حال القدس (4) 2015


تاريخ الإضافة الجمعة 15 كانون الثاني 2016 - 9:41 ص    عدد الزيارات 34947    التحميلات 4429    القسم حال القدس الفصلي

        


 الملخّص التنفيذي

 

انتهى عام 2015 مع استمرار "انتفاضة القدس" ومحاولة الاحتلال إدارة الأزمة في ظل عجزه عن حلّها أو معالجتها، ولعل ذلك ليس خيارًا بقدر ما هو واقع فرضته حالة العجز التي يواجهها الاحتلال في قمع الهبّة الشعبية. وإذ يراهن الاحتلال على أنّ الهبة الحالية ستأكل نفسها وتتلاشى فهو يظهر حرصه على عدم تقديم أي تنازل قد يفهمه الفلسطينيون على أنه انتصار انتزعوه نتيجة الحراك مما يعطي الهبّة دافعًا للاستمرار. وعلى المستوى الرسمي الفلسطيني لا تبدو السلطة قادرة على البناء على هذه الهبّة أو الاستفادة من حالة القلق وفقدان الأمن التي يعيشها الاحتلال بل إنها تستمر في إرسال رسائل إيجابية تجاهه وطمأنته عبر استمرار التنسيق الأمني والوقوف معه في خندق واحد ضد الشعب الفلسطيني ومصلحته. الفصال والقوى الفلسطينية في أغلبها أعلنت تأييدها للانتفاضة، ورأت فيها فرصة لاستعادة زمام المقاومة في الضفة الغربية، لكنها مع ذلك لم تفلح إلى الآن في صياغة رؤية سياسية وأهداف واضحة تسعى لتحقيقها من خلال الانتفاضة كما أنّ الوحدة الميدانية لم تتحقق بعد، وهي عامل حاسم ومهم في سبيل تحقيق أيّ هدف فلسطيني.

 

إذًا، شهد الربع الأخير من عام 2015 عودة الحراك الشعبي كعود على بدء هبة الشهيد محمد أبو خضير التي اندلعت في تموز/يوليو 2014. فقد شهد شهر تشرين أول/أكتوبر تفجّر "انتفاضة القدس" مع عملية الشهيد مهند الحلبي في البلدة القديمة في القدس بعد سلسلة من التطورات شهدتها الأشهر السابقة، لا سيّما عملية "بيت فوريك" وإحراق مستوطنين عائلةَ الدوابشة في نابلس واستشهاد ضياء التلاحمة برصاص قوات الاحتلال في 22/9/2015. عملية "بيت فوريك" والحلبي لم تلبث أن تبعتها عمليات فردية لم تنتهِ مع انتهاء عام 2015 وقد تركت هذه العمليّات الاحتلال مربكًا يحاول من خلال سلسلة من القرارات أن يغطي على عجزه عن إحباط العمليّات الفرديّة. وكان من أبرز قراراته هدم منازل الشهداء لتشريد عائلاتهم، ومنع تسليم جثامينهم، وزرع المزيد من الحواجز ونقاط التفتيش، وتنفيذ المزيد من الاعتقالات والمداهمات.

 

وفي موازاة ذلك، استمرت عمليات التهويد الديني والديموغرافي التي تطال القدس والأقصى والمقدسيين بما هي مشروع قائم بذاته، وبما هي رسالة إلى الفلسطينيين، الذين يفتقدون إلى قيادة سياسية تعبّر عنهم، بأنّ الاحتلال يتحمل بعض الخسائر الاقتصادية والبشرية نتيجة الانتفاضة لكنه لا يضحّي بأركان مشروعه التهويدي في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة كافّة.

 

فعلى مستوى التّهويد الدّيني، ظلّ الأقصى في مهداف الاحتلال فلم تتوقّف اقتحامات المستوطنين حيث سجّل الاحتفال بما يسمى عيد الأنوار أعلى نسبة اقتحامات خلال مدة الرصد. وفي وقت سمحت محكمة الاحتلال بعودة مهندس تفجير قبة الصخرة يهودا عتصيون إلى اقتحام الأقصى لا تزال نساء "القائمة الذهبية" ممنوعات من الدخول إلى المسجد وتنازعهّن الشرطة حتى على الوقوف والرّباط عند أبوابه. وبموازاة ذلك، يستمر الاحتلال في منع أعمال الترميم والصيانة في المسجد حيث أعلن مسؤول في دائرة الأوقاف بالقدس أن الاحتلال يعرقل تنفيذ 21 مشروعًا لإعمار الأقصى عبر منع إدخال مواد البناء ومنع المتعهدين من دخول المسجد. وبغضّ النّظر عن صوابيّة مضامين الاتفاق الأردني الإسرائيلي الذي وُقِّع في 24/10/2015 برعاية أميركية، فإنّ سلطات الاحتلال أزالت كاميرات ركّبتها دائرة الأوقاف عملاً بالاتفاق حيث قال مكتب نتنياهو إنه "سيتمّ تركيب الكاميرات وفقًا لنتيجة التدابير التي سيتم وضعها بين الطرفين" مع ما يعني ذلك من تثبيت الاحتلال نفسه كطرف أساسي في إدارة شؤون المسجد.

 

وعلى مستوى التهويد الديموغرافي، فإنّ "إسرائيل" التي لا تترك مناسبة من دون أن تؤكد فيها أن الاستيطان مستمر وأنّ البناء الاستيطاني هو "حق" للإسرائيليين وجدت هذه المرة سببًا إضافيًا لعدم التخلي عن هذه السياسة. فضرورات الظهور بمظهر المتمسك بالثوابت في مواجهة الحراك الشعبي تلزم الاحتلال بعدم التخلي عن هذه السياسة في هذه المرحلة الدقيقة لأن ما تتركه تحت ضغط الانتفاضة سيكون من السّهل أن تتركه في حال العودة إلى المفاوضات. وفي هذا الإطار كانت مصادقة اللجنة اللوائية للبناء والتخطيط التابعة لبلدية الاحتلال في القدس على بناء 891 وحدة استيطانية على المنحدرات الجنوبية لمستوطنة جيلو" جنوب غرب القدس المحتلة، كما صادق نتنياهو على تسويق أراضٍ لبناء 454 وحدة استيطانية في شرق القدس حيث سيتمّ بناء 436 وحدة في مستوطنة "رامات شلومو" شمال القدس و18 وحدة في "راموت" شمال غرب القدس.

 

وفي سياق الاستيطان، كشف تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" عن تمويل أميركي-"خيري" للمشاريع الاستيطانية في مستوطنات الضفة بما فيها القدس المحتلة. ووفق التقرير، فإن حجم التمويل تجاوز 220 مليون دولار ما بين عامي 2009 و2013 وقد جرى تحويله من 50 جمعية ومنظمة "خيرية" وهي تبرعات معفاة من الضرائب وفق القوانين الأميركية. ويشمل التّمويل دعم البناء الاستيطاني أو التعليم والمدارس الدينية، وكذلك شراء المنازل الفلسطينية في القدس والضفة، والدعم المالي لعائلات الإسرائيليين الذين أدينوا بارتكاب أعمال إرهابية بحق الفلسطينيين. وهكذا، فإن الولايات المتحدة التي تعلن جهارًا أنها ترفض الاستيطان والبناء في المستوطنات تساهم في دعمه من تحت الطاولة. وحتى لو كانت التبرعات الأميركية في بعض الأحيان تخدم أهدافًا لا تتبناها الإدارة الأميركية إلا أن موضوع الاستيطان، بما يشكله من انتهاك للقانون الدولي واعتداء على حق الشعب الفلسطيني، ليس بالموضوع العادي الذي يمكن تمريره تحت شعار حرية التبرع، الأمر الذي يجعل الإدارة شريكة في دعم الاستيطان وإن كانت تصريحاتها السياسية تحاول أن تقول غير ذلك.



وبينما تستمرّ دولة الاحتلال في ممارساتها "الطبيعية" من بناء في المستوطنات واعتداء على المسجد الأقصى فهي لم تتوقف عن سياساتها بحق المقدسيين من تضييق وحواجز وغيرها من الممارسات التي تتفرّع عن الاحتلال وتصبّ في خانة تثبيته وتحقيق أهدافه. وكان للعيسوية خلال مدة الرصد نصيب وافر من ممارسات الاحتلال التي تهدف إلى قمع أهل البلدة المشاركين في الهبة على نطاق واسع. والعيسوية، المنتفضة عند هدوء سائر الأحياء المقدسية، هي من أكثر النقاط سخونة في أوان الانتفاضة. ولذلك فإنّ الاحتلال صعّد من استهدافها والتضييق على أهلها لقمع حراكهم ابتداءً بالملاحقة والأسر وليس انتهاءً بالحواجز والقتل والإعدامات الميدانية. وإذا كان الاحتلال يحرص على معاقبة العيسوية ذاتها فهو أيضًا يحرص على تقديم "القرية النموذج" التي ستطبق السياسات المتبعة فيها على غيرها من البلدات التي تحاول الانتفاض على واقع الاحتلال.

 

أما في البلدة القديمة بالقدس فتخوض عائلة صب لبن معركة للبقاء في منزلها الذي تسكنه منذ عام 1953 في عقبة الخالدية حيث تسعى جمعية "عطيرت كوهنيم" إلى إخلاء المنزل بذريعة أن العائلة فقدت مكانة المستأجر المحمي. والجمعية التي تدعمها حكومة الاحتلال كجهة غير رسمية مشاركة في تهويد القدس، تسعى إلى تعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس كما تعرف نفسها على موقعها على شبكة الإنترنت، وقد استطاعت الجمعية السيطرة على عدد من بيوت المقدسيين في البلدة القديمة وفي سلوان جنوب المسجد الأقصى وهي ماضية في مخطّط ابتلاع المزيد من العقارات وخلق المزيد من البؤر الاستيطانية التي ترفد مشروع الاحتلال لتهويد القدس.

 

على مستوى التعاطي مع "انتفاضة القدس" فإن الواضح أن الاحتلال يحاول تقزيم الحراك الشعبي واختزاله ضمن مسمى "موجة من العنف" لن تلبث طويلاً قبل أن تتلاشى كما أنه يرد أسبابه إلى "حالة من اليأس والإحباط يعيشها الشباب الفلسطيني"، الأمر الذي يعني أنّ عملياتهم انتحار محض وهروب من الواقع الذي يعيشونه. وإذ لا تعترف السلطات الإسرائيلية بأن الاحتلال ذاته هو سبب تحرّك الفلسطينيين فإنها تحاول الالتفاف على عجزها عن منع العمليات الفرديّة عبر قرارات تحاول من خلالها القضاء على أي بيئة حاضنة للمقاومة، ومن تلك القرارات هدم منازل الشهداء وتشريد عائلاتهم، ومنع تسليم جثامينهم، وزيادة الأعباء والضّغوط والقيود على المقدسيين بشكل عام. أما في مناطق الضفة الغربية فتتولى السلطة الفلسطينية مهمّة التنسيق الأمني مع الاحتلال وتفريق التظاهرات واعتقال المتظاهرين أو المشاركين في فعاليات داعمة للحراك. كما تعتمد السلطة خطابًا مضطربًا فتارة تؤكد أنها لن تسمح باندلاع انتفاضة وطورًا تقول بأنّه لا يمكن منع الشباب من الحراك حيث يشكل تحركهم نتيجة طبيعية لحالة "الإحباط" التي يعيشونها.

 

لا شكّ في أن "انتفاضة القدس" التي لم تنتهِ بانتهاء المدّة التي يرصدها التّقرير أكّدت مركزيّة الأقصى في الصّراع مع الاحتلال وتمسّك الشعب الفلسطيني بمقدّساته، وبحدود فلسطين التّاريخية، وبرفض الاحتلال، لكن هذا النضال الشعبي لا يزال يفتقد إلى مظلة سياسية تبني على الحراك بما هو خطوة على طريق التّحرير.

رابط النشر

إمسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) باستخدام أي تطبيق لفتح هذه الصفحة على هاتفك الذكي.



منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »