أم الفحم.. الحاضرة دائمًا لنصرة القدس والأقصى
الإثنين 26 نيسان 2021 - 6:19 م 1055 0 أبرز الأخبار، انتفاضة ومقاومة، تقرير وتحقيق |
موقع مدينة القدس l اجتذبت أم الفحم الأضواء ابتداءً من الأسابيع الأولى من بداية عام 2021 بعد خروج تظاهرات أسبوعيّة شارك فيها الآلاف من الفلسطينيين رفضًا لتفشّي جرائم القتل في الأراضي المحتلة عام 1948، وللتّصعيد في الجرائم التي حصدت منذ عام 2000 أرواح المئات من الشباب والنشطاء والقيادات المجتمعيّة، وخلّفت شعورًا متعاظمًا بالقلق لدى العائلات التي بات أبناؤها يُقتلون بوحشية وسط الحارات والشوارع والتّجمّعات، من دون أيّ وازع أو رادع.
الاهتمام الذي حازته التظاهرات التي انطلقت بداية هذا العام مردّه إلى الوعي الذي عكسته بعد جولات من ردّات الفعل التي تراوحت بين الصمت والتظاهرات المحدودة وقطع الطرقات، تحت شعارات تستدعي شرطة الاحتلال للتدخّل ولتكون جزءًا من الحلّ فيما الواقع هو أنّها أساس المشكلة، إذ تفيد الأرقام أنّ حوالي 70% من السلاح المستخدم في جرائم القتل هو سلاح إسرائيلي خرج من مقرّات جيش الاحتلال ومستودعاته.
إلا أنّ انشغال أم الفحم بهمومها الداخلية لم يشغلها عن القدس والأقصى وهذا ما تجلّى بوضوح في هبة باب العامود ومن قبلها في دعم مسؤول الحراسة في المسجد الأقصى، فادي عليان، في إعادة بناء منزله الذي هدمه الاحتلال. وهاتان المحطّتان تذكراننا بمحطّات سبقتها تؤكّد أن الفحماويين عينهم على الأقصى والقدس وأنّ همومهم الداخلية لا تشغلهم عن المسجد وعن المدينة المحتلّة.
ووفق الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، فإنّ "انتشار العنف" سياسة حكومية إسرائيلية هدفها إلهاء شعبنا وضرب نسيجه الداخلي وإشغاله عن قضاياه الوطنية كالقدس والأقصى والنقب ومصادرة الأراضي وهدم البيوت.
أمّ الفحم.. الثورة والغضب
في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير 2021، دعا ناشطون فحماويون إلى التظاهر احتجاجًا على تصاعد جرائم القتل في الداخل ولإيجاد حلّ لها. جاءت هذه الدعوة على أثر محاولة اغتيال رئيس بلدية أم الفحم السابق سليمان إغبارية بعد ساعات من مشاركته في عزاء شاب قتل في كفر قرع بجريمة إطلاق نار.
التظاهرات التي خرجت رفضًا لجرائم القتل نجحت في وضع الإصبع على أساس المشكلة في تفشّي الجريمة، وهي تورّط سلطات الاحتلال والشرطة الإسرائيلية في تغذية الجريمة ورفدها فيما كان إعلام الاحتلال يعمل على تصدير مشهد مفاده أنّ الجريمة لدى ما يسميه الاحتلال "الوسط العربي" مردّها أزمات اجتماعية وعشائرية وعائلية، وتخلّف موروث لم يتمكّن العرب، بخلاف اليهود، من تخطّيه إلى حلول عبر القانون والشرطة وأجهزة الدولة.
أم الفحم تنتصر لهبّة باب العامود
حضر أبناء أم الفحم بقوّة في هبّة باب العامود على مدى الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، وشارك الفحماويون خصوصًا في صلاتي الفجر والتراويح في الأقصى، وكان الإمداد الذي وصل من أم الفحم قبل صلاة فجر يوم الجمعة 2020/4/23 عاملًا ضاغطًا أجبر قوات الاحتلال على إزالة الحواجز التي وضعتها عند باب حطة لمنع المصلين من الوصول إلى المسجد والصلاة فيه بعد ليلة كانت الأقسى على مستوى مواجهات باب العامود. وكان لهذا الدّعم دور كبير في كسر القيود التي حاول الاحتلال فرضها ليمنع جماهير القدس من تتويج المواجهات الليلية بصلاة فجر حاشدة تؤكّد عجزه أمام الإرادة الشعبية.
وفي 2012/4/24، شارك المئات من الفلسطينيين في أم الفحم بالداخل المحتل في تظاهرة خرجت تحت شعار "من أم الفحم تحيّة.. إلى القدس الأبيّة" و"القدس خط أحمر"، بدعوة من قوى سياسية واجتماعية وشبابية فحماوية ضد ممارسات الاحتلال في مدينة القدس.
أم الفحم تتضامن مع حارس الأقصى فادي عليان
قبل باب العامود، لم تشغل التطورات الداخلية في أم الفحم الفحماويين عن الواجب الذي التزموه حيال القدس والأقصى، إذ لم تكد جرافات الاحتلال تهدم منزل مسؤول الحراسة الصباحية في المسجد الأقصى فادي عليان في 2021/2/22 حتى أطلق أهالي أم الفحم حملة لجمع التبرعّات لمساعدة فادي على إعادة بناء منزله. وقد جمعت الحملة أكثر من 120 ألف دولار.
جسّد هذا الدعم لحارس عليان حرص الفحماويين على دعم الأقصى، فالاحتلال هدم منزل عليان على خلفية عمله في الأقصى كما بين تسجيل لمكالمة صوتية أجراها أحد عناصر "الشاباك" بالحارس عليان[5]. فكانت هذه المبادرة لتأكيد رفض استهداف الاحتلال لحراس الأقصى، وهم في مقدّمة خطوط الدفاع عنه، ورفض الاعتداء عليهم وترهيبهم لمنعهم من القيام بدورهم في المسجد.
أم الفحم.. أمّ الميادين
في تموز/يوليو 2017، نفّذ ثلاثة من أبناء أم الفحم من عائلة الجبارين عملية الأقصى التي أدّت إلى مقتل اثنين من شرطة الاحتلال، واستشهاد منفذي العملية الذين خرجوا للثأر لمشاهد الاعتداء على أهل الأقصى وروّاده، واعتقال المرابطات من المسجد واقتيادهنّ إلى التحقيق، وسياسة الإبعاد عن الأقصى، وكلّ ما يندرج تحت سياسة الاحتلال الهادفة إلى تغيير الوضع القائم التّاريخي.
وكانت جنازة الشبان الثلاثة تعبيرًا آخر عن دعم الأقصى، إذ شارك فيها آلاف المشيعيين من أم الفحم وأراضي الـ48 الذين تجاوزوا ما حاول الاحتلال فرضه لجهة تقييد عدد المشاركين بعدم تجاوز العشرات لكل عائلة. وفي الجنازة، صدحت حناجر المشاركين بشعارات أكّدت وجهتهم: "عالأقصى رايحين شهداء بالملايين.. بالروح بالدم نفديك يا أقصى".
رائد صلاح.. شيخ الأقصى بامتياز
لا يمكن الحديث عن أم الفحم من دون الحديث عن ابنها رائد صلاح، الذي يعرف بشيخ الأقصى نظرًا إلى دوره الرائد في الدفاع عن المسجد، وفي أحد الملفات التي حاكمه بها الاحتلال عام 2007، اتهمته النيابة بالتحريض لقوله: "اللحظات الأجمل لدينا هي اللحظة التي نلقى فيها الله شهداء في المسجد الأقصى".
أمّا اتهامه بالتحريض فكان لمباركته عملية الأقصى التي نفذها الجبارين الثلاثة، وتأبينه الشهداء الثلاثة، الذين قال إنهم رفضوا الموت "ميتة رخيصة" واستشهدوا ليحيوا، ومن ثمّ زيارة خيمة العزاء بهم، والترحم عليهم في الخطب التي ألقاها[9]، وتأكيده أن القدس والأقصى حق خالص للأمتين العربية والإسلامية وللفلسطينيين، وضرورة الدفاع عنه، وأنّ الخطر على الأقصى باق ما بقي الاحتلال.
الشيخ الذي قال "على أعتاب السجون، لا لن نذل ولن نهون.. وإن كان السجن ثمنًا ضروريًا لنصرة القدس والمسجد الأقصى فمرحبًا بالسجون"، كان له دور قيادي في توجيه جهود الحركة الإسلامية الشمالية لترميم المصلى المرواني إلى أن افتتحت البوابات الكبيرة للمصلى أمام المصلين في عام 2000، وهذا الأمر سعّر ملاحقة الاحتلال لشيخ الأقصى بعدما أفشل مخطّطاتها في تحويل المصلى الذي تسميه "اسطبلات سليمان" إلى كنيس يهودي.
وكان للشيخ صلاح نشاط بارز ضد هدم الاحتلال طريق باب المغاربة، ما دفع الاحتلال عام 2007 إلى إصدار قرار بمنعه من دخول الأقصى أو الاقتراب من أسوار القدس القديمة حتى مسافة 150 مترًا، ومنعه من الاجتماع مع أكثر من 7 أشخاص.
كان الشيخ صلاح من أول من حذر من مخططات الاحتلال التي تستهدف الأقصى وهو رفع شعار "الأقصى في خطر" ليستنفر الأمّة للدفاع عن المسجد من السياسات التهويدية التي يتبعها الاحتلال. وعلى الرغم من ملاحقة الاحتلال له ومعاقبته بسبب مواقفه من الأقصى وفلسطين، إلا أنّه ظلّ ثابتًا على موقفه، وهو ما كلفه قرارات متكررة بالإبعاد عن القدس والأقصى.
كذلك، أطلقت الحركة الإسلامية التي يرأسها الشيخ صلاح برنامج مسيرة البيارق الذي عمل عبر سنوات على رفد الأقصى بآلاف الفلسطينين من الداخل المحتل عبر حافلات مجانية، كان لهم دور كبير في حماية الأقصى والتصدي لاعتداءات المستوطنين ومنع تماديهم، إلى أن منعت سلطات الاحتلال الحركة وكل مؤسساتها وبرامجها عام 2015، الأمر الذي تلاه تصعيد واضح في استهداف الأقصى وتصاعد اعتداءات المستوطنين.