ان تكون مقدسيًا في زمن الاحتلال

المقدسيون يدفعون فاتورة الصمود والبقاء

تاريخ الإضافة الثلاثاء 18 أيلول 2012 - 10:12 ص    عدد الزيارات 2473    التعليقات 0    القسم أرشيف الأخبار

        


اذا وجدت نفسك مجبرًا على هدم منزلك بيديك، فهذا دليل على انك فلسطيني أبًا عن جدْ ومقدسي من رأسك حتى اخمص قدميك.
ان تعيش في القدس، تلك المدينة المنكوبة بالاحتلال، فهذا يعني انك مجبرٌ على ان تنهض من نومك ذات صباح لتهدم منزلك بيديك، ذلك لان غزاة المدينة قرروا انه ليس من حقك ان تبني عشًا لأحلامك وليس من حقك ان تقيم ساحة خلف الدار كي يلعب الأولاد وليس من حقك ان تعلق صورة لمن تحب فوق الجدار وليس من حقك ان تأوي ليلًا الى سرير تضمه اربعة جدران.
ان تعيش في القدس، تلك المدينة المعذبة حد الوجع، وترفض الامتثال لأوامر وسياسات المحتلين المدججين بالحقد والعنصرية والنار، فهذا ببساطة يعني انك اصبحت هدفًا لدولة كرست كل امكانياتها من اجل سحق انسانيتك وسلبك كل اسباب الحياة وتحويل حياتك إلى جحيم.
الحاج سعيد راضي (73 عامًا) من حي راس البستان في قرية سلوان جنوب الأقصى المبارك، واحد من اؤلئك المقدسيين الذين تواصل دولة الاحتلال حربها عليهم، حيث قامت بهدم منزله ٣ مرات متتالية، ذلك لان هذا العجوز المقدسي كان في كل مرة يصر على إعادة بناء منزله من جديد متسلحًا بذلك العناد المحمول على قوة الحق في مواجهة غطرسة القوة.
وما ان انتهت هذه الجولات الثلاث، حتى وجد هذا العجوز المقدسي نفسه في ساحة معركة جديدة أعدت لها دولة الاحتلال كل العتاد، ما أضطره في المرة الرابعة إلى هدم منزله بيديه، وذلك بعد ان فرضت سلطات الاحتلال عليه غرامات مالية باهظة شملت دفع تكاليف عملية هدم منزله في المرات الثلاث السابقة، اضافة إلى دفع اجور الجنود وعناصر الشرطة الذين تكفلوا بحماية الجرافات التي كانت تسحق المنزل امام ناظريه، حيث بلغت قيمة هذه الغرامات مئات آلاف الشواكل.
ظن الغزاة ان المعركة انتهت، غير ان هذا العجوز المقدسي كان قادرًا على اجتراح اليات جديدة للبقاء والصمود، حيث بادر الى نصب خيمة فوق ركام منزله وفي ارضه التي تربطه بها علاقة من نوع خاص ليس في وسع الغزاة فهمها او ادراك معانيها، ذلك لان تراب هذه الارض اختلط بدماء زوج ابنته الذي وقف ذات يوم بصدره العاري امام جرافات الاحتلال محاولًا منعها من هدم المنزل فكان الموت له بالمرصاد، فيما قضت زوجته فوق ذات الارض وفي ذات اليوم بعد سماعها خبر استشهاد زوج ابنتها، حيث اصيبت بنوبة قلبية حادة ظلت معها تصارع الموت بانتظار سيارة الاسعاف التي منعها جنود الاحتلال من الوصول إلى ان اسلمت الروح بين يدي زوجها.
وقال الحاج سعيد راضي: هذه الارض ورثها أبا عن جد منذ مئات السنين، والتخلي عنها مستحيل مهما كان الثمن.
وأضاف "ان طردونا سنعود و ان هدموا سنبني من جديد فهذه معركة صمود وبقاء كما انها اصبحت بالنسبة لنا معركة وفاء للدماء التي نزفت من اجل حمايتها".
على هذا الموال يعيش أهالي القدس منذ سنوات عديدة، فمخطط تهويد المدينة وتغيير الخارطة الديمغرافية فيها دخل مرحلة اكثر شراسة وخطورة بعد بناء جدار الفصل العنصري، ففي كل يوم تشهد المدينة حكاية مماثلة لحكاية الحاج راضي وفي كل يوم تقضم دولة الاحتلال جزءًا من المدينة وتواصل كل اجراءات الأسرلة والتهويد.
ويقول مراقبون ان مخطط إقامة القدس الكبرى بدأ منذ احتلال الجزء الشرقي من المدينة عام ١٩٦٧، حيث حٌرم المواطنين من الحصول على تراخيص للبناء ومن حالفه الحظ بالحصول على هذا الترخيص يكون قد دفع مقابل ذلك مبالغ طائلة قد تصل في بعض الاحيان إلى 3 أضعاف كلفة بناء المنزل نفسه، إضافةً إلى ان تلك الرخصة تكون محدودة بفترة زمنية محددة يتوجب إنهاء أعمال البناء خلالها وإلا اصبحت لاغية.
الحاجة نوال شقيرات من حي جبل المكبر، وهي أمٌ لشهيد ولأسير أيضا محكوم بالسجن المؤبد ، لم يكتف الاحتلال بسرقة حياة نجليها، بل أجبرها على هدم بيتها بيديها بحجة البناء دون الحصول على ترخيص.
تقول شقيرات: "عشنا عمرنا و نحن نحلم بأن يكون لنا ذات يوم بيت .. ادَّخرنا لسنين طويلة كي نستطيع شراء قطعة أرض والبناء عليها وبعد انتهاء البناء خيرنا الاحتلال بين أن نقوم بهدم البيت بأنفسنا أو أن ندفع تكاليف عملية الهدم والتي قد تصل إلى نحو١٠٠ ألف شيكل، ولهذا قمنا بهدم منزل العمر بأيدينا".
وأضافت "الآن نحن نعيش في الارض أنا وما تبقى لي من أبناء وأحفاد .. نعيش في خيام وعرائش لا يتوفر فيها الحد الأدنى من متطلبات الحياة الآدمية، ورغم ذلك لن نرحل ولن نترك الارض حتى لو هدموا الخيام والعرائش فوق رؤوسنا فلا مكان أخر نذهب غليه وليس لدينا من خيار سوى الصمود وسنصمد .. هذا هو قرارنا".
الذرائع التي تسوقها دولة الاحتلال لهدم منازل المقدسيين لا تعد ولا تحصى، فإذا تصادف ان موقع منزلك يتعارض مع مخططات التوسع الاستيطاني أو مخططات بناء حدائق عامة "تلمودية"، كما هي المساعي القائمة حاليًا لهدم و ازالة حي البستان في قرية سلوان لصالح إقامة "حدائق الملك داود"، فهذا يعني إن منزلك بات هدفا للهدم.
كما أن الحرب التي تخوضها إسرائيل من أجل تهجير الفلسطينيين من القدس وإجبارهم على مغادرة المدينة لصالح استقدام المزيد من المستوطنين اليهود وأحلامهم في المدينة، تجد في هدم المنازل ومنع البناء وسيلة لحسم هذه المعركة سريعًا.
استهداف المنازل لا يقتصر على تلك التي تم تشييدها حديثا، ففي حال قام المقدسيون ببناء وحدات إضافية إلى منازلهم القديمة أو بناء شرفةً أو حتى تركيب بعض الخشب والقرميد فوق منازلهم فإن طواقم بلدية الاحتلال سرعان ما تصدر أمرًا بالهدم وهو الأمر الذي تتكفل قوات الشرطة بتنفيذه على الفور على أن يدفع صاحب المنزل كلفة هذه العملية أو أن يقوم هو بنفسه بهدم ما تم تشييده تجنبًا لدفع تلك التكاليف وللتخفيف من حجم الخسارة.
ويقول مراقبون أن هذه السياسة الممنهجة تستهدف تغيير معالم القدس وتعزيز وجود اغلبية يهودية فيها، وان ما تحتاجه لتنفيذ هذا المخطط هو وقف المد العمراني ومنع النمو السكاني عبر وقف البناء والاستيلاء على الأراضي وإجبار المقدسيين على السكن خارج المدينة.
أحلام العشرات من الشبان المقدسيين في امتلاك بيت العمر وإنشاء العائلة صار ضربًا من المستحيل في ظل السياسات الإسرائيلية القائمة، ما يضعهم بين خيارات الهجرة أو السكن خارج مدينتهم أو الاستسلام لهذا الواقع الصعب.
فخري ابو ذياب، مسؤول لجنة الدفاع عن اراضي سلوان، يعيش منذ تسلمه قرارًا بهدم منزله الكائن في حي البستان كابوسًا لا ينتهي فهو يعلم أن يوم الهدم آت إن لم يكن اليوم فغدًا وإن لم يكن غدًا فبعد أسبوع.
وقال ابو ذياب في معرض وصفه لحالة القلق التي يعيشها وأفراد عائلته منذ تسلم قرار الهدم، أن حفيدته التي تبلغ من العمر ٦ سنوات كانت تتابع وهي بجانبه عبر التلفاز الدمار الهائل في سوريا وخيام اللاجئين المنتشرة على الحدود الأردنية فسألته إذا ما كان سيبني خيمة أمام منزله بعد أن يهدم وكان الأمر قدر لا مفر منه.
وأضاف: "من المؤلم والمخيف ان تعلم ان يوما سيأتي لتجد نفسك ملقى انت وأبنائك وأحفادك في الشارع بلا مأوى".
وتابع "الحياة التي نعيشها اصبحت مليئة بالرعب فلا يمر اسبوع دون ان تحضر طواقم البلدية لتذكرنا بأمر الهدم وعادة ما تكون برفقة قوة كبيرة من جيش الاحتلال وهذا له تداعيات وتأثيرات خطيرة على كل افراد العائلة .. الاطفال يصابون بالهلع والخوف، ما أثر على تحصيلهم العلمي وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة فهم الان لا يفكرون اين سيلعبون بقدر ما يفكرون اين سنعيش عندما يهدم بيتنا".

 

 

 

 




المصدر: خاص مدينة القدس - الكاتب: publisher

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »