حكاية انتفاضة .. كانت وما زالت
الأحد 4 كانون الثاني 2015 - 1:36 م 4024 0 التفاعل مع القدس |
(سلسلة: الفاتحون الجدد _2_)
بسم الله الرحمن الرحيم
(حكاية انتفاضة .. كانت وما زالت)
بقلم / أ. طارق محمد الشايع
المنسق العام لرابطة شباب لأجل القدس العالمية
اندلعت "انتفاضة الأقصى" والتي عرفت إعلاميا باسم "الانتفاضة الفلسطينية الثانية" للدلالة الواضحة على ما آلت إليه أمور التسوية في مجال الصراع مع الغاصب المحتل. ففي 28 سبتمبر من عام 2000م انطلقت الانتفاضة بعد اقتحام المجرم ارييل شارون رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل بحماية أكثر من ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك وتدنيسه مما أثار مشاعر الفلسطينيين من أهل القدس وغيرها فهبو لنجدته وحمايته؛ فكان التجمهر داخل المسجد الأقصى ومحاولة التصدي لهذا الاقتحام. وهبة الأمة بأجمعها لنصرة أولى القبلتين ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم دفاعا ودعما وتأييدا لهذه الانتفاضة المباركة .
إن مما ميز هذه "انتفاضة الأقصى" عن سابقتها هو كثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة التحركات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية الباسلة بكل مكوناتها وجيش الكيان الإسرائيلي الغاصب. فكان حصاد هذه الانتفاضة 4412 شهيدا فلسطينيا و 48322 جريح وتضررت مئات من المنشآت الحكومية وآلاف من البيوت بشكل كلي أو جزئي وغيرها من الأضرار التي أحدثها الكيان الغاصب بحق البشر والأرض والحجر, بينما كانت خسائر الكيان الإسرائيلي 1069 تراوحت بين قتلى وجرحى, وتم عطب عدد 50 دبابة "نوع ميركافا" ودمر عدد من الجيبات والمدرعات العسكرية الإسرائيلية.
وقد خاضت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية خلال "انتفاضة الأقصى" عدة اجتياحات إسرائيلية أبرزها كان الدرع الواقي, وأمطار الصيف, والرصاص المصبوب .
"انتفاضة الأقصى" لم تكن وليدة لحظة مفاجأة فلقد سبقتها أسباب هيئت لها لتكون بحجم تلك الشرارة التي أشعلتها وفجرتها وأهمها كان في نهاية عام 1999 حيث ساد شعور عام بالإحباط لدى الفلسطينيين لانتهاء الفترة المقررة لتطبيق الحل النهائي بحسب اتفاقيات اوسلو, والمماطلة وجمود المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني بعد قمة كامب ديفيد, حيث كان واضحا للعيان محاولة الاسرائيلين بدعم من الولايات المتحدة الاميركية فرض حل على الفلسطينيين بعيدا عن قرارات الشرعية الدولية (242, 338, 194), ذلك بالإضافة إلى عدم تطبيق الكيان الاسرائيلي للعديد من الأمور التي تم الاتفاق عليها في اوسلو والاتفاقيات والمفاوضات اللاحقة. ومن الأسباب كذلك استمرار الاسرائيلين في سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية ورفض الكيان القيام بالإفراج عن الأسرى المعتقلين في سجون الكيان الإسرائيلي. واستمرار بناء المستوطنات واستبعاد عودة اللاجئين وعدم الانسحاب إلى حدود 1967م, فكان أن تيقن الفلسطينيون أن القمم والمفاوضات والمعاهدات وغيرها عديمة الجدوى وبلا نتيجة للوصول إلى تحقيق الاستقلال الوطني.
كل تلك الأسباب كانت الوقود الأساسي لإشعال فتيل "انتفاضة الأقصى" وإعطاءها القوة لتستمر وتحقق ما حققته من مكاسب كبرى للطرف الفلسطيني. فكانت تلك الانتفاضة أول غرس لصنع الصواريخ محلية الصنع بجميع أشكالها؛ وهذه الصواريخ هي ما يتم استخدامه حاليا من "غزة" الأمر الذي شل الكيان الغاصب وزرع في قلبه الخوف مما جعل هذا الكيان المسخ أن يشن حربا على "غزة" لإيقاف هذه الصواريخ ولم يتمكن من ذلك وفشل فشلا ذريعا. وأدى ذلك إلى انعدام الأمن والأمان في المناطق التي يحتلها الكيان, وشلت حركة السياحة بسبب العمليات الباسلة النوعية الاستشهادية, وتم اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي زئيفي ومقتل قائد وحدة الهبوط المظلي الإسرائيلي الكوماندوز في معركة مخيم جنين. وأهم نتائج الانتفاضة تحطيم مقولة "الجيش الذي لا يقهر" في معركة مخيم جنين الذي قتل فيها ما يقارب 58 جنديا إسرائيليا وجرح عدد 142.
عربيا وإسلاميا : فقد تفاعل الشارع العربي والإسلامي مع الانتفاضة حيث عمت التظاهرات الضخمة في عدد من البلدان مما أحرج الأنظمة العربية الحاكمة للخروج عن صمتها ودفع الدول الإسلامية لعقد "مؤتمر الدوحة الإسلامي" وتمت تسميته بـ "قمة الأقصى" وانبثق عنه بيانا ناقما لأول مرة على الولايات المتحدة الاميركية التي أعطت الضوء الأخضر للكيان الغاصب بفعل ما يحلو له وتدعمه في احتلاله. تلك الانتفاضة المباركة أحيت جوانب كانت قد أضحت في طي النسيان فعادت من جديد الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية كوسيلة ضغط ونشطت تلك الوسيلة بشكل كبير.
دوليا : خرج المجتمع عن صمته وقام بإدانة الاعتداءات الصهيونية واستخدامهم الغير متوازن للقوة العسكرية حيث صدرت العديد من القرارات والمقترحات الدولية التي تعتبر وثائق إدانة للكيان المحتل الاسرائيلي.
من المفارقات أن الانتفاضة الأولى التي انطلقت في 9 ديسمبر من عام 1987م في "غزة" أدت إلى سلسلة اتفاقات بما يسمى بـ"اتفاقات السلام" التي بدأت في اوسلو وانتهت عام 1993م بتوقيع اتفاق المبادئ, فجاءت "انتفاضة الأقصى"ربانية مباركة من أجل الذود عن كرامة المسجد الأقصى والدفاع عن الحق في الأرض والعرض, فقامت الانتفاضة لأجل دفن عملية السلام وإظهار الرفض الفلسطيني الشعبي لها. وهنا تم نسيان الحديث عن عملية السلام وتفرد الحديث عن قرار 242 الذي يطالب بانسحاب الكيان الغاصب عن الأراضي التي احتلتها في حرب 1967.
توقفت انتفاضة الأقصى وذلك بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في شرم الشيخ حيث عقدت بين محمود عباس وارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي في 2 فبراير 2005م. هذه حكاية "انتفاضة الأقصى" فصولها ستظل تروى للأجيال ولن تنتهي؛ فما أن تخبوا نارها إلا وتشتعل من جديد وبشكل جديد ، وسيظل المسجد الأقصى رمزا للأمة كلها وهو العنوان لانتفاضة المستقبل القريب .
وفي النهاية لا يسعنا الا ان نذكركم اخواننا بواجبكم العملي تجاه مدينة القدس والاقصى: أن هبوا لنجدة المسجد الأقصى بكل ما اوتيتم من قوة, تحركوا قبل ان يتحرك وادعموا الرباط فيه واحموه بأجسادكم وأرواحكم واموالكم؛ فلقد سجل إخوانكم المرابطون والمرابطات في القدس والداخل آيات العز والفخار في الثغور المقدسة المباركة على بوابات الأقصى وفي ساحاته ومصلياته؛ وكانوا درعا حامية لمسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم أمام هذه الاقتحامات الهمجية من قطعان الصهاينة؛ والذين باتوا يدنسون الأقصى كل يوم، فاين انت منهم اخي واختي؟ فإلى الامة جمعاء نقول كما قال الشاعر أيمن العتوم:
لا تبرحِ الأرضَ واحمِ القدسَ والتحـــمِ
وانقشْ دِمـــــــاكَ علـــــى بَوَّابـة الحـــــــــــرمِ
واقبضْ على الجَمْرِ إنَّ القابضينَ على
جمرِ البلاد أضاؤوا عِــــــــــزَّةَ الأُمـــــــــــــم
وخلِّ خلفــكَ كــــــلَّ الراكنيـــــنَ إلـــــــــــــى
صلح اليهـودِ، وإنْ ساغــــوهُ فاتَّهـــــــــــــم
وجابهِ الموتَ عاري الصدر، مُشرعَــــهُ
وإنْ أتاكَ رصاص الغـــــدر فابتســــــــــــم
وغــنِّ للأرض، إنَّ الأرض عاشقـــــــــــــــةٌ
وسوف تَطرب إنْ بالغتَ في النغـــــــــم
وكلّمـا طَربـــــــتْ واهتزّ جانبهــــــــــــــــــــــــــا
تساقطتْ شهداء القدس كالحمـــــــــــم