أحلام الحنفي .. شاعرة الرّباط – استوحت الشّعر من حبّ والدها الشهيد
الإثنين 31 تموز 2017 - 3:52 م 5124 0 التفاعل مع القدس، تقرير وتحقيق، أبرز الأخبار |
نظمت سلاحها من حروف وكلمات لتصوبه إلى صدر عدوها الذي حرمها رؤية والدها وصوت آذانه في أذنها لحظة خروجها للحياة، ولكن عدوها لم يستطع حرمانها من جينات والدها الوطنية التي تشربتها وهي جنين في أحشاء والدتها، فاستقتها على أصولها، فأحبت الوطن من محبتها لوالدها، رغم أنها لم تكن تعرفالكثير عنه، ولكن المشاعر المتأججة بداخلها كفيلة بأن تُصدر منها شعرًا وطنيًا، فاتخذت منه وسيلة لتعبر عن شوقها للقدس، وشرعت الحرب في البيوت الشعرية، وخطت منه ألوانًا وأشكالًا لتعبر عن حبها لوطنها، فتشعر بأن قلبها اقترب وأصبح على مشارف بلادها كلما خطت أناملها قصائد أكثر تعبر فيها عن حب الوطن وشوقها بالعودة له.
الثلاثينية أحلام الحنفي ترجع أصولها الفلسطينية لمدينة حيفا، وتقيم حاليًا في بيروت، عرفت نفسها على أنها لاجئة فلسطينية، ولدت لتجد والدها “القائد البطل” قد استشهد، لكنها حملت جيناته لتسري فيها دماء الوطن حتى تشب عن الطود، فنشأت في غربة عن وطنها.
سيرة والدها
التصق بها لقب “يتيمة” قبل قدومها إلى الحياة، ولكن لا شك أن أسرتها شملتها بعطفها وحنانها، وخاصة والدتها وإخوتها الكبار، ولا سيما أخيها الأكبر الذي كان لها بمثابة الوالد، وكان حريصًا على صحبتها وتنشئتها، فقالت: “كان يحبني كثيرًا كابنة له ويرعاني”.
وقالت الحنفي: “لكن ذلك لم يمنع أن شعوًرا في الداخل نتج عن غياب الأب وجد لدي، سيما في طفولتي المتأخرة، أي كنتُ في مرحلة واعية نسبيًا، حيث إني عرفت قيمة الوالد الوطنية وكنت أتمنى لو أنه حاضر بيننا، لكثرة ما أسمع عن صفاته وأخلاقه ومواقفه الباسلة ونفسه الطيبة”.
لكن يضاف إلى ذلك، أنها لست وحدها من فقد والدها، “فقد كنت أصغر إخوتي، وثمة من يكبرونني بسنوات قليلة، هم أيضًا حرموا منه، كما كل الأسرة، فكانت سيرة والدي العطرة تعطر مساءاتنا، وغالبًا ما أحظى بأناس كانوا على معرفة به، فبعض أساتذتي في المرحلة الثانوية يحدثونني عنه ما يجعلني أشعر بالفخار،
وذات يوم ذكر اسمه أمام أستاذ لي، فدمعت عينه وسرح.. ثم غادر غرفة الدراسة دامعًا، تمنيت حينها لو أني أدركته بعض من زمن، غبطت أستاذي على دمعته”، وفق حديثها.
كان اسم والدي عالعلم، أي أحد يذكر أمامه من أهل أو جيران، أو صحبة قديمة للعائلة، لا تسمع منهم إلا ثناء، فيكبر في قلبي أكثر وأكثر، ويكبر معه حب الوطن، الذي عاش وارتقى فداء له.
حب القراءة
كانت أحلام محبة جدًا للغة العربية، ومتقنة لقراءتها منذ طفولتها المبكرة جدًا، وكان أخوها يحفظها بعض قصار سور القرآن الكريم، فكانت في صفها أمهر من أقرانها بالقراءة، وبرزت لديها موهبة الكتابة منذ الصغر، وأوضحت أنها كانت نهمة في قراءة القصص والقصص المترجمة ونصوص الأدب في كتب إخوتها
الكبار، وفي حصص التعبير كانت متفوقة دائمًا في الكتابة والمشاركة.
وأشارت إلى أنه في البداية كانت لها كتابات طفولية في المرحلة الابتدائية نثرية، أما الشعر فبدأت بوادره في الثالث عشر من عمرها.
فاجتمع الحبان الوطن والعربية لصوغ الشعري الوطني، وتابعت الحنفي حديثها: “وأحببت الوطن من محبتي لوالدي، حتى أني لم أكن أعرف الكثير عنه، فقد كانت المشاعر المتأججة لدي كفيلة بأن تُصدر مني شعرًا وطنيًا، سيما مع ما كنت أتابعه من أخبار في ذلك الوقت من طفولتي، حيث لم يكن الإعلام كما حاله اليوم”.
في بداية كتاباتها لم تكن تفكر بأن تنظم الشعر كوسيلة للدفاع عن الوطن، لكن كانت تطلع زملائها في المدرسة وأساتذتها على ذلك، وكان هذا الأمر يحفزهم ليكون لديهم حس وطني، خاصة أن ثمة تقصيرا في تربية أجيال اللاجئين تربية وطنية كما ينبغي أن يكون، مضيفة: “أما لاحقًا فاعتقادي أن القصيدة هي وقود
الثورة البارد، فكم من قصيدة أو عبارة أو كلمة حركت الجماهير وحفزتهم، فالشعر هو منبر إعلامي مهم لقضايانا الوطنية، خاصة أنه يتوجه لعموم الناس التي تمل من حديث السياسة أو لا تفقهه، فتجد في الشعر ضالتها”.
ولذلك فهي تكتب للناس ولأحباب الوطن، وليس للشعراء أو النقاد، مع تقديرها لهم، “فأكتب لأكون صوت الناس”، فأحبت الوطن لقيمته الأرضية والسماوية، وزرعت فلسطين في نفسها وكبرت على حبها، وخاصة القدس، فقد كانت أولى كتاباتها الوطنية للمسجد الأقصى في خاطرة من 4 صفحات.
وبينت الحنفي أن الشعر يفرض نفسه، ولا خيار فيه إلا ما ندر، فهو عاطفة تجتاح الوجدان، إما حبًا أو حزنًا أو غضبًا، متأثرة بالحدث، “بالطبع لدي تنوع في الشعر، ولكن الشعر الوطني تحديدًا لا يستأذن، فيأتي هكذا فيض الخاطر والروح، واللحم والدم أيضًا، لأن كل الجوارح تنطق به”.
ولكن هل تري أنه بكتابتك للشعر تكملي مسيرة والدك الوطنية؟ فأجابت: “لا أستطيع أن أقارن، فالوطن لا يحتاج منا لمقطوعة الشعر، قدر ما يحتاج إلى عمل في الميدان، سواء في الجهاد بالنفس لمن استطاع، أو في خدمة الوطن وأبنائه في الداخل والشتات، بما لديه من ملكات وقدرات.. الوطن يحتاج منا الكثير، وربما أخدم وطني في مجالات أخرى، كالتعريف به، وتعليم الصغار عنه، وبتأليف الكتب”.
ومع ذلك تعتز بأن يخط قلمها شعرًا في حب الوطن، ويتشرف بأن يكتب للقدس ومرابطيها ومرابطاتها، واستكملت الحنفي حديثها: “لكن ما أستطيع أن أقوله لوالدي أني على نهجك في حب الوطن، وأسأل الله تعالى أن يقدرني أن أقدم له ما تفخر به بابنتك”.
ونوهت إلى أنه ليس فقط الشعر هو ما تكتب، بل أيضًا المقالات والخواطر، والنصوص النثرية، بالإضافة إلى المؤلفات التربوية أو التعليمية أو المقدسية، والإشراف على تأليف الكتب المقدسية للأطفال وتحريرها، وأخرى تعنى بتاريخ القدس وأدبها، فلديها عدة إصدارات لدواوين شعرية ومؤلفات.
شعر الرباط
فالأقصى له النصيب الأكبر في كتاباتها الشعرية، فهي تعمل على بذل قلمها للكتابة شعرًا عن المرابطات، وعن القدس وبطولات أهلها، وأطلقت على ذلك اسم (أدب الرباط)، أملًا في أن يصبح صنفًا أدبيا يحتذى به، تقديرًا منها لهذه الثلة المباركة، وإضاءة على بطولاتها بكل أصناف الأدب المتاحة.
وقالت الحنفي: “لقد بعثت مرابطات الأقصى في نفسي الشيء الكثير، وكذلك بحكم اهتمامي بمتابعة أخبار القدس يوميًا، والاطلاع على معاناة أهلها جراء الاحتلال، ومعاناة المصلين الذين يضيق عليهم الاحتلال في المسجد الأقصى، فقد أصبحت جل كتاباتي الشعرية للقدس ومرابطيها”.
وأوضحت أنه بدأ الاهتمام بشعر الرباط عام 2015، وكانت شديدة التأثر بما يجري للمرابطات من إبعاد واضطهاد، وبذات الوقت ترى كيف أثرن بالفتيات في المشرق والمغرب، فكان الشعر نافذة للإضاءة على هذه الحالة النادرة التي برزت في أمتنا في ظل هذا التقاعس العالمي.
وترى أن من واجبها ألا يسكت قلمها في سبيل الله والوطن، وكانت في فترة أحجمت عن كتابة الشعر الوطني تأثرًا بحال الأوطان، فمنذ احتلال العراق والعواصم العربية تسقط واحدة تلو الأخرى، “والشاعر بطبيعته إنسان حساس جدًا، وقد يذهب به الحزن إلى العزلة أو إلى الانفجار الشعري”.
وقد تم منحها لقب شاعرة الرباط أو المرابطات، من قبل المرابطات المقدسيات كأمثال خديجة خويص وهنادي الحلواني، ولقبت أيضًا بشاعرة الأقصى وشاعرة القائمة الذهبية.
ولكن بعدما اشتعلت جذوة الشعر مجددًا “فكانت لقدسي الحبيبة أول من تطيب بها قلمي، خاصة المرابطات فهم صفحة مشرقة في تاريخ الأمة، لقد أخذن على عاتقهن الدفاع عن مسرى نبينا في وقت تقاعس فيه الرجال، فكنّ في الواجهة في فترة اقتحامات المستوطنين الصهاينة للأقصى، وتعرضن للأذى والتنكيل والاعتقال، ولكن ذلك لم يثنهن عن المثابرة، حتى أوجعن الاحتلال”، وفق قولها.
ثمة عقبات واجهتها، تتمثل أن في نفسها الكثير مما تريد كتابته، لكن المشاغل أكثر من الأوقات، والشعر يحتاج لصفاء ذهني، لذلك فإن المخزون الداخلي أكثر من المكتوب، وفيما يتعلق بمجال النشر، فليست الفرص دائمًا متاحة للنشر، سيما في موضوع الشعر، لأننا غالبا نصطدم بمشكلات مع دور النشر في مجال
التسويق أو حفظ الحقوق للشاعر، وفي مجال الإنشاد، فقد تم إنشاد العديد من النصوص من قصائدها، “وغالبًا ما كان يتواصل معي بعض المنشدين لكتابة نصوص، لكنهم لاحقا يحجمون عن انشادها رغم ما تتطلبه مني من تعب -فالنص الإنشادي أصعب من النص الذي يكتب بشكل شخصي فيض الخاطر- ناهيكم عن أني اعرض نصوصي للإنشاد من أجل أن تصل الكلمة بقالب فني جميل”.
ولفتت الحنفي إلى أن غالبًا ما يعتذر بعض المنشدين لأنه يطمح أن يصدر أنشودته على شكل كليب، ولذلك ينتظر جهة تدعمه لإطلاقه، بينما لو اكتفى بإطلاق انشودة صوتية لأثمر عملًا جديدًا.. هذه عقبة كبيرة تلاحظها فتسببت في خفض عدد الأناشيد مقارنة بالحقب الماضية رغم كثرة المنشدين.
وتطمح أن تطبع ما لديها من دواوين، وأن تصل إلى من يحبون قراءته، وأن تحقق فارقا في مجال القصيدة الإنشادية، وحاليًا بصدد جمع قصائد الرباط التي كتبتها خلال السنوات الثلاث الماضية.
فلسطين أون لاين