جريمة على مشارف القدس القديمة: كيف يسعى الاحتلال إلى تهجير حيّي البستان والشيخ جراح؟
الخميس 18 آذار 2021 - 2:36 م 1355 0 أبرز الأخبار، شؤون المقدسيين، التفاعل مع القدس، شؤون مدينة القدس، تقرير وتحقيق |
براءة درزي - موقع مدينة القدس l حيّان مقدسيّان هما الشيخ جراح شمال البلدة القديمة، والبستان جنوبها، يواجهان اليوم حملة مسعورة يشنّها الاحتلال كجزء من سياسته القائمة على تهويد القدس وتعزيز الوجود الاستيطاني فيها. ويأخذ استهداف الحيّين منحىً خطيرًا مع سعي الاحتلال إلى تنفيذ مجزرة هدم وطرد جماعية على مشارف القدس القديمة، وتطويقها بأحزمة التهويد والاستيطان.
وفي الوقت الذي يكاد لا يمرّ يوم من دون أن يهدم منزل أو منشأة في القدس، فإنّ المجزرة التي يعمل الاحتلال من أجل تنفيذها ليست تفصيلاً يمكن غضّ الطرف عنه أو تجاهله، بل من شأنها أن تفتح مسارًا جديدًا في تنفيذ سياسة التهويد بعد توجيه ضربة قاصمة ضدّ صمود الأهالي ليس في هذين الحيين وحسب، بل في أحياء مقدسية أخرى يتهدّدها الاحتلال بالهدم والطرد والتهجير.
الشيخ جراح.. نكء الجراح وتجديد النكبة
سبع عائلات تواجه خطر الإخلاء والتهجير من منازلها التي تسكنها منذ عقود في حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة في القدس المحتلّة بعدما رفضت المحكمة المركزية للاحتلال استئنافًا مقدّمًا من العائلات ضدّ قرار الإخلاء الصادر بحقّهم عن محكمة الصلح. وبعد رفض الاستئناف، بات على عائلات سكافي، والكرد، والجاعوني، والقاسم إخلاء منازلهم في الشيخ جراح في موعد أقصاه أوائل أيار/مايو القادم، وعائلات الداوودي، وحماد، والدجاني حتى شهر آب/أغسطس. وتستعدّ العائلات لاستئناف قرار المحكمة المركزية أمام المحكمة العليا، كآخر خطوة في المسار القانوني في هذا الملف.
لم يثنِ المحكمة المركزية عن قرارها التظاهرات والوقفات التي نظمها أهالي حي الشيخ جراح وناشطون ومتضامنون، وجاء قرارها بعد سنوات من المعارك القانونية التي خاضتها العائلات لتمنع إخلاءها من منازلها، كجزء من مخطط يستهدف 28 عائلة في الحي نفسه يشكلون ما مجموعة قرابة 550 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال. وقد سكنوا في الحي بموجب اتفاق بين وزارة التعمير الأردنية والأونروا عام 1956، في إطار محاولة استيعاب اللاجئين الذين هجّرهم الصهاينة من أراضيهم ومنازلهم عام 1948.
وقد طالب أهالي الحي الحكومة الأردنية بتوفير الوثائق اللازمة لإنقاذ حي الشيخ جراح من الاستيطان وأهاليه من التشريد مشيرين إلى أنّ الاتفاقية بين وزارة التعمير والأهالي التي تقضي بنقل ملكية الأرض إليهم بعد ثلاث سنوات من تأجيرها ليست موقّعة أو مختومة، ولذلك ترفض محكمة الاحتلال الاعتراف بها.
وفيما قالت الخارجية الأردنية إنّ الأردن سلّم الجانب كل الوثائق التي لديه منذ عام 1956 للسفارة الفلسطينية بعد تلقي طلبها عام 2019؛ أشارت الخارجية الفلسطينية في بيان في 2021/3/13، إلى وجود تعاون مع دولة فلسطين منذ زمن طويل لمتابعة قضية حي الشيخ جراح، سواء من خلال الاتصالات واللقاءات المباشرة بين وزيري خارجية البلدين، أو من خلال سفارتيهما، وأضاف البيان أنّ "المملكة قدّمت الوثائق الخاصة بعدد من العائلات، وجارٍ العمل على تأمين وثائق أخرى، علمًا بأنه ليس من السهل توفيرها لأنها تعود إلى حقبة سابقة من الزمن، ما يضطر الجهات الرسمية الأردنية لبذل جهود كبيرة لإيجادها وتوفيرها لنا، بما يساعد صمود العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح".
حي البستان في مواجهة الهدم والتشريد
إلى الجنوب من البلدة القديمة حيّ آخر يواجه مخطّطًا للهدم والتشريد، فقد أبلغت بلدية الاحتلال في القدس أهالي حي البستان بنيّتها هدم منازل الحي تمهيدًا لبناء حديقة توراتيّة. وقال الناطق باسم لجنة الدفاع عن حي البستان وسلوان فخري أبو دياب إن بلدية الاحتلال تنصّلت من اتفاقياتها مع الأهالي، وترفض المخططات الهندسية التي طلبتها منهم كمخطط بديل عن الهدم، ولفت أبو دياب إلى أن محكمة الاحتلال أوقفت ورفضت تمديد تجميد أوامر الهدم التي كانت أصدرتها قبل سنوات لمنازل حي البستان، الأمر الذي يفتح الباب لهدم أكثر من 100 مبنى ومنزل يقطنها مئات المقدسيين. وأوضح أبو دياب أن بلدية الاحتلال أبلغت محامي حي البستان ولجنة الدفاع، بتنصلها من الاتفاقيات وقف الهدم، وأنها ستهدم منازل الحي كافة، لإقامة ما تسميه "حديقة وطنية توراتية".
وتسعى بلدية الاحتلال منذ سنوات لهدم مئات الوحدات السكنية في حيّ البستان، وتحويله إلى "حديقة الملك" لمصلحة مشاريع ومخططات تهويدية، لكنّها أجبرت على تأجيل مخطط الهدم مرات عدّة بسبب الضغط الشعبي والجماهيري، وكذلك الحراك القانوني.
وحيّ البستان هو أحد أحياء سلوان المهدّدة بالهدم لمصلحة إقامة حدائق توراتية، إلى جانب حيي وادي ياصول ووادي الربابة. وبلدة سلوان هي الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى ويسعى الاحتلال إلى تهويدها والسيطرة عليها، وقد استولى مستوطنون، بتسهيل من سلطات الاحتلال، على عدد من منازل المقدسيين في سلوان بعدما طردوا أهلها لإقامة بؤر استيطانية في البلدة.
مواقف رافضة
عبرّ الاتحاد الأوروبي، في 2021/3/16، عن قلقه إزاء قرار التهجير من حي الشيخ جراح، وقال ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين سفين كون فون بورغسدورف، في رسالة جوابية بعثها إلى وزير شؤون القدس فادي الهدمي، إنّ "قرارات الإخلاء تطوّر مثير للقلق ويعرض المزيد من العائلات الفلسطينية لخطر الإخلاء". وكان الوزير الهدمي وجه رسالة إلى بورغسدورف حذّر فيها من أن "العديد من العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح تواجه خطر الإخلاء الوشيك، بعدما قررت المحاكم الصهيونية الشهر الماضي إخلاء 7 عائلات من منازلها".
وقال الهدمي في رسالته: "تواجه 12 عائلة في الشيخ جراح خطر الإخلاء الوشيك، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من عمليات الإخلاء في المستقبل"، مشيرًا إلى أن "المزيد من العائلات تواجه المخاطر نفسها في حيّ بطن الهوى في سلوان.
وفي 2021/3/17، زار الشيخ جراح وفد دبلوماسي ضمّ ممثلين عن مؤسسات دولية وقناصل وبعثات أوروبية، واطلع على خطورة الوضع.
وطالبت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات المنظمات والهيئات الأممية والدولية، وجامعة الدول العربية، بالتدخل العاجل للضغط على حكومة الاحتلال لإيقاف المجزرة التي تنوي ارتكابها بحق أهالي حي الشيخ جراح، وأكدت أن هذا التدخل يجب أن يتحول إلى تحرك فعلي على أرض الواقع، وممارسة هذه المؤسسات والمنظمات الدولية دورها الطبيعي ضمن القانون الدولي الإنساني لشعب يعيش تحت الاحتلال.
حملات شعبية ودعوات للتضامن في وجه قرارات الهدم والتهجير
أطلق نشطاء مساء الإثنين 2021/3/15 حملة إلكترونية تحت وسم "أنقذوا حي الشيخ جراح" بهدف تأكيد حقّ المقدسيين في منازلهم، وتسليط الضوء على مخططات الاحتلال وإحباط جريمته قبل أن يتمكّن من تنفيذها. ووفق الشابة المقدسية منى الكرد التي تسكن الحي مع عائلتها المهدّدة بالتهجير، "إن استولوا على منازلنا في الشيخ جراح، سيُواصلون الاستيلاء على البيوت في كافة الأحياء المقدسية، حتى لا يبقى أي بيت فلسطيني في القدس". وسجّلت الحملة تفاعلًا كبيرًا، لا سيما في الأردن وفلسطين، في الساعات الأولى لانطلاقها.
كذلك، وجّهت دعوات مقدسية إلى أداء صلاة الجمعة في خيمة التضامن في حي البستان وإلى تنفيذ وقفة في حي الشيخ جراح في 2021/3/19 رفضًا لقرارات الهدم والإخلاء.