موقع مدينة القدس l  مع طلوع شمس الخميس 2021/4/8، انجلى المشهد في الحارة الوسطى في سلوان عن أعلام إسرائيلية نصبت على شرفات عدد من المنازل التي استولى عليها مستوطنون بعد عملية تسريب جديدة طالت ثلاث بنايات وعقارًا في الحيّ.

يأتي هذا التسريب ليرفد الوجود الاستيطاني في سلوان في وقت يهدّد فيه الاحتلال أهالي حي البستان في البلدة بتهجيرهم من منازلهم وهدمها لمصلحة مشاريع استيطانية. وتعدّ سلوان الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى ويبذل المستوطنون محاولات حثيثة لتعزيز وجودهم فيها، وتقود هذه المحاولات جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.

الاستيلاء على المباني تحت جنح الظلام

اقتحم قرابة 100 مستوطن بحماية قوات الاحتلال الحارة الوسطى في سلوان، فجر الخميس، برفقة آليات ومعدّات ومركبات.

واقتحم المستوطنون ثلاث بنايات سكنية، وشرعوا بوضع كاميرات مراقبة وحمايات حديدية للنوافذ، ورفعوا أعلام الاحتلال عليها، وفتحوا بابًا كبيرًا أسفل إحدى البنايات بواسطة آليات، ليتبيّن أنّ جمعية "عطيرت كوهانيم" استولت على ثلاث بنايات، تضم 15 شقة سكنيّة.

وحول ملكية العقارات المسربة، قال مركز معلومات وادي حلوة في سلوان، في بيان في 2021/4/8، إنّ بنايتين تعودان لعائلة عواد، وكلّ بناية مكونة من 4 طبقات، فيما تقول العائلة "التي تعيش في بناية ملاصقة"، إنّها باعت البنايتين قبل حوالي 4 أشهر إلى عبد الله الرشق ومحمود شوامرة، ولا علم لها بتسريبهما، وقالت عائلة عواد إنّ أحد بنود اتفاقية البيع ينصّ على "مراجعة عائلة عواد في أي عملية بيع مستقبلية وعدم البيع لليهود" ، والأوراق الخاصة بذلك موجودة عند المحامي.

أما البناية الثالثة، المكونة من 4 طبقات، فتعود ملكيتها لمصطفى أبو دياب.

وتعود مليكة قطعة الأرض، التي تبلغ مساحتها حوالي نصف دونم، لعائلة أبو صبيح، بحسب بيان مركز معلومات وادي حلوة.

وإحدى البنايات التي استولى عليها المستوطنون مهدّدة بالهدم من بلدية الاحتلال، ولكن عند استيلاء المستوطنين عليها يتم تجميد قرار الهدم، كما جرى في بناية "يوناثان" في حي بطن الهوى بسلوان.

ووضع المستوطنون غرفتين سكنيتين جاهزتين وسلالم حديدية في الأرض التي استولوا عليها، وتبلغ مساحتها 400 متر.

وعلّق نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس على عملية الاستيلاء في منشور على صفحته على فيسبوك بالقول: "كلّ الدعم والتقدير لأهالي ومتطوعي عطيرت كوهانيم لمهمّتهم المخلصة والناجحة في بناء القدس. هاجروا ونجحوا ووسّعوا أكثر فأكثر خيمة الاستيطان اليهودي في القدس".

مواقف رافضة وغاضبة

أثارت عملية التسريب غضبًا واسعًا في القدس، وأصدر رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري فتوى شرعية بشأن من يببيع العقارات والبيوت في القدس المحتلة لمستوطنين متطرفين وسماسرة يهود.

وقال الشيخ صبري، في فتواه: "إنّ بائع الأرض للجماعات اليهودية أو السماسرة، لا يُغسّل ولا يُكفّن ولا يُصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، وإن دمه يكون هدرا، ويجب مقاطعته لقول رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النّفس بالنفس، والثيّب الزاني، والمارق عن الدين التارك للجماعة".

وأكد النائب المقدسي محمد أبو طير أنّ تسريب العقارات في أمر خطير وكبير في حق القضية الفلسطينية وتاريخ المدينة المقدسة العريق وأهلها والمسجد الأقصى، وقال إنّه يأتي ضمن الإغراءات التي تقوم بها دولة الاحتلال عن طريق زبائنها وسماسرتها هنا وهناك. ووصف من قاموا بالتسريب بـ "السماسرة الذين باعوا دينهم ووطنيتهم، وتجردوا وخلعوا ثوب الحياء والرجولة والشهامة، ورخّصوا أنفسهم أمام هذا الأمر الكبير الذي لا تحتمل وزره الجبال". وأثنى الشيخ أبو طير على العائلات المقدسية التي أعلنت خلال بيانات رسمية براءتها من المسربين، لافتًا إلى أن هذه العائلات مرابطة وثابتة ومتمسكة بوطنها وأرضها وقدسها.

عائلات تتبرّأ من المتورّطين.. ونشطاء يغرّدون "القدس مش للبيع"

أعلنت مجالس أربع عائلات فلسطينية في القدس المحتلة براءتها التامة من أبنائها المتورطين بصفقة تسريب ثلاث بنايات سكنية وقطعة أرض في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، لعصابة عطيرة كوهانيم اليهودية المتطرفة.

وشملت إعلانات البراءة، عائلات أبو ذياب، وأبو صبيح، والشوامرة، والرشق.

وجاء في بيانات البراءة، التي صدرت بشكل منفرد، أنّ العائلات تعلم أن هذا الضرب من البيانات لا يقدم ولا يؤخر في مثل هذه الجرائم التي يندى لها الجبين، ولكنه الموقف الذي يوجبه علينا الدين والإنتماء لطهارة هذه البلاد المقدسة من إعلان البراءة من أمام الله ورسوله وكل مسلم غيور على أرضه وعرضه من المتورطين في هذه التسريبات.

وعقد مساء الخميس 2021/4/8، اجتماع شاركت فيه عائلات وحمائل من بلدة سلوان، وأكّد المشاركون "ضرورة مقاطعة مسربي العقارات للجمعيات الاستيطانية، اجتماعيًا، وعدم التعامل معهم أو حضور مناسباتهم أو دعوتهم للمناسبات العائليًة الوطنيًة، في مقاطعة كاملة وشاملة لهم ولعائلاتهم".

كذلك، شدّدوا على "ضرورة الالتزام بالفتوى الصادرة عن دائرة الإفتاء الفلسطينية بخصوص تحريم بيع العقارات لليهود في القدس وفي كل أنحاء فلسطين"، مشيرين إلى أنّ "من قام بتسريب العمارات الثلاث وقطعة الأرض اليوم هو خارج عن الدين الإسلامي، ويجب مقاطعته وعدم التعامل معه وعدم الصلاة عليه وعدم دفنه في مقابر المسلمين".

ورحّب المشاركون بقرار نظرائهم من العائلات المقدسيّة "ببراءة الدم من المسربين للعقارات في حي سلوان، وأنّ المجتمع الفلسطيني يلفظ كل من تسوّل له نفسه تسريب أي شبر من عقار أو أرض فلسطينيّة لمصلحة المستوطنين".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، غردّ ناشطون على وسم #القدس_مش_للبيع حيث شجبوا جريمة التسريب، ووصفوا المسربين بالخونة، ودعوا إلى ملاحقة المتورّطين ومعاقبتهم.

دعوات إلى التحقيق والنّظر في إمكانية إبطال التسريب

قال المحامي المقدسي خلدون نجم، في منشور له على فيسبوك: "إنّ التسريب تم، واستلم المستوطنون العقارات بهدوء وسلام، والبراءات العائليه تمت، وكلنا استنكرنا وشجبنا؛ وبقيت التفاصيل حول كيفية تسريب هذه العقارات أولاً: تسلسل الملكيات... من المالك الأخير الذي وقع مع المستوطنين؟"

وتساءل نجم عن المالك قبل المالك الأخير إذا وجد وعن قيمة البيع، وعن الوسيط بين المالكين لنقل الملكيات بكلّ هذا الهدوء، وعن المحامين الذين قاموا بمرافقة عملية البيع وتفاصيلهم، علاوة على فحص كل التفاصيل والبحث عن حلول أو محاولة لإيجاد حلول لإبطال هذه التسريبات.

واختتم المحامي نجم منشوره بالقول: "أعتقد أنه من واجب العائلات الديني والوطني، وهو الأهم من البراءات، أن تقوم بتزويد كل هذه التفاصيل إن وجدت لديها".