الحالة الشعبية في القدس – هل نحن أمام مخاض جديد؟



كمال الجعبري - خاص موقع مدينة القدس

 

مع انتهاء حظر التجوال الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس المحتلة، الذي تم فرضه في 31 كانون أول 2020، وامتد إلى 1 شباط 2021، بدأت ملامح استعادة الحالة الشعبية في القدس بالظهور للعيان، فمع استمرار تسجيل نقاط الاشتباك والمواجهة في عددٍ من مناطق القدس، مثل العيساوية والطور، شهد الأسبوع الماضي انطلاق حملتين شعبيتين في القدس، وهما حملة (المقدسي من تسكنه القدس) لدعم تجار البلدة القديمة المتضررين من إغلاقات الاحتلال الإسرائيلي، وسياساته، وفي ذات السياق، شهد المسجد الأقصى المبارك عودةً للمشاركة الشعبية من المقدسيين وفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 في حملة (الفجر العظيم)، فأين يمكن قراءة هذه التطورات في سياق المشهد الفلسطيني الحالي؟

 

 

القدس بين وباءين

 

كان العام 2020 من أصعب الأعوام التي مرت بالقدس، منذ عشرات السنين، فبعد أنّ بدأ العام الماضي بانطلاقة حملة (الفجر العظيم) التي مثلت عودةً لتعافي الحالة الشعبية المدافعة عن المسجد الأقصى المبارك، حل وباء فايروس (كورونا) ضيفاً ثقيلاً على العالم، ولكنّ وقع هذا الوباء كان أشدّ وقعاً على الفلسطينيين بشكل عام، والمقدسيين بشكلٍ خاص، إذ استغلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الوباء، والحالة الوبائية في الأرض المحتلة، للتصعيد من إجراءاتها الاحتلالية والتهويدية تجاه القدس وأهلها، وتمثلت تلك الإجراءات والسياسات ب3 أفعالٍ على الأرض، وهي: محاولة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، واستهداف القطاعات الاقتصادية في القدس، وبالأخص، القطاع التجاري، والتصعيد من سياسة هدم المنازل، وإقرار المزيد من المشاريع الاستيطانية والتهويدية، يقول أيمن زيدان، نائب المدير العام لمؤسسة القدس الدولية معقباً على تلك السياسات الاحتلالية: " يراهن الاحتلال على استثمار جائحة كورونا في تنفيذ بعض المخططات التهويدية، والتقدم في التقسيم المكاني وشرعنة الصلوات التلمودية، وتكثيف عمليات الهدم والاستيطان، لخلق وقائع لا يمكن تغييرها بسهولة مع تراجع الجائحة وعودة الناس وتجدد تواصلهم مع القدس والمسجد الأقصى ".

 

 

تراجع الحالة الشعبية في القدس واستمرار بؤر المواجهة

 

مرت القدس، في الفترة بين شهري آذار وحزيران من العام 2020، بإغلاقٍ مستمرٍ بسبب تفشي فايروس (كورونا) المستجد في العالم، وسعي الاحتلال لتوظيف تلك الظروف في سبيل مزيدٍ من المُضيّ في إجراءاته التهويدية تجاه القدس، فتوقفت حملة الفجر العظيم، وطبّق الاحتلال الإسرائيلي سياسات الاستهداف والتضييق على تجار القدس، والقوى العاملة فيها، وعلى صعيد تهويد المسجد الأقصى المبارك، صعّد الاحتلال من محاولاته تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وضرب الدور الأردني في إدارته، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت المواجهات والتصديّ للاحتلال الإسرائيلي في عددٍ من مناطق القدس، مثل: العيساوية، والطور، وسلوان، وفي ذات الوقت حاولت الفعاليات الشعبية في القدس، كسر إغلاق المسجد الأقصى، خلال شهر رمضان المبارك، من العام 2020، إذ بدا واضحاً أنّ شرطة الاحتلال الإسرائيلي تتحكم بوقت وملف إغلاق المسجد الأقصى المبارك، لتكون حملة (افتحوا الأقصى) الحملة الشعبية الأولى، أو المحاولة الأولى في سبيل استعادة العافية للحراك الجماهيري في القدس، بعد أن تناوشتها سهام فايروسيّ: الاحتلال و(الكورونا).

 

 

المقدسي من تسكنه القدس

 

استخدم مضمون (المقدسي من تسكنه القدس) وبرز استعماله، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مواسم التصعيدٍ المرتبطة بالمسجد الأقصى، وتفاعلت معه الشعوب العربية والإسلامية،. يتحدث محمد الصادق، مدير مركز القدس للإعلام، والصحافي المقدسي عن مفهوم (المقدسي من تسكنه القدس): قائلاً: " المقدسي من تسكنه القدس، عنوانٌ كبيرٌ يخص كل مسلم والمقصود بها أيّ شخص يسكن في أيِّ بقعةٍ من العالم، في أي دولة كان قريب أم بعيد، يهتم في القدس ويتابع أمور القدس، ويريد تحرير القدس، فهو مقدسي ".

 

 

وبالعودة إلى الهدف الحالي للحملة التي انطلقت منذ حوالي أسبوع في القدس المحتلة، فإنها تهدف بشكلٍ مباشرٍ إلى مساندة تجارة البلدة القديمة للقدس، دعماً لصمودهم، فالتجارة عصب الحياة في بلدة القدس القديمة، وعند إطلاق هذه الحملة فإنّ ذلك يعني أن يتم تثبيت جذور المقدسيين في محلاتهم التجارية، يقول محمد الصادق: " العديد من تجار القدس عرضت عليهم شيكات مفتوحة من الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية، من أجل ترك محلاتهم، ورفضوا كل تلك الإغراءات، التي تصاعدت في ظل الإغلاقات الإسرائيلية للقدس تذرعاً بفايروس (كورونا)، وقدّ مر ما يقرب العام والبلدة القديمة مغلقة بذريعة فايروس (كورونا) "، أما أيمن زيدان فيتحدث بعمقٍ عن أسباب وظروف ولادة الحملات على غرار حملة (المقدسي من تسكنه القدس): " هذه الحملات وغيرها تؤكد على القدرات الذاتية للمجتمع المقدسي على الصمود وخلق مساحة للفعل والأمل في كل المحطات رغم عدم وجود تركيبة تنظيمية متماسكة للفعل الميداني إلا أننا وباستمرار نجد حالة ميدانية تنظم نفسها بشكل ديناميكي وسريع، تتصدى للمحتل وتلبي كافة الحاجات اللوجستية ".

 

 

الفجر العظيم عودٌ على بدء

 

شهد يوم الجمعة، 12 شباط 2021، عودةً للدعوات لإعادة إحياء الفجر العظيم في المسجد الأقصى المبارك، والتي لبتها الجماهير الفلسطينية في القدس، والداخل المحتل، مما يجعل سؤال استمرارية حملة الفجر العظيم وديمومتها تعود للواجهة، إذ تأتي الحملة وعودتها، بعد سلسلةٍ من الإغلاقات المتقطعة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على القدس، منذ آذار 2020، ويعود الفجر العظيم اليوم، مع مظاهر أخرى من الحيوية الشعبية في القدس، من حملاتٍ شعبيةٍ تضامنية، وتجددُ لنقاط المواجهة في الطور والعيساوية، وعن تلك الروح التي لا تلبث أن تسري في جسد الحالة الشعبية المقدسية، بعد كل نكسةٍ تمر بها، يتحدث أيمن زيدان: " إنّ عمق الانتماء إلى القدس والمسجد الأقصى، وعمق التضامن بين أبناء الشعب الفلسطيني، خصوصا بين أبناء الداخل الفلسطيني وأهل القدس، هذا الشعور يفصح عن نفسه باستمرار، الحالة الشعبية في القدس والداخل والضفة قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة، وتمتلك القدرة على الإبداع والتفكير الخلاق في الظروف الصعبة، خصوصا التي يتعرض فيها المسجد الأقصى المبارك للخطر "، ويتابع الحديث محمد الصادق، الذي يشير إلى أنّ عودة حملة الفجر العظيم تعني بشكلٍ مباشرٍ عودة التعافي للحالة الشعبية المقدسية، ويتابع الصادق: " سوف تترافق مع تلك العودة، عودةٌ لمختلف جوانب الفعاليات الشعبية، والحراك الشعبي، في القدس المحتلة، وستشتد المواجهة في مدينة القدس، وسيحاول الاحتلال من جانبه أنّ يدفع المستوطنين للتكثيف من اقتحاماتهم، وتدنيسهم للمسجد الأقصى المبارك، مما يتطلب همةً أكبر من المقدسيين بالتصدي للعدوان المتوقع على المسجد الأقصى المبارك ".

 

 

2021 عامٌ حاسم في مسيرة الحالة الشعبية في القدس

 

يحل العام 2021، على القدس، وعلى فلسطين المحتلة بشكلٍ عام، وهي تمرُ بظروفٍ استثنائية، فالاستهداف الإسرائيلي متصاعدٌ للقدس، ويتمد إلى عدة قطاعات أبرزها قطاع السكان، إذ شهد العام 2020 هدم سلطات الإسرائيلية ل193 منشأةً في القدس، في رقمٍ لم يسجل مثله منذ عدة سنوات، ولا يزال الاحتلال مستمراً في تطبيق سياسة الهدم بحق بيوت المقدسيين، وعقاراتهم، وفي ذات الوقت لا تزال المقاومةُ الشعبية مشتعلةً في القدس، ب 477 نقطة مواجهة مع الاحتلال، خلال العام 2020، ولا تزال بؤر المقاومة متجددةٍ في القدس المحتلة، يقول محمد الصادق: " نحن في العام 2021، سنكون أمام وضع معقد جداً في المسجد الأقصى المبارك، وحالةٌ شعبيةٌ متصاعدة في القدس، وبتوقعاتي، ستساند الحالة الشعبية في القدس، بؤرٌ للمقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالتزامن من حالة شعبية داعمة للحراك الشعبي في القدس، من الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، ومن مختلف الدول العربية والإسلامية، وسيكون المسجد الأقصى عنواناً مركزياً للمواجهة، إذ أنّ الاحتلال الإسرائيلي سيسعى بكل جهده خلال هذا العام لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وفرض السيطرة على المسجد الأقصى، أو إحراز أيّ تقدم في ذلك في أي مكان أو زمان يستطيع خلاله ذلك، مسابقاً بذلك الزمن"، واليوم يرى الاحتلال الإسرائيلي إنّه قد تأخر كثيراً، وهو محمولٌ بهزائم عدى قد مُنيّ بها خلال معركة الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ومن أبرزها، الهزيمة التي مُنيّ بها خلال هبة باب الرحمة، قبل سنتين تقريباً، من الآن.

 

 

لا يتوقف العائق أمام مسار المقاومة الشعبية في القدس، وفلسطين المحتل، عند الاحتلال، وحسب، بل إنّ هناك عائقاً حقيقياً، يجب إدراكه وتجاوزه من قبل الحالة الشعبية في القدس، والأرض المحتلة، ألا وهو (أوسلو) وما أنتجه مساراها من حقائق على الأرض، يقول أيمن زيدان: " التخوف أنّ أوسلو أطرت التعامل مع المقاومة خصوصاً، عقب مشروع دايتون، إذ أن قيادة السلطة الفلسطينية لا تتبنى خيار المقاومة الشعبية كخيارٍ استراتيجي، ولا تعتبر العمل المقاوم رافعاً ومكملاً للمشروع السياسي، ولا توجد لها استراتيجية تدمج المقاومة الشعبية ومكتسباتها مع الجهد السياسي والدبلوماسي والقانوني".

 

ويتابع زيدان: " من زاوية أخرى فإنّ عدم الجدية هذه أو غياب الإرادة السياسية تفوت فرصة استثمار القرار الأخير المتعلق بملاحقة الاحتلال على جرائمه عبر محكمة الجنايات الدولية، بل أقل من ذلك لا يوجد لدى السلطة الفلسطينية جديّةٌ في استثمار حالة قيمية عالمية مناهضة للظلم والقمع والعدوان الذي  يمارسه الاحتلال صباح مساء، بشكل منظم ومنهجي وبنيوي، عبر أجهزته وقطعان مستوطنيه، تارةً بالقتل والاعدامات الميدانية، أو من خلال مصادرة الأراضي، وتفريغ السكان وقلع الأشجار، أو هدم البيوت، وإجبار المقدسيين على الهدم الذاتي، أو من خلال الاعتداء على الهوية وتدمير التراث من مقابر ومقامات وآثار، ناهيك عن جدار الفصل العنصري، واستمرار حصار غزة ". 

 

 

ويتابع زيدان: " تسعى سلطة أوسلو إلى نمذجة المقاومة الشعبية والتحكم بأدواتها ومواقعها الجغرافية وسقوفها، كونها لم تضعها في سياق استراتيجية وطنية تحررية، ومن المستبعد أن تكون لديها الإرادة على ربط المقاومة الشعبية، بمختلف أشكالها المختلفة، بالتصدي الجاد والفاعل لصفقة القرن وخطة الضم وتهويد القدس، وغيرها من مخططات الاحتلالوهذا يعتبر تحد لمسار المصالحة الحالي ومبعث قلق ".

 

وبالحديث عن أهمية المقاومة الشعبية في القدس، وما يميزها ويمنحها الديمومة يقول أيمن زيدان: " لا شك أن المقاومة حالة تراكمية تارة تأخذ الشكل الرمزي، وتارة تأخذ الشكل الدفاعي الذي يعبر، عن الصمود والتجذر وتارة تأخذ الطابع الهجومي المبادر الذي يردع المحتل ويربك حساباته، في كل الأحوال والظروف لا تتوقف المقاومة ولا تنضب الخيارات والبدائل للفعل والتحرك ".

 

 

رسالة من القدس إلى الحالة الشعبية العربية والإسلامية الداعمة لصمود المقدسيين

 

في هذه المنعطفات المهمة التي تمر بها القدس، وفلسطين، خلال العام 2021، يوجه محمد الصادق رسالةً إلى أبناء الأمتين العربية والإسلامية، بوصفه واحداً من أهل القدس، إلى الحالة الشعبية العربية والإسلامية الداعمة لصمود المقدسيين، ورباطهم، يؤكد خلالها على ضرورة وأهمية دورهم، وأثره فيما يجري في الميدان داخل القدس المحتلة، يقول الصادق: " حان وقتكم الآن، مجرد التظاهر، خروجكم في مظاهرات وسط عواصمكم هو دعم وإسناد للمقدسيين، فلا تستهينوا بأيّ عملٍ تقومون به من أجل القدس والمسجد الأقصى، وهذا الحراك العربي والإسلامي هو الرافعة، وبه يشعر المقدسيون أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك من يساندهم من العرب والمسلمين، مما يرفع من معنوياتهم، ويجعله يصمدون أكثر في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذات الوقت يرعب هذا الحراك الاحتلال"، فعندما يشاهد الاحتلال هذه الأعداد التي تخرج نصرةً للقدس، والمسجد الأقصى، فإنّه يعيد جميع حساباته، وقدّ يبدأ بالتفكير بالتراجع عن قرارته المختصة بتهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وخير مثالٍ على ذلك ما حدث في تموز 2017، في هبة باب الأسباط .

 

المصادر:

· مقابلة مع أيمن زيدان، نائب المدير العام لمؤسسة القدس الدولية، أُجريت عبر الهاتف، 13/2/2021.

· مقابلة مع محمد الصادق، صحفي مقدسي ومدير مركز القدس للإعلام، أُجريت عبر الهاتف، 15/2/2021.

· سلوانك – مركز معلومات وادي حلوة، حصاد القدس 2020، http://www.silwanic.net/index.php/article/news/78104/ar .

· فلسطين نت (شبكة فلسطين للحوار)، حصاد فلسطين 2020

http://palestine.paldf.net/Uploads/files/2021/hasad-2020.pdf

· مؤسسة القدس الدولية، تقدير موقف – القدس في 2020 (العام الثالث لمشروع التصفية)، بيروت، 2021، https://tinyurl.com/p6j7hfu5

علي ابراهيم

عام من "الطوفان" وما شجن في النفس والعالم!

الثلاثاء 8 تشرين الأول 2024 - 10:54 م

لو سألنا في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أيَّ خبير إستراتيجي أو محلل سياسي، عن التغييرات الكبرى في العالم، والصراعات القادمة فيه، لتحدث عن ملفات عديدة، ابتداء بالصراع الروسي والأوكراني، وتحجيم ا… تتمة »

منير شفيق

حرب التجويع

الثلاثاء 2 تموز 2024 - 10:40 ص

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم ال… تتمة »