صدر للكاتب والباحث الفلسطيني جهاد أحمد صالح

الروّاد المقدسيون في النهضة الفكرية والأدبية في فلسطين

تاريخ الإضافة الجمعة 22 تشرين الأول 2010 - 2:30 م    عدد الزيارات 3181    التعليقات 0    القسم أرشيف الأخبار

        


عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله، صدر للكاتب والباحث الفلسطيني جهاد أحمد صالح، "سلسلة الروّاد المقدسيون في الحركة الفكرية والأدبية في فلسطين.

وتضم السلسلة عشرين كتاباً متسلسلاً، خصّ الكاتب الجزء الأول منها للحديث عن البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عاش ها هؤلاء الرّواد، وأبدعوا إ نتاجهم فيها، وجاء بعنوان:

"التشكيل الروحي والبيئة الفكرية والثقافية في القدس ـ من بداية النهضة حتى النكبة" وقسّمه إلى أربعة أبواب:

1. الباب الأول: صورة المجتمع الفلسطيني.

2. الباب الثاني: العوامل المباشرة للنهضة.

3. الباب الثالث: التشكيل الروحي والبيئة الثقافية في القدس.

4. الباب الرابع: الحياة الفنية في القدس (الغناء، الموسيقى، التمثيل).

ويقع هذا الجزء من الموسوعة في 225 صفحة.

والجدير ذكره، أن هذا العمل الذي يقدمه الكاتب والباحث جهاد صالح جزء من عمل أوسع وأشمل عكف على إعداده منذ ما يقارب الخمس سنوات، بعنوان "موسوعة روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين (من بداية النهضة حتى النكبة) يقدّم فيها سيرة حياة، وقراءات في أعمال، وإبداعات مئة وعشرين رائداً وعلماً فلسطينياً في مجال الإبداع الفكري والأدبي في هذه المرحلة.

وحول الحوافز التي دفعته إلى تخصيص الروّاد المقدسيين في هذه الموسوعة، والاستعجال في إصدارها منفصلة، يقول جهاد صالح في مقدمته:

"كثيرة هي الأسباب التي حفزتني للكتابة في موضوع القدس، من خلال سيرة هؤلاء الروّاد من أبنائها، الذين استمتعوا بجمالها، واستنشقوا طيب نسائمها، وأقاموا صلواتهم الخاصة في جوامعها وكنائسها، وشوارعها، وأزقتها، فأبدعوا بين جدران منازلها ومدارسها ودور العلم فيها، فصالوا وجالوا في دروب العلم والثقافة والمعرفة، وشيّدوا بنيان ثقافة مفتوحة نوافذها على أفق الغد في لحظات توّاقة للمشتهيات الإنسانية العادلة، في التعبير وفي الحياة، وفي الخروج عن النمطية المقرّرة منذ عصور؛ وكانت القدس مرتع روحهم، وملهب وجدانهم في رحلتهم الإبداعية التي انطلقت منها، وترعرعت فيها، وتسامت إليها.

فالقدس، منذ وجدت، مسحورة بأدلجة كتابة التاريخ دينياً، وموسومة بالقداسة التي يراها مقدّسها من ناحيته؛ لذا، كانت دائماً مسمومة بالغزو، والاحتلال، والتخريب.

ولو استثنينا التاريخ الطويل لمدينة القدس، ودخلنا تاريخها الحديث العاصف منذ بداية القرن العشرين، وحتى عام 1968، لاصطدمنا بأربعة أنظمة حكم تعاقبت عليها، وبخمسة حروب دارت في رحاها؛ وأهمّ من ذلك (أو نتيجة ذلك)، إعادة النظر في الخطاب الذي كان سائداً حول الهوية الذاتية للمقدسيين بخاصة، وللفلسطينيين بعامة بتبلور وتكوين الهوية الوطنية التي تجاوزت النطاق المحلي.

بل أهمّ من ذلك، أن التاريخ الذي نتحدث عنه في هذه السلسلة (من بداية النهضة... حتى النكبة)، وعلى الرغم من فداحة الثمن، وعصف الأحداث، يُشكل معلماً مهماً لانتقال المجتمع الفلسطيني بعامة، والمجتمع المقدسي بخاصة إلى عالم الحداثة والتطور، ولتحديد جديد للعلاقة بين الوجدان الديني الشعبي والهوية الوطنية بمفهومها الجديد.

هذا التاريخ المقدسي المعقد في بنائه الاجتماعي وتراكمه الحضاري المتشابك، والممتد (في الكتابة التاريخية، والدينية) بين القدس عاصمة الخليقة روحياً، والقدس التي خرجت من تخوم انغلاق المدينة المسوّرة إلى الحداثة، حمله هؤلاء الروّاد كتحد وطني ـ قومي في حمأة الهجمة عليها استيطاناً، وتهويداً، واستهدافاً تاريخياً وحضارياً وثقافياً، فكانت الهدف المشتهى على جدول إبداعهم وكتاباتهم؛ ولم يقبلوا لها سماءً غير سمائها التي هي أقرب نقطة للعروج إليها، ولم يقبلوا إلاّ بتاريخها الذي ينطق باسمها من ألفه إلى يائه... فكانوا عيوناً تمتلئ بالقدس كمشهد معيش ، وليست رواية منسوخة، ومكررة من التاريخ ... هذا حافزنا الأول.

*****

يقول مشهدنا الفكري الحالي في بؤسه وتسياره ، إننا نتكئ على التاريخ، نبحث فيه عن أمجادنا الغابرة لكي تلهمنا القوة في صراعنا مع عدّونا ومع المستقبل، وكلما ازداد هذا الصراع ضراوة ، نزداد إيغالاً في صفحات التاريخ، نمتشق سيوفه ورماحه وخيوله، وندعو لأندلس كلما حوصرت حلب، كما عبّر شاعرنا محمود درويش عن هذا المشهد الحزين.

وكم يحزننا هذا المشهد، ونحن نجيء بعد أولئك الذين حملوا قضية القدس، وفلسطين، بشراً ومكاناً وتاريخاً وحكاية، بعيداً عن عنجهيات التاريخ، وخيوله التي لا تكبو، وفرسانه الذين لا يترجّلون.

أولئك الروّاد، ترجّلوا، ليكتبوا، وينظموا، ويرسموا، ويعزفوا، ويغنوا على أرض الحياة ومعمعة الصراع، وتركوا سيوف التاريخ للتاريخ، وأمجاده لصانعيه في حينه.

أولئك الروّاد، وفي جعبتي مئات، بل آلاف المصادر (ما استطعت إليه سبيلاً) من كتب ومجلات، ومذكرات ومخطوطات غير مطبوعة، خاضوا صراعهم على أرض الصراع دون ادعاءات تاريخية، فأبدعوا شعراً في مختلف أغراضه، فسالت القصائد من بين أناملهم تجمّل حياة الناس وتحرّضهم.

وأبدعوا نثراً، فأسسوا وعمّموا مناخاً سياسياً واجتماعياً قائماً على أهمية تفعيل الحركة الثقافية، وتعميم الذوق الجمالي، كضرورة لا بدّ منها لإشاعة مناخ التنوير والتحديث من أجل التحرر والاستقلال .

وصوّروا حميمية الحداثة في بداياتها، في اللحظة نفسها التي كانوا يعدّون العدّة فيها لمرحلة الصدام مع الحركة الصهيونية الناشئة.

أيّدوا الانتداب البريطاني، محرراً من العبودية والجهل والتخلف، وقاوموه بكل قوة، استعماراً مستعمراً لأرضهم وشعبهم، ومنفّذاً لأهداف الصهيونيين. اعترفوا بعلم الغرب وحضارته الحديثة، فبنوا عليها، وفتحوا نوافذ العلم والمعرفة على آفاق إنسانية رحبة، فكانوا فرسان الحداثة، ورفضوا أن يكونوا في لحظة من اللحظات عبيداً لها.

وعندما كتبوا في التاريخ، كتبوه للاستقواء به على الواقع، كسور من الحماية للذود عن الحقوق، ودرء المخاطر المحدقة بوطنهم، للعبور على قنطرته نحو المستقبل، وخلق مناخات التحرر والاستقلال في فلسطين، وما حولها؛ فالتجزئة وترسيخ القطرية (السبيل المؤدي إلى الحلم الصهيوني) كانت هاجسهم الأكبر، فرفعوا لواء التاريخ، والدين وقيمه، والانتماء القومي لمواجهة هذا العدو الحضاري الناشيء ... وهذا حافزنا الثاني.

*****

أولئك الروّاد المقدسيّون ، الذين نكتب سيرتهم من خلال ما كتبوا وأبدعوا وما قاموا به من مجهودات فكرية وثقافية، ساهمت في صنع تاريخ القدس، ومستقبلها، لم يكتبوا لمرحلة (طواها النسيان) نتيجة ما آلت إليه القدس في مرحلتها الحالية؛ بل صنعوا تاريخاً منفتحاً لحياة القدس في جميع مجالاتها، الفكرية والاجتماعية والثقافية، ولم يكونوا من نمط المفكرين الذين يختارون العزلة عن الناس، لتوفير الوقت اللازم لأبحاثهم ودارساتهم؛ فلم يتركوا فسحة من الوقت إلا استثمروها في القراءة، والكتابة، بعقول نقدية منفتحة على المعرفة الإنسانية دون تردّد أو استنكاف. وكانوا كلما ازدادت وطأة الأحداث عليهم وعلى شعبهم، ازدادوا تعلقاً بالحياة، والرغبة فيها حتى الثمالة، وازدادت هواجسهم ورغبتهم المستمرة في الكتابة والتأليف والإجادة والإبداع، بحداثة وشفافية وصدق، تحترم العقل، وتعلي من شأن الحياة؛ فرأوا في الثقافة أداة سامية الأغراض، قوامها جلاء الروح وتهذيب العاطفة وصقل العقل، بعيداً عن التصوّر النفعي الذي يرى الثقافة في مردودها الاجتماعي المباشر، وما يؤمنه من مصالح وامتيازات.

أولئك، استحقوا صفة الريادة (على الرغم من ندرتها في واقع الحال)، ليس فقط لأن الواحد منهم (على الأغلب) خاض ميادينها في عدد من المجالات، الوطنية والاجتماعية والفكرية والثقافية والتربوية؛ بل لأنهم من القلّة التي سبقت غيرها في مجابهة الأخطار التي تتهدد أمتهم، وجابهوا الواقع المؤلم الذي يعشيه شعبهم، ولم تغب عن بالهم حقيقة ارتباط الصهيونية كعقيدة، وحركة، بالاستعمار ونموذجه الانتدابي في فلسطين، وكانوا من القلّة التي آمنت بأهمية التعليم وتعميم الثقافة الوطنية، ووضع البرامج التربوية والتثقيفية من الواقع العربي في ظروفه وتطلعاته، وكانوا مشاعل وحدة المجتمع وترفعه عن الانقسامات الطائفية التي كانت سائدة في مرحلتهم، وأدركوا قبل غيرهم أن العلم والتطوّر من جانب، وضرورة دراسة التراث والحفاظ عليه من جانب آخر، هما سلاحنا الحقيقي، وحافزنا الدافع لشد إنساننا إلى أرضه وتراثه في مجابهة حلم الصهيونية في تهويد الأرض والتراث في فلسطين... وكان هذا حافزنا الثالث.

*****

ومثلما يقول لنا واقع الحال، الذي ما زلنا نعيشه، إن فلسطين نالت أقلّ كثيراً مما تستحق من الاهتمام والتتبع من العالمين العربي والإسلامي، وأقلّ مما تستحق من العدل والإنصاف، من رأي عام القرن العشرين العالمي. فهو يقول أيضاً، إن الكثيرين من أعلام الفكر والثقافة في فلسطين نالوا القليل جداً من الاهتمام والدراسة والمتابعة، فبقي الكثير منهم مجهولا،ً لأن إنتاجه ضاع مع ضياع أرشيفات الصحف والمجلات، وحرق وتدمير مكتباتهم الخاصة والمكتبات العامة، وتوزّع أبناء النكبة في أنحاء المنافي المترامية، كل ذلك ساهم في تغييب أولئك الروّاد عن معرفة أوساط ثقافية كثيرة في العالم العربي، وحتى في الأوساط الفلسطينية نفسها، على الرغم من قوة شخصيتهم، وشموخ سيرتهم، ووفرة عطائهم، وتميّز إبداعهم. ومع إدراكنا صعوبة الإحاطة بحياة أولئك الروّاد الحافلة بالإبداع والعطاء، الذين امتزجت شخصيتهم وسيرتهم الذاتية مع إبداعاتهم وتميّزها، فأصبحت جزءاً من نسيج أمتهم، ومعالم نهضتها، إلاّ أننا نضع هذه الشذرات والأضواء (إن صح القول) لننظم عقدها، كمفتاح لها، وكدليل انفتاح عالم القدس وتميّزها الاجتماعي، وتنوعها الثقافي، وتسامحها الديني، وكعرفان بالجميل والوطنية الفلسطينية، وما يحتم علينا تنشيط الذاكرة بإعادة التعرّف على أولئك الروّاد المقدسيين الذين حملوا لواء نهضتها، ونهضة أمتهم بكل جدية وصدق ... والتعرّف على آثارهم المتنوعة التي تركوها ذخيرة للأجيال القادمة ... وكان هذا حافزنا الرابع.

*****

أما حافزنا الخامس من هذه السلسلة المقدسية، فهو الاستجابة لرغبة الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، حيث وضعت القدس والكتابة عنها في سلّم أولويّاتها ونشاطها، في مجابهة ما تقوم به سلطات الاحتلال من إجراءات بهدف تهويدها، وتشريد أهلها، وتغيير معالمها الحضارية والدينية والتراثية.

ولأن من أهداف الإجراءات الصهيونية محو ذاكرة المشهد المقدسي الفكري والاجتماعي والثقافي منذ بداية الفكرة الصهيونية، ومشروعها الاستيطاني الكولونيالي في تحقيق الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وتهميش دور أبنائها، فإننا نقدّم هذه السلسلة بمثابة الرد (الحضاري)، لنقول إن مدينة القدس وحدها في فلسطين، كان منها هذه النخبة المختارة من الروّاد في تلك الفترة، فهل بإمكانكم أن تقدّموا لنا روّاداً ومبدعين، غير أسماء قائمتكم الطويلة، من قادة العصابات الصهيونية ورجالاتها، الذين لم يبدعوا سوى بالقتل والدمار والتخريب ... ولله في خلقه شؤون.

آمل أن أكون قد وفّقت في إيصال هذه الرسالة ... والله من وراء القصد."

وبهذه المناسبة نشر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ملصقاً خاصاً، صوّرت فيه أغلفة الكتب العشرين ... وصورة لبيت المقدس ... مع صورة للمؤلف جهاد أحمد صالح.


المصدر: خاص بموقع مدينة القدس - الكاتب: mohman

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »