مسيرة العودة الكبرى في غزة: رسائل وتحديات

تاريخ الإضافة الإثنين 2 نيسان 2018 - 11:31 م    عدد الزيارات 2307    التعليقات 0    القسم شؤون المقدسيين، أبرز الأخبار

        


بقلم: هشام يعقوب - صحيفة فلسطين

ليست "مسيرة العودة الكبرى" المقرر تنظيمها في قطاع غزة في 30 آذار/مارس الجاري حدثًا عاديًّا، أو فعالية فلكلوريّة تنتهي عند حدود شكلها التنظيميّ، بل هي محطة تعجّ بالكثير من الرسائل لأطراف عديدة في هذه المرحلة الخطيرة التي تمرّ بها قضية فلسطين، وفي هذه الظروف القاسية التي يمرّ بها قطاع غزة المحاصر منذ نحو اثنتي عشرة سنة.

ثلاثة أطراف رئيسة ستلتقط رسائل هذه المسيرة مباشرة، هي: الاحتلال الإسرائيليّ، والسلطة الفلسطينية، ومصر، فيما ستطال رسائل أخرى جهاتٍ إقليمية ودولية لها يد في ما يجري على الساحة الفلسطينية. الاحتلال الإسرائيلي أكثر الأطراف توجسًا من أن تتطورَ الأمور من مسيرة إلى انفجار في وجهه، وهو يتعامل بمنتهى الجدية مع مختلف الاحتمالات، وقد ألغى الجيش الإسرائيلي إجازات الفصح لعدد كبير من جنوده تحسبًا لأيّ تصعيد إثر المسيرة. وحسنًا فعلت الفصائل والقوى الفلسطينية في غزة حين ركزت في خطابها على أنّ رسائل هذه المسيرة موجهة إلى الاحتلال، ولكنّ حرصها على الدبلوماسية، وسعيها إلى عدم فتح جبهات مباشرة مع غير الاحتلال لن يمنعا السلطة الفلسطينية، ومصر من قراءة الرسائل الموجهة لهما؛ فالسلطة الفلسطينية شريكة في تشديد الحصار على غزة حسب تصريحات جُلّ الفصائل والقوى في غزة، وهي تعوّل على المصالحة لتكون بوابة لاستعادة سيطرتها الكاملة والشاملة على القطاع، ويشمل ذلك ممارسة الضغوط، وخلق المشاكل لوضع المقاومة وسلاحها في زاوية الاتهام بحيث يبدو سلاح المقاومة عقبة أمام تمكين الحكومة من ممارسة سلطتها الأمنية، وينتقل هذا السلاح من مربع الإجماع إلى مربع الاختلاف والتنازع على شرعية بقائه بيد الفصائل المسلحة، وكل ذلك لأهداف تتساوق ومخططات تصفية قضية فلسطين. وعليه، سيخرج أهل غزة في "مسيرة العودة الكبرى" ليحذروا السلطة من مغبّة مشاركتها في حصارهم، والسعي إلى نزع سلاح المقاومة الذي دافع عنهم في كل الحروب السابقة مع العدو الصهيوني، وللقول بأنّ سلوك السلطة هذا سيدفع الفصائل والقوى في غزة إلى اتخاذ إجراءات تحمي غزة، وتخفف عن أهلها بعيدًا من السلطة وحكومتها التي تتملص من القيام بمسؤولياتها بذريعة "عدم التمكين" لها في غزة. 

أما مصر فستقرأ في هذه المسيرة رسائل ترفض أي محاولة مصرية لفرض حلول جائرة على الفلسطينيين في سياق ما يسمى "صفقة القرن"، وتؤكد أنّ مصر أمام اختبار المصداقية في الضغط من أجل تنفيذ بنود المصالحة التي رعتها، وأنه لا يمكن التلطي وراء الحجج الأمنية في سيناء، أو التذرع بضرورة إنجاز المصالحة قبل كل شيء بهدف استمرار إغلاق معبر رفح وإحكام الحصار على غزة.

وفي ظلّ هذه الرسائل المتعددة للجهات المختلفة يتبادر إلى الذهن سؤال عن كيفية استغلال هذه الجهات لـ "مسيرة العودة الكبرى". يبدو أنّ السلطة الفلسطينية تدفع باتجاه مواجهة قوية وتصعيد كبير بين الاحتلال والمقاومة في غزة بهدف مزيد من الضغط على البيئة الحاضنة للمقاومة، وإنهاك المقاومة بحرب تستنزفها مع العدو الإسرائيليّ، ومن أجل إيصال رسائل لأمريكا وللاحتلال وغيرهما بأنّ البديل عن السلطة وخيارها في المفاوضات هو الحرب و"العنف"، وربما تعوّل السلطة على أي حرب قادمة بأن تسهم في فرض سيطرتها الكلية على غزة كجزء من حزمة شروط لإيقاف الحرب على غرار ما جرى في حرب لبنان عام 2006 حين أجبِر حزب الله على الموافقة على انتشار الجيش الللبناني في الجنوب، ومنع أي ظهور مسلح له في جنوب الليطانيّ حتى الحدود الجنوبية للبنان.

أما مصر الراغبة بحل قضية فلسطين وفق "صفقة القرن" فإنها مترددة بين موقفين: الأول هو الدفع باتجاه تصعيد يضعف المقاومة التي تقف حجر عثرة في وجه "صفقة القرن"، والثاني هو الخوف من حل قضية فلسطين على حساب أمنها وأراضيها، باختصار هي تريد "صفقة القرن" بعيدًا منها. 

أما الاحتلال - وهنا بيت القصيد - فهو لا يرغب بمواجهة شاملة مع المقاومة في غزة، ولكنه في الوقت ذاته لن يتردد في إيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء والجرحى بين صفوف المشاركين في المسيرة بهدف كيِّ وعي الجماهير، ورفع كلفة تحركاتهم الشعبية، ومنعهم من الاقتراب من منطقة الحدود، وهذا الأمر يجب أن توليه الجهات المنظمة للمسيرة اهتمامًا كبيرًا لأنّ الاحتلال يترصّد الفرص للانقضاض على الحاضنة الجماهيرية للمقاومة عبر تدفيعها ثمن تساوقها مع خيار المقاومة، ومشاركتها في فعالياتها باستمرار وزخم؛ فالاحتلال الذي لا يستطيع النَّيْل من رأس المقاومة، لن يألوَ جهدًا في سبيل ضرب حاضنتها، أو دفعها إلى مستنقع الإحباط وعدم الثقة بما تقوم به المقاومة، أو إقناعها بأن ضريبة التفافها حول المقاومة غالية جدًّا حيث سيكون لزامًا عليها أن تكون مستعدة لدفع فاتورة تمسكها بالمقاومة دماء وأرواحًا وجرحى.

أمام هذه الصورة، فإنّ الفصائل والقوى الفلسطينية في قطاع غزة معنية بإعداد خطة محكمة لتنظيم "مسيرة العودة الكبرى" التي ستبدأ في 30 آذار/مارس الجاري وتستمر لتصل ذروتها في منتصف أيار/مايو تزامنًا مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، ومع احتمال اتخاذ ترمب قرارًا فعليًّا بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة. ولا بد من الإجابة على التساؤلات الآتية كتمهيد لإعداد هذه الخطة:

1. كيف نفوّت على الاحتلال فرصة رفع كلفة المسيرة من شهداء وجرحى بلا مقابل؟ وما هي المكاسب المتوقعة من المسيرة فلسطينيًّا؟ وهنا أذكّر بمسيرة العودة في أيار/مايو 2011 إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية حيث ارتقى نحو ستة شهداء فلسطينيين برصاص جنود الاحتلال، والواقع أنّ الإحباط كان سيد الموقف بعد انقضاء موجة التفاعل في جنازات الشهداء حيث عجزت الجهات المنظمة عن تقديم إجابات واضحة عن أسئلة: لماذا ذهبنا إلى الحدود؟ وماذا جنينا؟ ولماذا استشهد أولادنا بلا ثمن؟ ولماذا ندفع الأثمان الباهظة ولا نحسن قطف الثمار؟ ولا يعني طرح هذه الأسئلة أن هناك من يشكك بمكانة الشهادة لدى الفلسطينيين، أو بنُبل أهداف منظمي المسيرة آنذاك، بل هي تساؤلات تبحث عن الجدوى.

2. كيف يمكن أن تنجح المسيرة في إرسال رسائلها السياسية والإنسانية بعيدًا من أي توظيف حزبي ضيّق، أو اصطياد بالماء العكر يهدف إلى حرف المسيرة عن مسارها؟

3. كيف يمكن ضبط الحشود الضخمة بما يمنع أي خلل يعطي للاحتلال ذريعة للاعتداء على المشاركين واستهدافهم؟

تمتلك "مسيرة العودة الكبرى" عناصر قوة جيدة، أهمها الإجماع الفصائلي والشعبي على أهمية تنظيمها في هذا التوقيت، والقدرة الأمنية والتنظيمية العالية للفصائل في غزة، وفعالية الجماهير الغزاوية في المناسبات الوطنية المشابهة، ولكنّ التحديات في وجه إمكانية تحقيق أهدافها، ومنع استغلالها على غير هوى أهل غزة وأحرار فلسطين كبيرة، وفي مقدمة هذه التحديات هو ضرورة تحقيق مكاسب تقنع الجماهير بأن تضحياتهم لم تذهب سدى.

 

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »

علي ابراهيم

لنصنع جيلاً متعلقاً بالقدس و«الأقصى»

الخميس 6 حزيران 2024 - 3:02 م

شكلت الاعتصامات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، والغرب بشكل عام، ظاهرة جديدة في التضامن مع فلسطين، وانضمام شريحة جديدة للتفاعل مع قضية فلسطين، ورفض العدوان المستمر على القطاع. وفي سياق ال… تتمة »