلفريك)؛ بهدف إغراق منطقة الأقصى بالمستوطنين الذين يصعب على الاحتلال من دونهم تحصيلُ مكاسب في معركة الأقصى؛ فهم وقودُها الذين يضغطون على كلّ مؤسسات الاحتلال ومراكز القوة والقرار فيه؛ لتنفيذ مشاريع تهويدية تحسم هوية القدس لتكون يهودية، وتكرّس الأقصى مرتعًا لاقتحاماتهم، وشعائرهم فيه، وقد تقدّموا في ذلك خطوات حثيثة، وأصبحت إقامةُ الصلواتِ التلمودية علنيةً في المسجدِ بحماية شرطة الاحتلال، وأصبح "حقُّهم" في اقتحامِه والصلاةِ فيه مساويًا لحقِّ المسلمين بذلك، وفق سلوكهم وتصريحاتهم وقرارات محاكمهم، وتصرُّفِ شرطتهم.

 

أمّا الدعمُ الأمريكيّ المفتوح فقد تجلّى بأخطر صورِه مع إعلان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب تفاصيلَ ما اصُطلِح عليه "صفقة القرن" التي شرّعتِ التعريفَ الإسرائيليّ المحرَّف لمفهوم "الوضع القائم" في الأقصى، وأعطت للاحتلال "حقّ" تطبيق السيادة الكاملة عليه، بوصفه كان "حارسًا أمينًا على المقدسات في القدس" طَوال احتلالها، ثمّ محاولةِ توفير الغطاء اللازم لسلبِ أراضٍ من الضفة الغربية، وتشريعِ ضمّها لسيادة الاحتلال، وهو مشروع يقعُ في صميمه حسمُ مصير الأقصى ليكون في عُهدة الاحتلال.

 

وبالتوازي مع الدعم الأمريكيّ أو تبعًا له، واصلت بعض الحكومات العربيّة هرولتها للتطبيع مع الاحتلال، وكانت شاهدة زور على إعلان "صفقة ترامب – نتنياهو"، وقفزت بقوة إلى ميدان الشعوب لتغسل أدمغتها، وتبدّل قناعاتها عبر إنتاجات إعلامية ودرامية تدعو صراحة إلى التطبيع، وإسقاط مقولة "مركزية القضية الفلسطينية"، ثم إطلاق العِنان لحملات إعلامية منظّمة تروّج لسمومٍ تفتكُ بأفكارِ الشعوب، وتحاول تكريس انقلابٍ على قِيم النخوة والأخوّة ومواجهة الظلم في الأمة، لتقنع الناس بتبنّي شعار "فلسطين ليست قضيّتي".

 

لم تكن مناعةُ الفلسطينيّين صفرًا في مواجهة هذه الأوبئة، بل حاولوا استجماع قواهم للتصدي لها، وأطلقوا مبادرات مميزة كمبادرة "الفجر العظيم"، ونظّموا العشرات من مسيرات العودة، وشاركوا في حملات واعتصامات وملتقيات عديدة داخل فلسطين وخارجها، ونفّذوا عمليات بطولية ضدّ جنود الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية والقدس، وكسروا قرارات الاحتلال في غير مرّة، ومنها إدخال أمين المنبر الشيخ عكرمة صبري إلى المسجد الأقصى محمولًا على الأكتاف، رغم أنف الاحتلال الذي كان أصدر قرارًا جائرًا بإبعاده ومنعه من دخول المسجد. ولكنّ الملاحَظَ بواقعيّة أنّها مناعةُ المنهكِ الذي يحتاج إلى مضادات حيوية خارجيّة، تقيل ضعفَها جرّاء الضربات الإسرائيلية المتتالية لها على مدى سِنيِّ الاحتلال. وإلى جانب مناعة الفلسطينيين، كانت مناعة الشرفاء من شعوب الأمة تغالبُ هذه الأوبئة، وتحاول الصمود في وجه وباء التطبيع الذي حُقِن جسدُ الأمة بكميّات غير مسبوقة منه؛ ولكنّ ما قيل عن مناعة الفلسطينيين لجهة ضعفها، يمكن أن يقال عن مناعة شعوب الأمة المنهكة بأوبئة كثيرة تبدأ من الفساد والفقر والاحتراب الداخليّ، ولا تنتهي عند التعذيب والظلم من أنظمة تخشى شعوبها، وتستقوي عليها بعدوّها الإسرائيليّ ومستعمِرِها الأجنبيّ.

 

وبما أنّ الطاغي على الاهتمام والأحاديث في كلّ العالم هو الهاجس الصحيّ بسبب تفشّى وباء كورونا؛ فإنه ومن باب المحاكاة، واستلهام المصطلحات الصحّية نقول: إنّ هذا التقرير هو أشبه بتشخيصٍ دقيق للحالة المَرَضيّة المزمنة التي يعانيها الأقصى منذ احتلالِه، بعدما أخضعنا الأوبئةَ المذكورةَ أعلاه لجهدٍ مخبريٍّ بحثيٍّ بيّنَ طبيعَتَها، ومخاطرَها التي لا تنحصر بالمسجد الأقصى والقدس، بل هي قابلةٌ للانتقال بالعدوى إلى كلِّ جسدِ الأمةِ العربيّة والإسلاميّة. ومن البَدَهيِّ أنْ تكون ثمّة وصفةٌ للعلاجِ، وهي تلك التوصيات التي تتضمن الوقاية، والمضادات، وتقوية أجهزة المناعة لدى الشعب الفلسطينيّ والأمة، وصولًا إلى استئصال خلايا الاحتلال والتطبيع والتفريط السرطانية، وهي مرحلة تتطلّبُ مراعاة قدرة المريض على الاحتمال، وتهيئة الظروف المناسبة بحيث لا يُقتَل المريض بل المرض.

 

هشام يعقوب

رئيس قسم الأبحاث والمعلومات

في مؤسسة القدس الدوليّة

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »