حال القدس السنوي 2023
الثلاثاء 30 تموز 2024 - 5:14 م 1368 83 حال القدس السنوي |
مقدمة
لا يشبه عام 2023 غيره من الأعوام التي سبقته، فقد جعل منه "طوفان الأقصى" عامًا مفصليًّا سيبقى محفورًا في ذاكرة الفلسطينيين الذين أبدعوه، والصهاينة الذين تجرَّعوا آلامه، وشعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم الذين رأوا فيه نموذجًا للخلاص من توحُّش الاحتلال والاستعمار والاستبداد، وأمريكا والغرب وأنظمة التطبيع ممن والى الصهاينة؛ لأنَّ "طوفان الأقصى" وضعهم أمام الحقيقة التي يهربون من مواجهتها وهي أنَّ الحقَّ الفلسطيني لن يموت، وأنَّ الباطل الصهيوني والاستعماري والاستبدادي لن يدوم، وأنَّ قدرة الاحتلال الباطشة على تحقيق مكاسب في مسار التهويد والتهجير والتقتيل والتنكيل والتعذيب والتطبيع، لن تفلح في وأد قدرة الشعب الفلسطيني على النهوض باستمرار، واستجماع القوة، وتجديد المقاومة، وضرب الاحتلال في عمقه حيث الألم مضاعف والخسائر فادحة في الأمن، والاقتصاد، والجنود، والمستوطنين، وجوهر المشروع الصهيوني برمَّته.
كلُّ ما سبق "طوفانَ الأقصى" من سيل الاعتداءات على المسجد الأقصى، والوجود المسيحيّ، والمقدسيين قتلًا، واعتقالًا، وإبعادًا، وتنكيلًا، وتطهيرًا، كان ينبئُ بأنَّ بركان الغضب الفلسطيني أوشك على الانفجار، وليس هذا الانفجار الطوفاني بدعًا من التاريخ، بل هو سنَّة تاريخية درج عليها الشعب الفلسطيني الذي عاني مرارات العصابات الصهيونية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين إلى اليوم، وليس هناك من أدلة تصدِّق هذه السنَّة مثل الثورات التي أشعلها الفلسطينيون منذ ما قبل ثورة البراق عام 1929 إلى طوفان الأقصى عام 2023.
تقرير حال القدس لعام 2023 مكتظ بأصناف التهويد والاستيطان والحصار والدمار والقتل، وقد بلغ في بعضها الاحتلال الصهيوني مستويات عالية جدًّا أو قياسية، مدفوعًا بوقود الصهيونية الدينية التي تمترست في الحكومة والكنيست ومواقع القرار والحكم والإدارة بصورة غير مسبوقة في تاريخ كيان الاحتلال. والتقرير مكتظ كذلك بالمواجهات، والتصدي، والصمود، وعمليات المقاومة التي بلغت ذروتها في "طوفان الأقصى"، وهذا التصاعد المستمر في الصراع بين المشروع الصهيوني ومقاومة الشعب الفلسطيني يشير إلى أننا أمام سنوات فاصلة، وأنَّ ساعة الحسم باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى. وزيادة على قراءة التطورات والأحداث التي صنعها فريقا المواجهة، قرأ التقرير حركة التفاعل الفلسطينية، والعربية، والإسلامية، والدولية، والإسرائيلية، وانتهى إلى توثيق انفضاض دولي غير مسبوق عن كيان الاحتلال، ولكنَّ هذا لم يكن كافيًا لردعه، ووقف عدوانه على قطاع غزة والقدس وكل فلسطين وأهلها؛ لأنَّ ظهر الشعب الفلسطيني كان مكشوفًا إلى درجة تقارب العراء، جرَّاء عجز ذوي القربى اللَّصيقين به، أو تقاعسهم، أو تآمرهم. وقد سجَّل التقرير توصيات لاستدراك الخلل، ومعالجته، وشحذ الهمم، واغتنام مكتسبات "طوفان الأقصى"، وتحمُّل المسؤولية، وبذل أقصى الجهود في كلِّ مسارات العمل وصولًا إلى فرض التراجعات على الاحتلال ثم هزيمته وتفكيكه.