ورقة علمية l أسرلة المناهج في القدس "تحدٍ وجوديّ"
الثلاثاء 20 شباط 2024 - 2:30 م 2265 66 مختارات |
مقدمة:
تتدحرج عجلة الأسرلة في مدينة القدس على نحو متسارع وغير مسبوق، مستغلين في ذلك حالة الإرهاب والتنكيل التي تمارسها السلطات الإسرائيلية بعد أحداث 7/10/2023 ضدّ كلّ ما لا يتوافق والرؤية الإسرائيلية، وقد نال قطاع التعليم في شرقي القدس نصيبه من ذلك، لا سيّما مع انتهاء خطة التطوير الخمسية لشرقي القدس (2018-2023)، والشروع في تنفيذ الخطة الخمسية اللاحقة (2023-2028). وكان من أبرز أهداف الخطة الأولى أسرلة التعليم بنسبة 90%؛ في حين فشلت خططها المتتالية في تحويل الطلبة المقدسيين نحو نظام التعليم الإسرائيلي “البجروت Bagrut”، وبقيت أفضل نسبة وصلت لها هي 21% في العام 2019/2020، فكان الوصول لهدفها عبر ذاك الطريق مستحيلاً؛ لذا قررت تغيير استراتيجياتها بجعل المنهاج الفلسطيني المحرّف لا يقل خطورة عن المنهاج الإسرائيلي نفسه، وفرضته على مدارس البلدية والخاصة على حدّ سواء، كما أبدت في السنتين الأخيرتين تشديداً غير مسبوق في تتبع المناهج المعتمدة في مدارس شرقي القدس.
تكمن أهمية دراسة موضوع تحريف المناهج في القدس من حيث تسارع عملية التحريف وتجددها كماً ونوعاً، وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من أولياء الأمور والمعلمين والمؤسسات الحقوقية ما زالوا غير مدركين لحجم التوغل والخطر الذي باتت عليه المناهج المحرفّة هذا العام 2023/2024.
>> ورقة علمية: أسرلة المناهج في القدس ”تحدٍ وجوديّ“ … أ. أنوار حمدالله قدح
وفي الوقت الذي نجد فيه الكثيرين يعارضون المنهاج الإسرائيلي ويحاربونه لا نجدهم يتعاملون بذات الحزم مع المنهاج المحرّف، على الرغم من أننا وإن كنا نتحدث قبل 2018 عن أن تحريف المناهج كان يأتي عادةً على شكل طمس بعض النصوص أو استبدالها بأخرى لا علاقة لها بالوطن أو الإنتماء وفرضها على مدارس البلدية، غير أن التحريف بعدها بات أكثر احترافية ومجاهراً برسالة الأسرلة، كأن تتحدث النصوص عن “”إسرائيل وطني الكبير”، حيث العرب واليهود جيران يساعد كل منهم الآخر”، واستخدام المصطلحات اليهودية للأماكن بجانب العربية تمهيداً لاستبدالها بالكامل مثل فلسطين و”إسرائيل”، والقدس وأورشليم، مما يوجِد إرباكاً في هوية الطالب، ويشوّه انتماءه وذاكرته الجمعية حول وطنه. كما أن خطورة المنهاج المحرّف تكمن أيضاً في سعة انتشاره، إذ يُفرَض هذا المنهاج في كل مدارس البلدية ما عدا تلك التي تُدرّس المنهاج الإسرائيلي، كما أن الاستطلاعات الأولية تُظهر نجاح الأمر ذاته مع جُلّ المدارس الخاصة في العام الدراسي 2023/2024، وهذا يعني أن ما يقارب 90% من الطلبة المقدسيين هم عرضة لخطر استهداف هويتهم الوطنية، وتمرير خطط الأسرلة عبرهم.
تطرح الدراسة مجموعة من التساؤلات التي تُشكِّل في مجملها إشكالات الدراسة؛ ما هي غاية المؤسسة الإسرائيلية من فرض مناهجها أو تحريف المناهج الفلسطينية في القدس؟ وما هي الخطط والاستراتيجيات التي تتّبعها المؤسسة الإسرائيلية لإجبار المدارس في القدس على الرضوخ لسياستها؟ ما هو تأثير صعود اليمين الإسرائيلي في تسارع عملية الأسرلة؟ ثم كيف تعاملت المدارس العربية في القدس ومن ورائها اتحاد أولياء أمور شرقي القدس ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية مع الممارسات الإسرائيلية المستمرة لأسرلة المناهج الفلسطينية وتفريغها من مضمونها الوطني؟ وكيف أثَّر الإرهاب الإسرائيلي الذي رافق حرب طوفان الأقصى على وتيرة النشاط المقدسي ضدّ المنهاج المحرّف؟
سيتم تفسير ما تتوصل إليه الدراسة ضمن الإطار النظري لنظرية الذاكرة الجمعيّة التي يفسر فيها موريس هالبواكس Maurice Halbwachs، فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي معروف بتطوير مفهوم الذاكرة الجمعية، الذاكرة بأنها ظاهرة مجتمعية وثقافية، بالتالي تأتي الهوية والثقافة كنتيجة لفهم الذات وامتلاك جمعيّ للماضي وليس كنتاج للوراثة البيولوجية. وكذلك الإطار النظري لبولو فريري Paulo Freire في تعليم المقهورين، والذي يرى أن التعليم يستخدم من قِبل الأنظمة المتسلطة لصهر الأجيال الجديدة في بوتقة النظام السياسي والنسق الاجتماعي، ويقول “لا يوجد شيء اسمه عملية تعليم محايدة، فالتعليم إما أن يتحول إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في النظام الحالي وتؤدي إلى الانصياع له، أو يصبح أداة لـ”ممارسة الحرية”، إنها الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلّاق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم”.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2024/2/19