ماذا جرى في 21-8-1969 وكيف حرق الأقصى !!!
الثلاثاء 20 آب 2013 - 12:43 م 2721 0 أرشيف الأخبار |
إعداد: محمد أبو طربوش
الخميس 21-8-1969، الساعة الثامنة صباحًا تم إحراق المسجد الأقصى المبارك، وأدى هذا الأمر إلى إلحاق أضرار كبيرة بالقسم الجنوبي من المسجد الأقصى المعروف" بمبنى المسجد الأقصى"، وبلغت نسبة الجزء المحترق حوالي 1500م من أصل 4400م وهي مساحة المبنى الكلية، ودمر بالكامل منبر صلاح الدين ومسجد عمر ومحراب زكريا ومقام الأربعين وثلاثة أروقة من الأعمدة ممتدة من الجنوب شمالاً داخل المسجد الأقصى، والأقواس ودمر السقف وأجزاء من القبة الخشبية الداخلية و48 شباكاً من الجص والزجاج الملون واحترقت مفروشاته من الزجاج وأتت النيران على مجسم لسورة الإسراء مصنوعة من الفسيفساء، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق وسقط عامودان رئيسيان مع القوس الحامل للقبة وتضرر المحراب والجدران الجنوبية.
ادعت دولة الاحتلال أن الحريق ناتج عن عطل كهربائي، فقامت شركة كهرباء القدس بإجراء تحقيق فني وأعلنت عن سلامة الشبكة ونفت أي علاقة بين الكهرباء والحادث، وجرى مؤتمر صحفي عقده الشيخ حلمي المحتسب رئيس الهيئة الإسلامية بالقدس عرض فيه النقاط التالية:
1- إن الحريق متعمد وليس طبيعيًا وليس من جراء التيار الكهربائي.
2- إن مياه البلدية لدى سلطات الاحتلال قطعت من منطقة الحرم فور ظهور الحريق.
3- إن سيارات الإطفاء التابعة لبلدية سلطات الاحتلال تأخر وصولها ومباشرتها عملية الإطفاء.
4- إن الذي أسهم في إخماد الحريق هو وصول سيارات إطفاء بلديتي رام الله والخليل.
واتضح من تقارير المهندسيين العرب، أن الحريق شب في موضعين اثنين في وقت واحد، الأول عند المنبر، وقد أتى عليه برمته، والثاني عند السطح الجنوبي الشرقي للمسجد، وأتى على سقف ثلاثة أروقة وعلى جزء كبير من هذا القسم. وكانت المسافة بين موقعي الحريقين لا تقل عن مائتي متر.
وهذه التحقيقات دفعت سلطات الاحتلال إلى الإعلان في 23/8/1969 عن اعتقال منفذ الحريق وهو شاب أسترالي مسيحي دخل إلى البلاد قبل أربعة أشهر يدعى "دينيس مايكل وليم روهان" (28 عامًا) وينتمى إلى كنيسة الرب (الله) التي تقبل بحرفية التوراة وتنبؤاتها، وأن أتباع هذه الطائفة يولون أهمية كبرى لرجوع اليهود إلى "إسرائيل" وخاصة إلى القدس، ويعتقدون أنهم يستطيعون التعجيل بهدم المسجد الأقصى. ونفت كنيسة الرب أي علاقة لها بالإحراق وسلمت عبر مندوبها مذكرة من المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في الدائرة الأوروبية بسويسرا مؤرخة في 17/9/ 1969 إلى الهيئة العلمية الإسلامية في القدس وجاء فيها: ".... ونرغب في أن ننقل إليكم بأن مرتكب جريمة الإحراق لا علاقة له البتة بكنيسة الله".
وصرح دينيس مايكل روهان لدى اعتقاله أن ما قام به كان بموجب نبوءة في سفر زكريا مؤكدًا أن ما فعله هو واجب ديني كان ينبغي عليه فعله، وأعلن أنه قد نفذ ما فعله كمبعوث من الله، واعترف روهان أنه أدخل يوم الخميس كميات كبيرة من مواد شديدة الاشتعال إلى داخل المنبر، وقام بصبها على المنبر وفي محيطه، وأوضحت تقارير المهندسين العرب أن الدراسة الفنية تبين أنه اشترك في الحريق أكثر من شخص خاصة أن اشتعال النار وقع في موقعين في الأقصى في الوقت ذاته.
وأعلنت سلطات الاحتلال فيما بعد أن هذا الشاب معتوه، وحاكمته أمام وسائل الإعلام، وحكمت عليه صوريًا ثم نقلته إلى مصحة للأمراض العقلية، ثم وجد في المستعمرة التي كان يعمل بها قبل اعتقاله14.
رد الفعل العربي والعالمي:
على أثر هذه الحادثة، ثار الفلسطينيون وتتابعت المواجهات العنيفة مع قوات الاحتلال، وضجت الشعوب العربية والإسلامية، مما دفع حكام المسلمين إلى التنادي للاجتماع في قمة إسلامية عاجلة، وقد عقدت في المغرب، وكان من نتائجها تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان من نتائجها تشكيل لجنة القدس التي ترأسها الملك الحسن الثاني. وفي 15/9/1969 صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 271 الذي عبر فيه عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى، واعترف فيه أن هذه الأعمال يمكن أن تهدد بشدة الأمن والسلام الدوليين. والجدير بالذكر أن الدول الأعضاء في المجلس في تلك الجلسة هي 15 دولة صوت منها 11 لصالح القرار وهي: الجزائر- الصين- فرنسا- المجر- نيبال- باكستان- السنغال- أسبانيا- الاتحاد السوفياتي- المملكة المتحدة- زامبيا، بينما امتنعت كل من: أمريكا و كولومبيا وفنلندا وباراغواي عن التصويت.
ملابسات الحريق تثبت فعليًا أن هناك جهة كبرى تقف وراء الموضوع، فروهان الذي قيل أنه نفذ جريمة الإحراق اعترف أنه أدخل كميات كبيرة شديدة الاشتعال إلى داخل المسجد الأقصى يدفعنا اعترافه إلى طرح السؤال التالي وهو كيف استطاع هذا الرجل إدخال هذه الكميات من المواد المشتعلة إلى داخل المسجد الأقصى؟ وكيف استطاع أن يمر من أمام نقاط التفتيش التابعة للشرطة الإسرائيلية والتي تحيط بالمسجد من جميع الجهات؟ والتي تقوم في العادة بإيقاف المسلمين الذين يدخلون للصلاة دون أن يكون في أيديهم شيء، وأحياناً كثيرة تقوم بتفتيشهم جسديًا، فلماذا لم يتم إيقاف شخص غير مسلم يدخل إلى مسجد إسلامي في وقت مبكر لا يأتي فيه أحد من السواح عادةً، وهو إضافة إلى ذلك يحمل كميات من المواد المشتعلة؟
ثم إن عدداً كبيراً من الشهود المسلمين الذين شاركوا في إطفاء الحريق، أكدوا أنهم وجدوا الماء مقطوعاً عن المسجد وعن محيطه العمراني القريب، ولولا وجود آبار ماء داخل ساحة المسجد الأقصى ساعدت على الحصول على القليل من الماء بوسائل يدوية بدائية، لكانت خسائر هذا المسجد أكبر بكثير مما كانت عليه، ومعلوم أن بلدية القدس اليهودية هي التي تتحكم في توزيع المياه.
ثم إن جميع المشاركين في إطفاء الحريق أكدوا أن سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس لم تصل إلى موقع الحريق إلا بعد أن تمت السيطرة عليه، وبعد أن وصلت سيارات إطفاء رام الله وبيت لحم والخليل، وهي تحتاج إلى أكثر من ساعتين للوصول إلى موقع الحريق، في حين كان بإمكان سيارات الاحتلال أن تصل من داخل القدس خلال دقائق لو أرادت ذلك، وقد تذرعت "إسرائيل" بأن الذي أخر وصول سيارات إطفاء القدس هو وجود المظاهرات العربية في شوارع المدينة، إضافة إلى هذا كله ما سبق وأن ذكرناه من تضارب الروايات الإسرائيلية وتناقضها وكذبها فإن وضعنا هذه الأجزاء إلى جانب بعضها البعض تتضح صور المؤامرة، وتتضح صورة الفاعل الحقيقي لهذه الجريمة.
ما الذي ينتظر المسجد الأقصى المبارك؟
فكرة السيطرة على المسجد الأقصى المبارك بالنسبة لليهود حاضرة بقوة منذ احتلال فلسطين وأولى المراحل الفعلية للاستيلاء على المسجد الأقصى كانت قد بدأت بُعيد سقوط الجزء الشرقي من مدينة القدس في قبضة الاحتلال عام 1967، وأوضحت الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى منذ أكثر من أربعين عامًا أن الاحتلال يحاول بشتى الوسائل تحقيق حلم السيطرة عليه، وإن كانت الأيام جعلته يُسلم أنه فشل في تحقيق ما يريد، ولذا يمكننا القول أن حل معضلة المسجد الأقصى إسرائيليًا لا يغدو واحدًا من حلين: الأول يقوم من خلال استمرار الحفريات حول الأقصى ومن أسفله لضعضعة جدرانه وأساساته بانتظار انهياره طبيعيًا، والحل الثاني يقوم على تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والفلسطينيين والسماح لليهود من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية على غرار الواقع الذي فرضته دولة الاحتلال على المسجد الإبراهيمي في الخليل.
ولذا فدولة الاحتلال ستتخذ في الفترات القادمة خطوات استثنائية متسارعة لتحقيق ما تريد. خطوات تدفعنا للقول أنه على الرغم من الحقائق المبشرة بفشل الاحتلال بالسيطرة الفعلية على المسجد الأقصى، إلا أننا اليوم أمام أخطر مرحلة من عمر المسجد الأقصى تحت الاحتلال.
الكاتب: publisher