معطيات وأرقام من القدس في الذّكرى الـ49 لاستكمال احتلالها
تحتفل "إسرائيل" في 5/6/2016 بالذكرى الـ49 لاستكمال احتلال القدس، وتكتسب المناسبة هذا العام أهمية إضافية لدى الاحتلال كونها تؤذن ببدء العام الخمسين لما يسميه "توحيد القدس". وفي المقابل، يتذكر الفلسطينيون النكسة في 7/6/2016، وهو التاريخ الذي تم فيه احتلال كامل القدس. وتحاول هذه المادة الإضاءة على التعاطي الإسرائيلي مع هذه المناسبة، وتقديم صورة موجزة عن الوضع في شرق القدس التي سقطت في قبضة الاحتلال عام 1967.
أولاً: "إسرائيل" وذكرى استكمال احتلال القدس
في حرب عام 1967 (5-10/6/1967) تمكنت قوات الاحتلال من السيطرة على شرق القدس وبلدتها القديمة تحديدًا في 7/6/1967. وقال وزير الجيش حينها موشيه دايان إن "الجيش الإسرائيلي تمكن من تحرير القدس، وقد وحّدنا القدس عاصمة إسرائيل بعدما كانت مقسّمة". وهكذا، ينظر الإسرائيليون إلى المناسبة على أنها يوم تحرير شرق القدس من الحكم الأردني الذي استمر 19 عامًا، وتوحيد القدس بعدما باتت بقسميها الغربي والشرقي تحت الاحتلال الإسرائيلي.
في 12/5/1968، أعلنت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ليڤي إشكول يوم 28 أيار (بالتقويم العبري) يوم عيد احتفالًا بـ "توحيد القدس وتحريرها". وفي 23/3/1998، صادق "الكنيست" على قانون يوم القدس (5758/1998) الذي كرّس ذكرى استكمال احتلال القدس يومَ عيد وطني، إلا أنّه لم يكرس كعطلة رسمية. وتعتبر الحاخاميّة الرئيسة في "إسرائيل" يوم القدس عيدًا دينيًا ثانويًا بمناسبة "استعادة إمكانية الوصول" إلى حائط البراق.
· احتفالات تلّة الذخيرة: يقدم الاحتلال تلة الذخيرة كمعلم قتالي شهد أشرس معارك عام 1967 بين جيش الاحتلال والجيش الأردني الذي كان يتّخذ من التّلة حصنًا ومخزنًا للأسلحة، وتقع التلة بين شرق القدس وغربها مقابل حي الشيخ جراح. سيطر الجيش الإسرائيلي على تلة الذخيرة في 6/6/1967، وفي عام 1975 افتتح الاحتلال موقع النصب التذكاري والمتحف على التلة ثم أعلن الموقع موقعًا للنصب التذكاري الوطني. تبدأ فعاليات اليوم على المستوى الرسمي بجلسة خاصة لكلّ من الحكومة و"الكنيست"، واحتفال في تلة الذخيرة يحضره عادة رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، ورئيس وأعضاء "الكنيست"، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس وغيرهم من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية.
وتحرص الخطابات السياسية في هذه المناسبة على التأكيد أنّ "القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل"، وفي هذا السياق قال نتنياهو في الذكرى الـ49 لاستكمال احتلال القدس (5/6/2016) إنّ القدس لن تقسم وستظل تحت السيادة الإسرائيلية، كما قال "إننا لن نتخلى عن [حائط البراق] ولا عن علاقتنا بـ [المسجد الأقصى]".
ويأتي هذا المضمون تكرارًا لما ورد في السنوات السابقة، فعلى سبيل المثال قال نتنياهو في احتفال الذكرى الـ48 (17/5/2015) إنّ القدس كانت دائمًا عاصمة الشعب اليهودي وحده، وأضاف أنه "فقط تحت السيادة الإسرائيلية ستكون حرية العبادة مؤمنة لكل الديانات فالمؤمنون يصلون في مدينتهم المقدسية ليس بالرغم من سيطرتنا على المدينة ولكن بسبب سيطرتنا عليها".
وفي 28/5/2014، قال نتنياهو في احتفالات الذكرى الـ47 إن القدس هي قلب الشعب اليهودي ولن تقسّم لأن ذلك يعني نهايتها. أما رئيس بلدية الاحتلال نير بركات في القدس فقال إن "القدس ليست فقط روح إسرائيل بل هي أيضًا قلبها النابض".
· قرارات حكومية تمهّد لاحتفالات الذكرى الخمسين عام 2017: أعلن نتنياهو في 2/6/2016 في جلسة خاصة للحكومة عشية الاحتفال بذكرى استكمال احتلال القدس عن رصد 220 مليون دولار لـ "تطوير" القدس. وكانت الحكومة الإسرائيلية صادقت في احتفال الذكرى الـ48 لاستكمال احتلال القدس في 17/5/2015 على مجموعة من القرارات "لتعزيز مكانة القدس والإعداد للاحتفال بالذكرى الخمسين لتوحيدها"، وشملتالقرارات:
- إعداد خطة للتنمية الاقتصادية في القدس تمتد ما بين 2016 و2020، وسيتمّ تمويلها ابتداءً من عام 2016.
-تشكيل فريق تحضيري للإعداد لاحتفالات عام 2017 التي ستشمل فعاليات مختلفة في مجالات التعليم والسياحة والثقافة والرياضة. -خطة خمسية 2016-2020 لتعزيز البنية التحتية وتشجيع الزيارات إلى حائط البراق بما في ذلك التطوير المستمر لساحة وأنفاق حائط البراق، والمحافظة على الموجودات الأثرية، وتطوير البنية التحتيّة للمواصلات، وأنشطة تعليميّة للطلاب والجنود.
كما أعلنوزير التعليم نفتالي بينت ("البيت اليهودي") في 22/2/2016 أنّ العام الأكاديمي 2016-2017 سيكون تحت عنوان "عام القدس الموحدة". وبموجب هذا القرار، سيتم تضمين موضوع القدس في مواد مختلفة كالتاريخ واللغات والجغرافيا والتربية المدنية والآداب وغيرها. كما ستنظَّم رحلات مدرسية إلى القدس والبلدة القديمة و"الكنيست" والمحكمة العليا، ومواقع تذكاريّة. وفي 1/6/2016، أعلنت وزارة التعليم الإسرائيلية عن إطلاق "أسبوع القدس" في المدارس كافة ما بين 1 و 8/6/2016.
· مسيرة الأعلام الاستفزازيّة: تعتبر مسيرة الأعلام من ثوابت الذّكرى، ويشارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين والصّهاينة المتديّنين الذين ينطلقون من غرب القدس ويتجمّعون في شارع يافا ومن ثم مرورًا بالحي الإسلامي وصولاً إلى حائط البراق. ويشكل الحيّ الإسلامي محطة للاستفزاز والاعتداء على المسلمين الذين يضطرون لإغلاق محالهم لتجنب اعتداءات المستوطنين الذين يحرّضون على العنف ويستهدفون المحال والمعروضات ويطلقون شعارات من قبيل "الموت للعرب" و"محمد قد مات".
وفي هذا العام صادقت بلدية الاحتلال في القدس على مضاعفة الميزانيّة المخصصة للمسيرة 3 أضعاف (من 100 ألف إلى 300 ألف شيكل)، وقالت نائبة رئيس البلدية حجيت موشيه (حزب "البيت اليهودي") إنّه "كلما ازدادت المعارضة للمسيرة سنزيد ميزانيتها وعدد المشاركين فيها". ورفضت المحكمة العليا التماسًا تقدمت به جمعية "عير عميم" لمنع مرور المسيرة في الحي الإسلامي عبر باب العمود، وكانت المحكمة رفضت العام الماضي التماسًا مشابهًا تقدّمت به الجمعية لمنع مرور المسيرة في الحي الإسلامي بسبب التوترات الأمنية، فيما أوصت الشرطة الإسرائيلية باتخاذ التدابير ضد أي أفعال عنصرية.
هذا الإحياء الإسرائيلي ليوم "توحيد القدس" يأتي تتويجًا لسياسات الاحتلال التهودية التي بدأت حتى قبل احتلال غرب القدس عام 1948 مع هدم قرى بأكملها وطمس وجهها العربي وطرد أهلها وتهجيرهم أو قتلهم، ومن ثمّ إقامة مراكز الدّولة الرّسمية في الشّطر الغربي لتتشعّب هذه السياسات وتتمدد إلى شرق القدس بعد احتلال عام 1967، عبر تعزيز الوجود اليهودي فيها على حساب الوجود الفلسطيني لتفرض حقائق على الأرض تدعم ادعاءاتها بأنّ القدس عاصمة "إسرائيل".
ثانيًا: القدس بالأرقام
1.التوزيع الدّيموغرافي: يشكّل المقدسيون 37% من مجمل السكان في القدس بشطريها، ويسعى الاحتلال إلى تقليص نسبتهم إلى ما دون 30% لتعزيز الميزان الديموغرافي لمصلحة المستوطنين. وعزلت "إسرائيل" حوالي ربع المقدسيين خلف الجدار الفاصل من دون الحصول على الحد الأدنى من الخدمات البلدية على الرغم من وقوع الأحياء المعزولة ضمن النطاق الإداري لبلدية الاحتلال في القدس.
2.بطاقات الإقامة الدائمة (الهوية المقدسية): 14,481 هو عدد بطاقات الإقامة الدائمة التي سحبها الاحتلال منذ عام 1967 حتى 2014. وقد سحب وزير الدّاخلية الإسرائيلي عام 2006 بطاقات الإقامة الدائمة من نواب القدس في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد طوطح ومحمد أبو طير وأحمد عطون ومن وزير شؤون القدس خالد أبو عرفة بذريعة "خرق الولاء لإسرائيل"، ولم تبتّ المحكمة العليا الإسرائيلية بقضيّتهم على الرغم من مرور 10 سنوات على إبعادهم وسحب هويّاتهم. وفي 14/10/2015، صادق المجلس الوزاري المصغر على جملة من الإجراءات لمواجهة الانتفاضة وكان من بينها "سحب بطاقات الإقامة من الإرهابيين"، وبعد ذلك بأسبوع أبلغت وزارة الداخلية أربعة مقدسيين (وليد أطرش ومحمد أبو كف وعبد دويات وبلال أبو غانم) بأنّ وزير الداخلية قد يستعمل السلطة الممنوحة له ويلغي إقاماتهم على خلفية خرق الولاء، وهو ما حدث فعلاً في كانون ثانٍ/يناير 2016. ويظهر الرسم الآتي عدد بطاقات الإقامة الدائمة التي سحبها الاحتلال من المقدسيين ما بين 2003 و2014.
3.الاستيطان: منذ احتلال القدس عام 1948، صادر الاحتلال أراضي المقدسيين وهجّرهم من قراهم ودمّرها ليقيم مستوطنات لتستوعب اليهود الذين استجلبهم من أصقاع الأرض. وفي وقت يمكن النظر إلى غرب القدس على أنه مستوطنة كبرى فإنّ "إسرائيل" خرقت الوجود العربي في شرق القدس بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية بهدف تعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس ومنع التواصل بين الأحياء العربية بالتوازي مع سياسيات إفراغ هذه الأحياء من أهلها. وقد صادر الاحتلال 35% من أراضي شرق القدس لبناء المستوطنات، ويرزح عدد من العائلات تحت خطر التهجير بسبب النشاط الاستيطاني في البلدة القديمة وحي سلوان والشيخ جراح التي تشهد عمليات استيلاء على منازل المقدسيين لتشكيل بؤر استيطانية كما في حارة السعدية بالبلدة القديمة، والحارة الوسطى بسلوان.
وكشف التقرير السنوي لمنظمة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان (شباط/فبراير 2016) أنه على الرغم من ادعاءات تجميد الاستيطان إلا أن عام 2015 شهد البدء في بناء 1143 وحدة استيطانية جديدة، 560 منها في الضفة الغربية و583 في شرق القدس. وإلى جانب التوسع الاستيطاني الذي تديره الحكومة بشكل مباشر، فإنّ جمعيات استيطانية تعمل على التوسع والتمدد داخل الأحياء العربية (وهي غالبًا تتلقى دعمًا من الحكومة)، عبر الاستيلاء على منازل تعود لمقدسيين إما بشرائها أو عبر ملاحقات في المحاكم بحجّة فقدان أصحاب هذه المنازل الحماية القانونية التي يتمتعون بها بموجب قانون حماية المستأجر. وهذه أبرز الاستيلاءات ما بين عامي 2014 و2016:
مستوطنون يستولون على بناية مكونة من طبقتين لعائلة أبو طير
9/5/2016
حارة السعدية – الحي الإسلامي في البلدة القديمة
مستوطنون يستولون على عقار يعود لعائلة اليوزباشي بدعوى انتقال الملكية إلى جمعية "عطيرت كوهنيم"
4.الإسكان: سياسة التّرخيص وهدم المنازل
يفرض الاحتلال شروطًا صعبة على المقدسيين للحصول على رخصة بناء التي قد تتجاوز كلفة إصدارها 60 ألف دولار. ويبلغ عدد المنازل غير المرخصة وفق المعايير الإسرائيلية 20 ألف منزل، فيما تشير الأرقام إلى شح في إصدار التراخيص للمقدسيين في مقابل التراخيص الممنوحة لليهود. ففي عام 2014، أصدرت بلدية الاحتلال 3,238 رخصة في القدس منها 188 فقط لأحياء شرق القدس (5%)، وعلى مدى الأعوام 2010-2014 أصدرت البلدية 11,603 رخص بناء كان نصيب الفلسطينيين منها 878 رخصة فقط، أي ما يعادل 7% من حجم الرخص الممنوحة وبمعدل 200 رخصة في العام. ويعدّ هذا المعدل انخفاضًا عن معدل الرخص الممنوحة قبل عام 2010 والذي كان يبلغ 400 رخصة سنويًا.
وفي المقابل، تعمل سلطات الاحتلال على هدم المنازل بذريعة عدم الترخيص، ويظهر الرسم الآتي عدد المنازل المهدمة والأشخاص الذين هجّروا نتيجة ذلك وفق معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة (أوتشا) ما بين 2012
يشكل الاحتلال وما يفرضه من سياسات في شرق القدس عاملاً أساسيًا في إفقار المقدسيين، ومن ضمن تلك السياسات الجدار ونظام البوّابات والحواجز والتصاريح المرافق له، ودور ذلك في انكفاء التجار والسياح عن الدخول إلى القدس لصعوبة ذلك أو تعذّره، الأمر الذي أرهق الاقتصاد المقدسي والمقدسيين الذين ينوؤون تحت وطأة الضرائب المرتفعة التي تفرضها عليهم سلطات الاحتلال كالأرنونا (ضريبة المسقفات) وضريبة الدخل والتأمين الوطني وفواتير الماء والكهرباء. وتشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة الفقر بين المقدسيين إلى حوالي 80% فيما تصل إلى 85% بين الأطفال، أما في البلدة القديمة فأغلق حوالي 35%من المحال بسبب تراكم الديون المترتبة على التجار لسلطات الاحتلال، مع ما يؤدي إليه ذلك من إلحاق الضرر بالعائلات المستفيدة من هذه المحال بسبب توقف عمل معيلها وفقدانها مصدر رزقها.
6.المسجد الأقصى:
لا تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى، وفي مقدمتها الاقتحامات التي ينفذها المستوطنون بشكل شبه يومي وبحماية الشرطة الإسرائيلية. وتوزعت الاقتحامات ما بين عام 2009 وأيار/مايو 2016على الشكل الآتي:
7.المسيحيون والمقدسات المسيحية: بلغ عدد المسيحيين في القدس أواخر عام 2014، وفق أرقام دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، 12,400 مقارنة بـ 60 ألف عام 1979.
8.المعتقلون والأسرى: اعتقلت سلطات الاحتلال عام 2015، وفق أرقام لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين، 2260 مقدسيًا فيما وصلت حالات الاعتقال بين الأطفال إلى 904.
لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »
دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »