أربعة أعوام على هبّة باب الأسباط: ثبات الإرادة وتجدّد النصر
الثلاثاء 27 تموز 2021 - 4:22 م 1358 0 المقاومة الشعبية ، أبرز الأخبار، المسجد الأقصى، انتفاضة ومقاومة، تقرير وتحقيق |
موقع مدينة القدس l في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام، تحديدًا في 2017/7/27، توّجت جماهير القدس هبة باب الأسباط بإجبار سلطات الاحتلال على التراجع عن الإجراءات التي حاولت فرضها تحت عنوان "حفظ الأمن" عندما نصبت بوابات إلكترونية عند مداخل الأقصى بذريعة العملية التي نفذها شبان ثلاثة من الداخل الفلسطيني المحتلّ في 2017/7/14. جاء تراجع الاحتلال بعد 12 يومًا من صمود جماهير القدس ورباطهم عند أبواب الأقصى رافضين الدخول قبل أن يزيل الاحتلال إجراءاته التي أعادت إلى الأذهان مشهد سيطرة الاحتلال على المسجد الإبراهيمي وفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه.
أدوات المعركة وعوامل النّصر
اجتمعت في هبّة باب الأسباط مجموعة من العوامل التي أدّت إلى تحقيق النصر الذي تجلّى في إجبار الاحتلال على التراجع عن الإجراءات التي حاول فرضها في المسجد في سياق محاولاته المستمرة لتغيير الوضع القائم التاريخي وتقويضه. وكان في مقدّمة هذه العوامل حضور الإرادة الشعبيّة والصمود على مدى أيّام الهبّة، والاحتشاد الجماهيري الواسع، والاستفادة من الصلاة بأبعادها النضالية الجمعيّة بدلاً من أن تقتصر على البعد الفرديّ.
وكانت "واقعيّة" الهدف ووضوح المطالب من العوامل التي ساعدت على حسم المعركة لمصلحة المقدسيّين فقد ساعد وعي جماهير القدس بالهدف الذي ينبغي تحقيقه على الوصول إلى النصر، فهبّة باب الأسباط كانت تهدف إلى منع الاحتلال من تسجيل تقدّم جديد في حربه على الأقصى، ومنعه من فرض أمر واقع جديد يخلخل به الوضع القائم في المسجد. وقد تنبّه المقدسيون إلى أنّ المعركة لم تكن على حرية الدخول إلى الأقصى وأداء الصلاة فيه وحسب بل على السيادة على المسجد والقدس عمومًا، والمطلب هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2017/7/14، أي إزالة البوابات الإلكترونية ومن ثمّ إزالة الكاميرات التي حاول الاحتلال أن يستعيض بها عن البوّابات ليثبت أنّ الأمر له، والهدف هو إعادة تكريس معادلة الردع بالمقاومة. وكان واضحًا أنّ رفع سقف المطالب لن يعود بالفائدة، وقد ينهي المعركة على عدم تحقيق هذه المطالب، الأمر الذي سيبدو خسارة وفشلًا في كسب هذه الجولة.
وساعد على تحقيق النصر التعاطي مع الأقصى على أنّه ساحة مواجهة وجهاد، وليس حيزًا جغرافيًا لأداء الصلاة والشعائر الدينية وحسب. فرفض جماهير القدس الدخول إلى الأقصى بعدما فتحته قوات الاحتلال، وتمسّكهم بالصلاة عند أبوابه رفضًا للمرور عبر البوابات الإلكترونية، بيّن أنّ التعاطي مع الأقصى هو جزء من النضال الفلسطيني، وليس معزولًا عنه، بل يخدم إعادة تكريس معادلة الردع بالمقاومة، وتعزيزها. وفي هذا السياق، لم تقتصر الصلاة على الجانب التعبّدي الفردي بل باتت جزءًا من مقارعة المحتل، والتصدي له، وميعادًا للتجمّع والاحتشاد وإعادة شحذ الهمم، وتأكيد الهدف، والتركيز على تحقيقه.
ولم تكن عوامل تحقيق النصر مقتصرة على ما جرى في الأقصى ومحيطه، بل تعدّت ذلك إلى التفاعل الخارجي الذي شكّل دعمًا معنويًا لصمود جماهير القدس ونضالهم، لا سيّما العمليات الفردية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة بالتزامن مع أيّام الهبة، وكذلك التظاهرات الداعمة والمؤيدة للمقدسيين ودفاعهم عن الأقصى في دول عربية وإسلامية، من الأردن ولبنان إلى تركيا وماليزيا، إضافة إلى التفاعل الإلكتروني.
ما بعد النصر في باب الأسباط.. الإرادة الشعبية شواهد ومحطّات
لم تكن هبّة باب الأسباط قبل أربع سنوات بالحدث العادي في تاريخ الأقصى والنّضال الشعبي للدّفاع عن المسجد، وهي لم تكن بالأمر الاستثنائي أو غير المألوف في تاريخ الصراع مع الاحتلال، فالمسجد الأقصى كان سببًا في اندلاع هبّات وثورات فلسطينية منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، وكانت هذه الثورات محطّات بارزة في تاريخ مقاومة الاحتلال والتّصدّي له.
ولم تكن الهبة والنصر الذي حقّقته نهاية النضال الفلسطيني ضدّ الاحتلال، بل هي كرّست أهمية الإرادة الشعبية في مواجهة المحتل، وأكّدت إمكانية التصدّي لمخططاته وإفشالها أو عرقلتها، وتأكّد ذلك مع تكرار التجربة لا سيما في عامي 2019 و2021.
ففي عام 2019، كان الأقصى على موعد مع مشهد مشابه من الصمود والتصدي ومواجهة الاحتلال، تجسّد في هبة باب الرحمة وما حقّقته فيها جماهير القدس من نصر تجلّى في إعادة فتح باب الرحمة الذي أغلقه الاحتلال عام 2003 وواظب على إغلاقه طيلة 16 عامًا ضمن سياق استهدافه المنطقة الشرقية من الأقصى التي تتخذها جماعات المعبد نقطة انطلاق لتنفيذ مخطط التقسيم المكاني للمسجد.
وفي عام 2021، تحديدًا في شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو، أجبرت الإرادة الشعبية الاحتلال على التراجع حتّى في ظلّ استدعاء ما تستطيع من قوة لتمرير مخططاتها في باب العامود وفي اقتحام 28 رمضان. فمحاولات الاحتلال منع المقدسيين من الجلوس والتجمع في باب العامود باءت بالفشل رغم البطش بالمقدسيين والاعتداء عليهم، واضطر الاحتلال إلى إزالة الحواجز الحديديّة التي وضعها في منطقة باب العامود لفرض واقع جديد فيها.
وفي 2021/5/10، تمكّن المعتكفون في الأقصى من منع المستوطنين من اقتحام المسجد للاحتفال بيوم توحيد القدس، أو استكمال احتلال القدس وفق التقويم العبري، الذي تزامن مع 28 رمضان، وفشل الاحتلال في تمرير الاقتحام حتى في ظلّ استدعاء آلاف عناصر الشرطة والقوات الخاصة وحرس الحدود، وكان عليه أن يكسر حاجز إرادة المعتكفين والمرابطين، وهو ما فشل في تحقيقه.
وفي كلّ هذه المحطات، كانت الإرادة الشعبية تصنع مشهدًا من الصمود والتماسك والوحدة والوعي يعرقل هجمة الاحتلال على القدس والأقصى، ويمنع الاحتلال من تثبيت أمر واقع جديد، ويضع لبنة جديدة على طريق التّحرير.